إملي نصراللّه (أبي راشد)
تحيّة إلى روح الأديبة اللبنانبية العالمية إملي نصراللّه (أبي راشد) من أنطوان فضّول
بعد عام ونصف من ولادتها، انتقلت إلى الكفير للعيش في منزل جديها لوالدتها، حيث نشأت وتلقت تربية قروية تقليدية.
هي كبيرة العائلة، أشقاؤها أربعة: لبيب وجورج والياس وسهيل وشقيقتها لور.
وفاة شقيقتها المبكر ترك أعمق الأثر فيها وسبّب جرحًا بليغًا لم يلتئم بسهولة بل طغى على طفولتها.
شجعها والداها على العلم والدراسة.
ولأن الدخول إلى المدرسة، في ذاك الزمن، يبدأ عند بلوغ الولد السادسة من عمره، كانت تختبئ تحت نوافذ المدرسة تتنصت إلى التلامذة والأساتذة وتحفظ غيبًا ما تسمعه. إلى أن بلغت السادسة من عمرها فالتحقت بمدرسة الكفير.
أما خالها، عضو الرابطة القلمية في نيويورك، وبعد ان أصيب بمرض عصبي في رأسه عاد إلى لبنان وأقام في الكفير في منزله الوالدي، فأعطاها من ثروته الفكرية ورسّخ فيها قيمة المرأة بعد أن رسم لها صورتها في أميركا، فوعت للمساواة مع الرجل وتخلت عن صورة المرأة التي تحتل المرتبة الثانية في المجتمع.
بعد دراستها الإبتدائية في المدرسة الرسمية في الكفير، وبدعم مادي من خالها، تابعت دراستها الثانوية في الكلية الوطنية في الشويفات، قرب بيروت. ومنها انتقلت إلى كلية بيروت الجامعية، ثم الجامعة الأميركية حيث تخرّجت بشهادة الماجستير في العام 1958. وفي سنة 2000، منحتها جامعة القديس يوسف شهادة الدكتوراه.
وكانت قد سكنت في بيروت منذ سنة 1953، حيث تعرفت إلى زوجها الكيميائي فيليب نصر الله ابن مدينة زحلة، الذي ساهم هو الآخر في تحريرها من عقد كثيرة كانت لا تزال تهيمن على حياتها. وبعد سنتين من صداقة عميقة تزوجا في العام 1957 فأنشأا معاً عائلة من أربعة أولاد: رمزي، مها، خليل، منى.
في تلك الفترة، كانت الجامعة حلمًا مستحيلاً بالنسبة لفتاة ريفية تعيش في بيروت. شخصيتها الثائرة على واقعها القابض ودعم المحبين لها وآخرهم الاديبة أدفيك شيوب، التي ساعدتها في بعض الترجمات لصوت المرأة، ودخولها حقل الصحافة تكتب في مجلة الصياد"، كل ذلك عوامل أمنت لها مدخولاً كافيًا مكّنها من دخول الجامعة وتأمين أقساطها.
فشلت الأحزاب والتيارات الحزبية والعقائدية في استقطابها لأنها تمسكت باستقلاليتها تحافظ عليها. لكنها لم تتردد بالمقابل في المشاركة في العديد من التظاهرات ومن بينها تظاهرة نظمت من اجل الجزائر شاركت فيها وهي حامل في شهرها الثامن.
بعد مرحلة التدريس، انخرطت في حقل الصحافة مذ كانت طالبة جامعية، وعملت فيها طيلة خمس عشرة سنة، في الوقت عينه عرفتها الأنتلجنسيا اللبنانية والعربية أديبة بدأت تحتل موقعها الريادي في أسرة الأدباء اللبنانيين والعرب محققة قفزة نوعية في مسيرة الرواية العربية.
عانت مع عائلتها من معاناة الحرب، حين احترق منزلها العائلي ومجموعة كبيرة من مخطوطاتها إبّان الإجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982.
ناضلت إميلي نصر الله من أجل تحرير المرأة، متمردة على التقاليد، لكن بعيدًا عن أي تحد عنفي، مطالبة بالمحافظة على بعضها وإسقاط بعضها الآخر لاسيما التمييز بين الجنسين. أثبتت دور المراة وقدراتها الإبداعية الخلاقة وأحقية مساواتها للرجل دون التنازل عن دورها كأم وربة بيت وجدة حنونة.
فتحت لها الصحافة مجال اللقاء بالناس وطوعت من خلالها لغتها بالممارسة الكتابية اليومية.
روايتها الأولى طيور أيلول نالت فور صدورها في العام 1962 ثلاث جوائز أدبية، وهي الآن في طبعتها الثالثة عشرة، وتلتها سبع روايات وتسع مجموعات قصصية. كما كتبت للفتيان الرواية، والقصة، كذلك خصّت الأطفال ببعض قصصها وألفت كتابا في سيرة النساء الرائدات من الشرق ومن الغرب.
تدور قصصها حول الجذور العائلية والحياة في القرية اللبنانية والإغتراب والهجرة والحرب، وتتناول نضال المرأة في سبيل المساواة والتحرّر وخصوصاً حرّية التعبير.
شاركت في مؤتمرات أدبية، وندوات فكرية في بلدان عدّة، بينها: كندا، الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، سويسرا، هولندا، الدانمارك، بعض البلدان العربية.
أعطت الباحثة الأميركية د. ميريام كوك اهتماماً خاصاً لرواياتها، خصوصاً في كتابها "الأصوات المختلفة للحرب: كتابة المرأة عن الحرب الأهلية في لبنان.
تُرجمت بعض رواياتها وقصصها إلى عدد من اللغات بينها: الإنكليزية، الألمانية، الهولندية، الدانماركية، الفنلندية، التايلاندية.
وتقديراً لها ولأسلوبها الأدبي المتقن، أقرت مؤلفاتها مادة إلزامية لشهادة الماجستير والدكتوراه في جامعة القديس يوسف في بيروت وأصبحت كتبها في صلب مناهج الطلاب في المرحلتين الثانوية والجامعية، كما انبرى الكثيرون لدراسة أسلوبها في الأدب والقصة والرواية، وقد قدم عنها العديد من الباحثين اطروحاتهم الجامعية.
على أهمية نشاطها الصحافي، تبقى إميلي نصر الله حاضرة بادبها الراقي، الذي خاطبت به إنسانية القرن العشرين، موجهة انظارنا إلى مستقبل فيه مقومات النهوض والحياة والنمو.
حبر قلمها استحال علاجًا حيًا داوى جراحًا ساخنة ألهبت مجتمعنا الشرقي وأعاقته مانعة إياه عن مواكبة العصر والإجابة عن تساؤلات مشروعة أحاطت بأجياله الشابة.
أرادت بأفكارها الرائدة أن تضع حدًا لهذا الضياع في الهوية الشرقية وهذا التخبط اللاواعي بين تقاليد عريقة يقيدها جهل أعمى وانفتاح حضاري تشوه مساره فوضى أخلاقية.
عند هذا التقاطع وقفت وأمسكت بيديها التيارين المتناقضين وخطت بقلمها لهما مسارًا مشتركًا جعلهما يتآلفان ويتكاملان ويتوحدان.
وفي زمن ارتدى فيه لبنان ثوب سويسرا الشرق، تألقت مؤلفاتها كنجوم رصعت فضاءه ووصل شعاعها إلى كل أقاصي الأرض، فأضافت إلى خصوصيته هوية ثقافية ذات وجه عالمي.
وفي زمن الحرب حيث التشوهات أصابت كل جزيئياته، جاءت مؤلفاتها كوشاح الثلج الأبيض تغطي عيوبه وتروي بندى أبجديتها خلاياه العطشى إلى الحياة والأمل والسلام.
وكما أعادتنا إلى جذورنا، اعادت تموضعنا على خارطة الحداثة.
هي أديبة ثائرة دومًا وثورتها بنفسجية وما دون الحمراء تنساب كالطيف لا تؤذي ولا تشوه بل تحيي وتجدد في حركة لا تستكين.
(*) الأديبة إميلي نصر الله روائية وقصصية. مواليد كوكبا، جنوب لبنان،6 تموز 1931. والدها داود ابو راشد. والدتها لطفى أبو نصر.
لائحة بمؤلفاتها:
طيور أيلول (رواية)، شجرة الدلفى (رواية)، الرهينة (رواية)، تلك الذكريات (رواية)، الإقلاع عكس الزمن (رواية)، الجمر الغافي (رواية)، روت لي الأيام (قصة قصيرة)، الينبوع (قصة قصيرة)، المرأة في 17 قصة (قصة قصيرة)، خبزنا اليومي (قصة قصيرة)، لحظات الرحيل (قصة قصيرة)، الليالي الغجرية (قصة قصيرة)، الطاحونة الضائعة (قصة قصيرة)، أوراق منسية (قصة قصيرة)، أسود وأبيض (قصة قصيرة)، رياض جنوبية (قصة قصيرة)، الباهرة (قصة اطفال)، شادي الصغير (قصة أطفال)، يوميات هر (قصة أطفال)، جزيرة الوهم (قصة أطفال)، على بساط الثلج (قصة أطفال)، أندا الخوتا (قصة أطفال)، أين تذهب اندا (قصة أطفال)، نساء رائدات (ستة اجزاء)، في البال...
أعمال مترجمة:
صدرت لأعمال الأديبة نصرالله ترجمات عدّة توالى ظهورها وفق التسلسل الزمني التالي:
الاقلاع عكس الزمن، بالانكليزية (1987)، وبالألمانية (1991)، و(بالدانمركية (1993).بيت ليس لها، بالإنكليزية (1992.
خطوط الوهم الرائعة باللغتين الإنكليزية والعربية،1995.
تحويل رواية الاقلاع عكس الزمن الى كتاب سمعي بالدانمركية،1996.
الرهينة، بالألمانية،1996.
طيور أيلول، بالألمانية ،1998.
يوميات هرّ، بالألمانية، والإنكليزية، والإيطالية، والهولندية (1998-2001)، وبالتايلاندية العام 2005.
تلك الذكريات، بالفنلدية 2004.
جوائز وتقدير
حائزة مجموعة كبيرة من الجوائز والأوسمة لبنانية وعربية ودولية نذكر منها:
جائزة أفضل رواية (لبنان، 1962)، جائزة AKL، لبنان، 1962)، جائزة أصدقاء الكتاب (لبنان، 1962)، جائزة الشاعر سعيد عقل (لبنان)، جائزة مجلة فيروز (لبنان)، جائزة جبران خليل جبران (من رابطة التراث العربي في أوستراليا)، جائزة مؤسسة "إيبي" IBBY العالمية لكتب الأولاد على "يوميات هر" (1998)، جائزة قائمة شرف لرواية الاطفال "مفكرة هر"، 1998، جائزة AKL، 2002.
(إعداد: أنطوان فضّول)