الياس مخيبر

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى روح المحامي الياس مخيبر
مواليد بيت مري 1968. والده سمير فائق مخيبر. والدته جورجيت نسيب مسعود. له شقيقتان كاترين ولينا. متأهل من المحامية مريم جول اسكندر حفيدة الشيخ موريس الجميل ولهما ثلاثة أولاد هم سمير ومارك وجولي. عمّه دولة الرئيس الدكتور ألبير مخيبر.
ينتسب إلى عائلة أعطت من أجل لبنان ولا تزال. والده رجل الأعمال سمير مخيبر أحد المساهمين في قطاع الطيران، نشط في شركة أليطاليا وإيران إر، وعمّه الزعيم المتني والنائب والوزير نائب رئيس مجلس النواب والوزراء لدورات عدة الدكتور ألبير مخيبر. شخصيتان تركا ولا يزالان أعمق الأثر في وجدان الياس مخيبر وحركته الوطنية والسياسية والإنسانية.
توزعت دراسته بين لبنان وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية، حيث تلقى مرحلتها الأولى في مدرسة الليسيه الفرنسية في بيروت، قبل أن يغادر سنة 1984 إلى مدينة سان جوليان أون جينيفوا St. Julien-en-Genevois في فرنسا لمدة سنتين تابع خلالهما دروسه في مدرسة ليسيه مادام دو ستاييل. وبعد حيازته شهادة البكالوريا الفرنسية، انتقل إلى سويسرا ليدرس العلوم السياسية في جامعة جنيف، قبل ان ينتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية، ويلتحق بجامعة كوليج أوف وليم أند ماري في ولاية فرجينيا ليتخصص في إدارة الأعمال والعلوم السياسية.
استغل وجوده في قلب العالمين الأوروبي والاميركي ليغرف من ثقافات ومعارف يحملها إلى لبنان تسمح له بتحقيق ذاته على كافة الأصعدة وتخدم وطنه.
تزامن وجوده في عالم الاغتراب مع بدء التحولات الدولية الكبرى التي ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين، الامر الذي ساعده في استشراف التطورات الاقتصادية والسياسية والعلمية التي يتهيأ العالم للغوص فيها.
رفض الوقوف متفرجًا على أبناء وطنه يذوقون الموت وكل انواع المآسي، ضحايا حرب مدمرة فرضت على لبنان ودكت كل أسواره وزلزلت أساساته وشلعت أجزاءه وحولته فريسة تنهشها السياسات الدولية والمصالح الإقليمية والغرائز الفئوية والشخصية.
تأثر عميقًا بالواقع المأساوي الذي أصاب المجتمع اللبناني طيلة الحرب حيث أخذ عدد الشهداء في التضاعف والجرحى بالارتفاع وحيث المستقبل الأسود خيّم فوق رؤوس الجميع.
لم تؤثر الحرب على معنوياته ولم تحبط عزيمته بل ظل طوال الوقت يدعم أكثر من نشاط يتجه في سبيل خدمة المجتمع ونهضته من كبوته، واحيانًا من موقع القائد والمحرك والملهم والمبادر.
في مرحلة وجوده في عالم الاغتراب اختبر النضال الطالبي مواكبًا من موقعه كل التحولات الخطيرة التي كان لبنان قد بدأ يشهدها.
لم يلتحق بأي من الأحزاب اللبنانية. لكنّه أسس في فترة وجوده في فرنسا نادي الطلاب الأجانب وهو حركة سياسية ثقافية يهدف من خلاله إلى تعريف الطلاب الأجانب على بلادهم وحضاراتهم وثقافاتهم. كذلك في سويسرا والولايات المتحدة الأميركية كان له دور فاعل في الجمعيات الطلابية اللبنانية الاغترابية، وقد شارك في التظاهرات الشبابية الداعمة للبنان والحرية والسيادة والاستقلال، وكان في عداد الطلاب الذين طردوا من السفارة اللبنانية في واشنطن يوم اقتحموها في شهر تشرين 1991 لتسجيل موقف معترض من دخول السوريين إلى الاراضي اللبنانية.
سنة 1991 وبعد عودة الهدوء إلى لبنان وخروجه من نفق الحرب، عاد إلى وطنه الام ليعمل مع والده ثم التحق بجامعة القديس يوسف ودرس الحقوق ويحوز سنة 1997 الإجازة في المحاماة ويتدرج في مكتب الأستاذ شارل عيروط ويمارس مهنة المحاماة في مجال القانون الخاص ، قبل أن يستقل في مكتبه الخاص في الأشرفية حيث تخصص بقانون الأعمال والقانون العقاري.
تبحّر في عالم الحقوق والقوانين، وصار أشبه بموسوعة إذا صح التعبير يمتلك المعرفة العميقة والاطلاع الواسع. ولم يحصر ثقافته بالمكتبة الحقوقية، بل واكب التيارات الفكرية المعاصرة بمجملها وتعمق في ثقافات الشعوب قاطبة.
في زمن تردى فيه المستوى السياسي الذي تحكّم بالبلاد، تحرّك انطلاقًا من قناعاته الوطنية والإنسانية نحو وطن سيّد ومستقلّ يعيش فيه الإنسان حياة كريمة متساويًا مع أخيه في المواطنية يحظى بكل حقوقه في ظل من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
ليست السياسة عالمًا غريبًا عن مسيرته النضالية. فهو مناضل سياسي، كافح من أجل إحداث تغيير في الواقع المتردي نحو حالة ثابتة من الاستقرار والنهضة والعصرنة. ناهض كل أشكال الاحتلالات التي أسرت لبنان وشعبه ومزقت وحدته ودكت أسوار سيادته وأفسدت إدارته ورمته في مجاهل الانحطاط والتخلف. أيّد فكر الدكتور ألبير مخيبر الرافض للمذهبية والطائفية والمناهض للاحتلالات. وتضامنًا مع دعوته للمقاطعة، قاطع الانتخابات النيابية سنة 1992. لكنه سنة 1996 انضم مع مجموعة من الأقارب إلى المكنة الانتخابية للدكتور مخيبر. وسنة 1998 شارك في معركة الانتخابات البلدية في بيت مري - عين سعادة وحققت اللائحة المدعومة منه فوزًا كبيرًا. أما في سنة 2005، فترشح منفردًا إلى الانتخابات النيابية في دائرة المتن الشمالي، حاملاً إلى المجلس النيابي برنامجًا متكاملاً يعبر عن رؤيته الإصلاحية المختمرة بتجربته الغنية. كذلك سنة 2009 عاود الترشح على المقعد النيابي عينه إنما على لائحة الإنقاذ المتنية مع دولة الرئيس ميشال المر والشيخ سامي الجميّل. لكن البرلمان في كلتا الدورتين لم يشرع أمامه الباب فخسر عنصرًا أصيلاً يمتلك فيضًا من مصداقية وإنسانية وعلم وخبرة ووطنية، إلاّ أنه خسر بفارق ضئيل جدًا في الأصوات. من جهة أخرى، دعم سنة 2010 لائحة في الانتخابات البلدية حازت ثقة أهالي بيت مري وحصدت الفوز كاملة.
للمحامي الياس مخيبر فلسفة خاصة بالحياة، كان لها أثرها العميق في نفوس كل من رافقه وتعرّف إليه. في طبعه الهادئ وتواضعه العميق تفهم مدى قلة اكتراثه بالشعارات وضجيج الإعلام وكثرة الكلام.
احتلت القضايا الوطنية والمسائل الإنسانية الحيز الكبير من وقته إنطلاقًأ من قناعة بأن السلام لا يترسخ إلا بالعدالة الاجتماعية. إلى ذلك، حمل لواء النهضة البلدية وعمل في سبيل تنمية بلدة بيت مري مسقط رأسه وجوارها ورفع حالة الحرمان التي تعاني منها.
بالنسبة له تبقى الديمقراطية الهدف الأسمى لكل رقي سياسي، ولبنان يتقدم على كل البلاد العربية في هذا المجال، فهو ذو خبرة ديمقراطية مهمة وشعبه يمتلك بمعظمه الحس الديمقراطي وقد تربى على المفاهيم الديمقراطية منذ عهد الاستقلال. تطلع نحو تمتين أسس قيام الدولة المستقلة وتطوير مفهومها وأدائها وتصحيح العلاقة بين الحاكم وتتويجها بالشفافية والموضوعية والتمثيل الصحيح. إلى نضالاته السياسية ومواقفه الوطنية الرائدة، أثبت حضورًا في المحاماة وأوكل أدق القضايا في لبنان والدول الأجنبية، فمثل المحامين اللبنانيين أرفع تمثيل.
(إعداد: أنطوان فضّول)