خلدون عريمط

في إطار برنامج "أعلام من بلاد الأرز"، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى فضيلة الشيخ خلدون عريمط الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى.
علم من أعلام الفكر الإسلامي اللبناني المعاصر، يسهم بعلمه وحكمته وشخصه، في النهوض بالواقع الإسلامي والولوج به إلى القرن الحادي والعشرين، أعمق تجذّرًا وأكثر انفتاحًا على العصر وأشد صلابة بوجه ما يواجهه من استحقاقات وتحولات تحدّ من رسالة الإسلام السمحاء ودوره في خدمة الشعوب والأمم والحضارات.
ولد في منطقة تعاني الحرمان والتهميش... وترعرع في بيئة ذخرت بتراثها التليد وخصوصيتها الفريدة.
تنقل بين مسقط رأسه كفرملكي في سهل عكار وطرابلس التي تلقى على مقاعد مدرسة النهضة فيها دراسته في مرحلتها الابتدائية قبل أن ينتقل إلى بيروت ويلتحق بمعهد ثانوية أزهر لبنان، ينهي مرحلة دراسته المتوسطة والثانوية، ويغادر بعدها إلى القاهرة طالبًا جامعيًا يحصد الإجازة في الشريعة والقانون من جامعة الأزهر الشريف، ثم يعود إلى بيروت ليكمل تخصصه الجامعي في جامعة الإمام الأوزاعي ويحوز الماجستير في الدراسات الإسلامية ويتحضر لمرحلة الدكتوراه.
أغنى المكتبة اللبنانية والعربية والإسلامية بكتابات ومقالات وتآليف غدت موردًا للعلم والفقه، نذكر منها:
دور الداعية في إحياء رسالة المسجد.
التصوف في الإسلام بين الحقيقة والادعاء.
الوجود الإسلامي في عكار.
الموارنة في لبنان بين العروبة والإسلام.
تخطى اسمه حدود لبنان وتمدد على مساحة الوطن العربي والعالم الإسلامي، لا بل لامس حدود العالمية... وإذا بمشاركاته في العديد من المؤتمرات العربية والإسلامية تعكس هذه السعة في إدراكه لقضايا العصر ومفاهيمه وأحواله.
بهذه المنهجية ندرك محورية حضوره الفاعل في العديد من المؤتمرات التي استضافته في كبرى الدول بما فيها: المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق ودولة الكويت والمملكة الهاشمية وسوريا وليبيا ولبنان وتركيا وقبرص التركية وسنغافورة وبريطانيا وإندونيسيا.
عمل لإنماء منطقة عكار والنهوض بمجتمعها من خلال خدماته الدينية والوطنية من جهة وترؤسه العديد من الجمعيات والمراكز الناشطة في هذا المجال، من جهة أخرى، بما فيها ترؤسه المركز الإسلامي للتنمية الدينية وترؤسه دائرة الأوقاف الإسلامية في عكار.
أما في بيروت، فمارس الإمامة والخطابة والتدريس في العديد من مساجدها لاسيما في مسجد عين المريسه. كما درّس التربية وعلوم القرآن الكريم في الكثير من المدارس الرسمية وفي مدارس المقاصد الإسلامية. وجاءت عضويته في كل من جمعية متخرجي الأزهر الشريف في لبنان ومتخرجي جامعة الإمام الاوزاعي في بيروت ومجلس إدارة مؤسسات المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد للتربية والثقافة في بيروت لتتوج هذا الحضور الناشط في عالم التربية والتعليم والثقافة.
بوصفه ناظر أزهر لبنان في بيروت، وانطلاقًا من حضوره الواسع النطاق، عرف كيف يدافع عن القضية الإسلامية والوحدة الوطنية والعيش المشترك في لبنان من خلال دوره المسؤول في أكثر من هيئة ومنظمة إسلامية وعربية، وأخصّها: عضويته في المؤتمر القومي الإسلامي وفي الهيئة الدائمة لتكريم علماء المسلمين في بيروت ...
إنسجامًا مع موقعه المتقدم هذا، تم انتخابه أمين سر اللجنة العليا للقرن الخامس عشر الهجري، المؤلفة من المذاهب الإسلامية اللبنانية كافة، والتي ترأسها الشيخ د. صبحي الصالح رحمه الله.
على مستوى دار الفتوى في لبنان، تولى مسؤوليات كبيرة وأنيطت به مهمات شديدة الحساسية وأدار مواقع متقدمة، حيث شغل أكثر من وظيفة وأنجز العديد من المهمات الإدارية بما فيها مدير العلاقات العامة والإعلام، ومدير الشؤون الاجتماعية، ومدير المركز الصحي العام، ورئيس دائرة شؤون أوقاف المناطق... إلى أمين سر المجلس الاستشاري لمفتي الجمهورية ثم المدير العام للعلاقات العامة والإعلام، وأخيرًا الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى في لبنان. وقد واكب بذلك مفتيين للجمهورية هما سماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد وسماحة الشيخ محمد رشيد قباني. كما ان سيرته الناصعة تؤهله أن يكون من النخبة المرشحة لتولي منصب مفتي الجمهورية.
أما على الصعيد الوطني، فلم تنحصر عطاءاته بعضويته في مجلس أمناء شباب لبنان الواحد، بل تراه ينشط من خلال المواقع التي شغلها والعلاقات التي بناها، ليقدم للبنان وشعبه، بمختلف مذاهبه ومشاربه، خدمات جلّة تجعل منه شخصية ريادية وعلمًا وطنيًا له اليد الطولى في الكثير من الحراك الوطني العام المشجع للوحدة الوطنية والهادف إلى صون السيادة والاستقلال والحرية وتعبيد الطريق أمام مستقبل لبنان ولم شمل أبنائه، في إطار من التعاون والتنسيق مع الأشقاء العرب.
في فترة الحرب، ناضل في سبيل مكافحة تداعياتها ومواجهة مسببباتها والمساهمة في التصدي لظواهر الشرذمة والتباعد بين اللبنانيين. وفي مرحلة السلم وتشكيل مقومات الدولة واستعادة السيادة والكيان والجمهورية، كان الداعم لبرامج الإنماء والإعمار، والداعي لترسيخ ركائز الوحدة، والرائد في تظهير وجه لبنان الحضاري بخصوصية تنوعه وانسجام مكنوناته وغنى تراثه وإرثه وحضوره الإنساني ليبقى لبنان جسرًا للتواصل ومقرًا للحوار بين الق=ثقافات والحضارات في هذا الشرق.

(إعداد: أنطوان فضّول)