حسن شريفة
في إطار برنامج "أعلام من بلاد الأرز"، تحية شكر وتقدير من أنطوان فضول والمنتدى الرقمي اللبناني لفضيلة الشيخ حسن شريفة.
إمام مسجد الصفا
رجل دين متنوّر، حاضر في وجدان لبنان والامة الإسلامية.
ولد في الكويت، العام 1967م، وهو من بلدة النبطية الفوقا في جنوب لبنان. متأهل وله ثلاثة أولاد.
درس علومه في بيروت، وغاص في دراسته الدينية في معهد الشهيد الأول للدراسات الإسلامية بإشراف الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
في البلدة الجنوبية الوادعة، عاين شعبًا طيبًا، يتمسك بكرامته، رغم كونه يرزح تحت احتلال بغيض، وفي الوقت عينه، يسامر بيئة عذراء نضرة، إكتشف في حناياها سر الصمت المتجلي بهمسات الطبيعة. دخل هذا السحر إلى وجدانه ممزوجًا بروح مقاومة أبيّة، لا تزال تطبعه حتى اليوم.
هو شخصية فكرية، تخطّت أفكاره حدود الجغرافيا اللبنانية وتمددت على مساحةٍ ذات أبعاد إنسانية عامة. من هنا نراه حاضرًا ومشاركًا في الكثير من الخطوات والمؤتمرات التي تُنظّم في إطار المشاركة الفكرية العابرة للأديان، وقد ساهم من خلال مبادئه الفكرية، في إدخال رؤية تجديدية إلى العالم الإسلامي، تستقي أسسها من تطور العصر وكنوز الحضارة واكتناه المعايير الإنسانية.
يشارك في العديد من المؤتمرات في لبنان وأوروبا وأوستراليا، وفي البرامج الحوارية عبر شاشات التلفزة حيث يحاور بخبرته وحكمته وفكره المتنوّر ومعارفه الدينية والإنسانية. فتراه نجمها وقطبها.
سئل في ألمانيا، يومًا، عن الإمام موسى الصدر، فأجاب بكتاب باللغات العربية والألمانية والفرنسية والإنجليزية.
تأثر عميقًا بشخصية الإمام موسى الصدر وبمسيرته الإصلاحية، فاستلهم منه الحكمة والتزم خطه ونهجه من أجل لبنان الواحد النهائي، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين المحرومين، إيمانًا منه بنظريته السياسية والتزامًا بروحيتها، لا سيما لناحية كونها تطرح حلولاً لمشكلة المواطنة والفوارق الإجتماعية وتعزز فكرة الدولة.
ولأنه كان مأخوذًا بحس المسؤولية تجاه مجتمع لبناني يعاني من الحرمان ويتكبد التضحيات، اتخذ قراراً محوره لبنان الوطن النهضوي السيد المستقل، وانتظم في حركة أمل عضوًا ملتزمًا نشيطًا، بدأ يتدرّج في المسؤوليات الحزبية.
في كل المراحل التي عاشها لبنان في هذين العقدين الأولين من القرن الحادي العشرين، حتى اليوم، والشيخ حسن شريفه جزء لا يتجزأ من الحالة الشيعيّة المصرّة على النهوض والإنفتاح على العائلات الروحية اللبنانية دون تمييز.
على هذا المستوى، حياته حركة دائمة، حيوية في تنوعها، وثابتة في رؤيتها وجديتها، وهو ما تعكسه تلك المسؤوليات الدينية والوطنية التي يتولاها. بدءً بعضويته القيادية في حركة أمل، وتوليه إدارة مكتب شؤون الحج والعمرة والزيارة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مرورًا بالإسناد إليه مهمة الإمامة في مسجد الصفا في بيروت، وتعيينه أمينًا عامًا للأوقاف الشيعية، وصولاً إلى ترؤسه جمعية نلتقي لأجل الإنسان.
أزهر نشاطه الرائد، ولادة مشاريع خيرية هادفة وإطلاق مؤسسات اجتماعية وتربوية ورعائية غطّت بخدماتها مختلف القطاعات والميادين، وساهمت في معالجة أوضاع مأساوية عدّة وظواهر إنسانية متردية كان يتخبط بها المجتمع اللبناني عمومًا والشيعي بنوع خاص.
سنة بعد سنة، تكوّنت لديه رؤية إنسانية ووطنية زاوجت بين الحداثة والأصالة، بين الانفتاح والتمسّك بالقيم. وما طبع مسيرته بشكل خاص التصاقه بقضايا الناس ومشاكلهم وهمومهم وآمالهم، إلى جانب مقاومته لغة التباعد بين اللبنانيين، ودعوته الدائمة إلى حوار منفتح وعيش مشترك.
محب للريف والبيئة، كرّس من أجلها الوقت والجهد والإمكانات مدافعًا عن مقوماتهما، عاملاً من أجل تحصينهما ورعايتهما والعمل على إصدار التشريعات والقوانين العصرية الواجب اعتمادها في لبنان انسجامًا وفرادة جغرافيته وجمالية طبيعته وخصوصية أرضه واستثنائية مناخه.
في حياة الشيخ حسن شريفة ثوابت مقدّسة، لعل في مقدمتها ذاك الإلتزام بالقيم الأخلاقية والإنسانية الجامعة التي عبّر عنها بشكل عميق من خلال المبادرات الرائدة التي توّج بها نشاطه الوطني ذا الطابع الخيري.
هو المؤمن غير المتزمّت والمفكّر المعتصم بالحكمة، وصاحب الدور الرائد في الحوار الاسلامي المسيحي، وقد أعطاه بعدًا جديدًا وروحية مختلفة حيث سما به إلى مستوى الحوار الحضاري بين الغرب والشرق.
يبقى الشيخ رجل سلام وداعية وحدة وطنية ورسول وئام.
علم من أعلام الفكر الشيعي اللبناني المعاصر، أسهم بعلمه وحكمته وشخصه، في النهوض بالواقع الشرقي والولوج به إلى القرن الحادي والعشرين، أعمق تجذّرًا وأكثر انفتاحًا على العصر وأشد صلابة بوجه ما يواجهه من استحقاقات.
إلى التقوى والحكمة والانفتاح والتعاطي بإيجابية مع الجميع أيًا يكن مشربهم الديني ومأكلهم الجغرافي وموقعهم الاجتماعي ومنهلهم السياسي وموطنهم الإتني والحضاري، جاءت شمائله العديدة لتضفي على شخصه الوقورِ هالةً، وتفرضُه على الساحة الإسلامية رمزًا من رموز الصدق والشفافية.
نادى بلبنان الواحد الموحد وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه. رفض التعصب الديني والإنغلاق والتقوقع، وانفتح على مختلف رموز الطوائف والمذاهب اللبنانية والعربية والعالمية.
حارب الجهل، وطرح الإسلام برؤية عصرية ولغة واقعية. جهوده في نشر الدعوة والتبليغ الديني عكست ما يختزنه من علم ومعرفة وتقوى، وما يعيشه من فضيلة ومبادئ إيمانية سامية.
(إعداد: أنطوان فضّول)