أرليت حنين

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى السيّدة أرليت حنين نعيم

عضو في اللجنة الدولية للتربية وممثلة المكتب العالمي لداء الصرع والمكتب العالمي لمكافحة داء الصرع.
في الأصل، تخصصت في الهندسة الداخلية، وتزوّجت من العميد الركن المتقاعد عبد الرحمن نعيم، وقد أثمر زواجهما ثلاثة أولاد: ستيفاني وجو وجاد...
إلا أن مرض ابنتها، ترك فيها أعمق الأثر، وسبّب جرحًا بليغًا، دفعها، وبعد ولادتها، إلى التغيير الجذري في أهداف حياتها، فارتضت العيش بنوع من الترسّل في التعاطي مع قضايا عائلتها ومجتمعها.
بداية، بدأت بدراسة التربية المختصة ثم حس الحركة، وخضعت لدورات عدة تتعلق بالأولاد ذوي الصعوبات التعلمية، قبل أن تنطلق في تخصصها الجامعي في الطب.
إلتحقت بالمكتب العالمي لداء الصرع، ومثّلت لبنان عن هذا المرض على مستوى الشرق الأوسط وشرق أفريقيا. ولبنان اليوم واحد من سبع دول فقط في العالم، يشكلّون عضوية هذا المكتب العالمي.
كرست نفسها لرعاية الأطفال مرضى داء الصرع، وأسست مدرسة متخصصة لهم، باتت اليوم محجّة ومنارة وواحة أمل ورجاء.
هي مدرسة فريدة من نوعها في العالم تعنى بهذه الحالات الصحية الإستثنائية، رائدة في وضع البرامج التأهيلية والعلاجية لمعوارض داء الصرع.
برامج كانت بمثابة أولى البراعم لولادة الاستراتيجية الوطنية للتعاطي مع هذا النوع من الإختلال العصبي الناتج عن اضطراب الشحنات الكهربائية في خلايا المخ، حيث تتحرك تلك الشحنات المضطربة إلى جزء معين من الدماغ وتقوم بتنشيط الأجزاء المجاورة الأخرى مما يتسبب بحالة الصرع.
لقد ساهمت حنين في وضع مقدمات الاستراتيجيا العلاجية لهذا الداء العالمي وهي تبدو الأولى عالميًا وشرق أوسطيًا وإفريقيًا في حمل هذا اللواء، مع ستة رواد عالميين إنضموا إلى مسعاها، وكرّسوا نشاطهم واهتمامهم وقدراتهم في سبيل مرافقة المرضى ومعالجتهم. وهم ليسوا برواد فقط، بل هم الوحيدون الذين أخذوا على عاتقهم رسالة الإتحاد والتضامن من أجل تحقيق هذا الهدف.
حياة أرليت حنين نعيم مليئة بالنشاط والجد والتضحية، يشع من عينيها الإيمان بالله وبالإنسان وقد فاضت يداها بأعمال البر.
إلى المدرسة التي أطلقتها، نشطت على مستوى المجتمع والخدمات الإنسانية، في أكثر من جمعية خيرية وإنسانية بدء برابطة آل حنين العريقة مرورًا بجمعية الليونز العالمية، حيث تميّزت بدينامية حضورها.
على مستوى الليونزية، ترأست نادي بيروت ليبرتي، وساعدت في التخفيف من أعباء المجتمع الذي أنهكته الحروب المتتالية على مدى العشرين عامًا، وقد أثمرت جهودها نقلة نوعية في تحسين الواقع الإجتماعي لاسيما في القطاعات التي نشطت فيها...
لقد فهمت العمل الليونزي خدمة للإنسان والوطن والمجتمع بعيدًا عن حسابات الطائفية والمذهبية والمناطقية.
سيدة أنيسة في وقار، لبقة، رقيقة وشفافة، تعطي من ذاتها لغيرها، وتخدم بعاطفة صادقة، جسّدت إزاء كل من اتصل بها أو تعرّف عليها الإحساس الإنساني والمحبة والتجرد.
مثّلت لبنان في مؤتمرات عدّة في المحافل الدولية والعالمية.
تتعاطى مع الناس، كل الناس، بإنسانية متجردة. لا قيمة لديها لأي اختلاف في الطبقات والمستويات.
عملها حيادي وتصرّفها جامع، لا تحيّز فيه، تُتَوّجُهُ الخدمة الإنسانية، فتصل إلى المحتاج والمريض بمبادرة متجرّدة، وتطوع شريف.
وقد غزت العالم بأجمعه بسيرتها الحميدة وسمعتها النبيلة، فهي حاضرة في المؤتمرات والمحافل الدولية، تنشط فيها وتمثل لبنان، تحاضر في مختلف المواضيع ذات الصلة بالطب والصحة والبيئة والمجتمع السليم، فتألّقت علمًا ومقدرة وثقافة وخبرة تلامس العالمية.
من هنا محورية شخصها ليس فقط في إطارها اللبناني بل في بعدها الدولي. ما دفع بوزير الصحة إلى اعتمادها إحدى مستشاريه، في مسعى نحو مواكبة الوزارة روح العصر وحاجاته وآخر مستجداته.
مع كل هذه الصفات الحميدة والمواقف المشرفة لا بد وأن نقول عن هذه السيدة إنها حقًا رمز لبناني نفخر به وستظل أبدًا قدوة لكل محب للعطاء.
تحمل على عاتقها أكثر من قضية. وهي في حركة دائمة لا تخبو. تنشط في الداخل كما في الخارج وتأخذ المبادرات.
أزهرت مثاليتها في كافة الميادين الإجتماعية والإنسانية والوطنية، ولها بصمات ملموسة على المستوى العلاجي.
طوباوية في خدمة المجتمع ومثالية في احتضانها ذوي الحالات الخاصة والصعوبات الصحية.
ندبت نفسها للعمل الخيري، وعرفت كيف تثمّر وقتها الثمين بكل ما يخدم الكرامة الإنسانية. مسيرتها جمعت بين النضال من أجل مستقبل مزدهر ومجتمع راق وإنسان مطمئن، وبين اجتهادات شخصية ومثابرة على بذل الجهود الكبيرة في سبيل نجاحات على الصحة.
في نشاطها اختطاف إلى تلاميح الروح، فهي مربية بمسحة نبوية، أعمالها تجعلك تشعر بانسلاخ تلقائي من محدودية الزمن إلى آفاق القداسة، حيث تتمازج في خلايا برامجها وجزئيات أنشطتها، روابط الإنسجام، فيتوغل تسونامي المحبة في حنايا المجتمع، ليتفجّر حركة إصلاحية ناهضة تمسح الحزن والسلبية وتنسج ملامح الإيجابية والثقة بالغد.
سيرتها ملامح ثورة على واقع قابض. إلا أنها ثورة صامتة رغم وفرة العطاء وفيضه.
أمام جودهها التطوية، لا يمكنك سوى الصمت برهة من الزمن كي تصغي إلى حقيقتك الإنسانية، بعمق وشفافية.
(إعداد: أنطوان فضّول)