جورج أبو معشر

في إطار برنامج "أعلام من بلاد الأرز" تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى روح الأستاذ جورج أبو معشر.
صحافي وناشط إجتماعي وثقافي.
من مواليد جونيه العام 1932.
متزوج من روز نعيم البواري وله ولدان.
نشأ في كسروان متشربًا روحية ثقافته، متعايشًا مع أوضاعه والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عاشها منذ العقد الأخير من زمن الإنتداب الفرنسي، مرورًا بفجر الإستقلال، إلى اليوم.
لم تكن جونيه، محطة عابرة، أو مجرد مسقط رأس، بل كانت ملهمته الأولى في حياته ونشاطه ورؤيته الإنسانية والوطنية، منها استوحى روح المثابرة وحكمة التدبير ولغة العطاء.
إلى طفولة أمضاها في كنف عائلة آمنت بالعلم، شبّ فتيًا على القيم ونبل الأخلاق والوطنية الملتزمة التي اتخذت في مرحلة الشباب بعدًا جديًا بعد نيله شهادة البكالوريا اللبنانية، الفرع الأدبي حيث قرر المشاركة في صنع القرار الوطني من باب العمل في الصحافة، فكتب في "الدنيا" و"الزمان" و"اليوم" و"العمل"، وفي "صباح الخير" و"الجمهور الجديد" وفي "الصياد". كما أصدر جريدة "الدستور".
إقترن اسمه بالتحليل السياسي الرصين والثقافة المتمردة على الواقع القابض... ولا تزال بصمات فكره المتنوّر حاضرة في ذاكرة الوطن.
إنتخب عضوًا في مجلس نقابة المحررين ومثّل النقابة في مناسبات عديدة انتظمت على مساحة الوطن، وأعطى النشاط الصحافي بعدًا دوليًا، من خلال الحضور العالمي والمشاركة في العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، بما فيها كوريا وألمانيا ومعظم الدول العربية.
حيويته أدخلت إلى عمق العمل النقابي الجدية والتميّز. وقد استفاد من موقعه النقابي ليجمع الشمل ويبث في صفوف أهل الإعلام روح التعاون والتآخي.
جاءت مراسلاته لبعض صحف الإغتراب في أميركا اللاتينية لاسيما البرازيل، وكتاباته في مجلة "التضامن" اللندنية، لتجعل منه مفكرًا لبنانيًا طليعيًا تخطى فكره جغرافية بلاد الأرز، ليتمدد في آفاق الإنتشار اللبناني، مساهمًا في ربط جناحي لبنان المقيم والمغترب، وفي تحقيق تعانق حضاري بين الشرق والغرب، جعل من لبنان ساحته.
هذا الإنجاز الفكري الغائر في عمق الحضور اللبناني العالمي، أضفى على شخصه ذاك المدى الدولي وأعطاه هوية أدبية عابرة للقارات والثقافات.
أما في الصحافة المرئية، فقد أعد وقدّم طوال اثنتي عشرة سنة، من دون توقف، برنامج مشاكل وحلول في تلفزيون لبنان، فأطل من خلاله على الجمهور اللبناني محدثًا ما يشبه النقلة النوعية في الأداء التلفزيوني، ومساهمًا في إدخال ما يشبه الرؤية التجديدية إلى هذا القطاع.
إلى كونه إعلاميًا متميّزًا، وبشهادة الكثيرين ممن عملوا معه، لعب دوراً أساسياً في تطوير الأداء التلفزيوني، وفي تجديد الصناعة الإعلامية.
إنضم إلى نادي الليونز الدولي، واحتلت المسائل الاجتماعية والقضايا الإنسانية الحيّز الأكبر من وقته إنطلاقًا من قناعة بأن السلام لا يترسّخ إلا بالعدالة الاجتماعية.
تولى أدق المسؤوليات بما في ذلك ترؤسه نادي الليونز، جونيه، ورئاسة الإعلام في حاكمية الليونز في لبنان والأردن.
من خلال أنشطة الليونزية، شارك في الكثير من المبادرات البيئية والاجتماعية والوطنية والإنسانية والثقافية والفنية.
ارتبطت نهضة قضاء كسروان ارتباطًا وثيقًا بجورج أبو معشر، وهو يكنّ له بالفضل الكبير، لا سيما في مرحلة الحرب، لدوره الوفاقي ومساعيه الحميدة التي أبعدت عنه شبح التخاصم.
إنتخب رئيس مجلس إنماء كسروان فخدم القضاء بتجرد ومسؤولية، وسعى في سبيل تنميته وازدهاره. وقد أسهم في تجديد الحياة الاجتماعية والثقافية فيه، والمحافظة على طابعه التاريخي والحضاري والوطني.
سعى من أجل تطوير ميناء جونيه، كونه المرفأ الشرعي الوحيد في محافظة جبل لبنان، وأجرى الإتصالات بالمراجع الرسمية لاسيما بقائد الجيش العماد ميشال سليمان في حينه ووزير الأشغال العامة والنقل محمد الصفدي. فأخرج الملف من الجمود وبدأت الخطوات العملية نحو إنشاء المرفأ السياحي وتوسيعه. أعدت مديرية النقل البري والبحري بشخص المدير المهندس عبد الحفيظ القيسي الخرائط المتعلقة بالمشروع، وتم تكليف أكثر من مكتب محلي وأوروبي متخصص لوضع الدراسات، وقد أكّدت تقارير الأقمار الإصطناعية تمايز موقع المرفأ في جونيه وفرادته السياحية في البحر الأبيض المتوسط.
عمومًا، ساعد نشاطه الإنمائي في تخطي واقع سياسي أخذ يتدهور سنة بعد سنة وضائقة اقتصادية بدأت تتأزم وصعوبات يعيشها لبنان على أكثر من صعيد.
لم يتوان الأستاذ جورج أبو معشر، خلال الأزمات، عن أخذ المبادرات لدعم حالة الصمود والتجذّر والثبات.
تعاطى مع الجميع على قدم المساواة، وتمكن من استيعاب التعارض السياسي العام وواقع الانقسام الحزبي، بحكمة وانفتاح والتزام بالمصلحة العليا للمجتمع.
واللافت في مبادراته الإجتماعية والإنسانية نجاحه في إحداث تغيير على مستوى الرؤية والقناعات...
بابتسامته اللطيفة، وإطلالته المشرقة، وسرعة بديهته وخاصة بذكائه الحاد وثقافته الشاملة، زرع التفاؤل والفرح فحقق انتفاضة غير مسبوقة على الرجعية والرتابة والتخلّف حاملاً لواء التغيير والتحرر والأصالة... خصوصية شدّت إليها للمرة الأولى الشعب اللبناني فتمكن من توحيده حول شخصيته الإعلامية الرائدة فولدت على يديه أولى براعم الربيع اللبناني الإجتماعي وذلك قبل بضع سنوات من ولادة الربيع العربي السياسي الذي نعيش زمنه.
بأسلوبه المفعم بالحياة خاطب كل الاجيال.
كتاباته كادت ان تصبح للجرأة مقياساً وللموضوعية نبراساً وللشفافية مرآة.
هو يغوص الى أعماق الوقائع يقتنص ما تستر في الخفاء فتخرج الحقيقة من يرقانة قلمه متعرية ناصعة متجردة.
على خط رديف، لم يأل جهدًا في سبيل دعم كل خطوة تصب في خانة النهوض بقضاء كسروان وتنشيط قطاعاته وتنمية مجتمعه والسير به نحو حالة ثابتة من التنمية والإنماء والعودة إلى تبوء المركز المتقدم على خارطة النهضة اللبنانية.
كثيرة هي المحطات التي يجدر بنا التوقف عندها في سيرة جورج أبو معشر. فهو لم يرض البقاء على هامش الحياة، بل أخذ المبادرات وشارك في صنع قرارات أسست لحالة تنموية كانت بطاقة عبور مجتمعه إلى القرن الحادي والعشرين ومواكبته العصر وروحيته.
إعداد: أنطوان فضّول