فوزي الدّكّاش

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الأستاذ فوزي الدكاش

رئيس بلدية العقيبة سابقاً
تفتحت عيناه للنور في بلدة العقيبة " بقاق الدين " على الساحل البناني بين مدينتي جبيل وجونية في مجتمع أصابه الكثير من الحرمان مما أثار في نفسه نزعة نهضوية نحو والتنمية والعطاء والتفاني في الخدمة وبث روح التعاون.
طوال مرحلة الحرب عرف عنه نشاطه الإجتماعي والإنساني والوطني ورفضه أن يكون طرفاً يناصر فريقاً ضد آخر. بل العكس كان عنصر تهدئة يجمع كل ما تفرق. ما رد طالب خدمة. ويوم كان الناس يتقاتلون ويتخاصمون، خاطبهم بالكلمة المحببة إلى قلبه "يا حبي" وما زالت الكلمة "يا حبي" شائعة في الأوساط الإجتماعية حتى أنها أصبحت تردد على لسان معظم أبناء البلدة والمحيط والعارفين والأصدقاء المحبين على مساحة الوطن.
تمكن من مواقع متعدّدة من رصد الكثير من المشاكل التي يعانيها المجتمع فحاول معالجتها برؤية وأسلوب مميزين، إنطلاقاً من خطوات ميدانية أسّست وعلى مراحل لتحولات جوهرية في مسيرة المنطقة التنموية. فلم يخل قطاع إلا وكان له الفضل عليه في أحيائه ونموه.
إلى كونه عنصر تهدئة وانفتاح هو ركن من أركان النهضة التربوية ووجه من وجوه الحداثة والعمران وهو ريادي في حقل السياحة والخدمات وفي طليعة المدافعين عن البيئة والقيم.
حارب الجهل بإعطاء دفع قوي للثقافة والعلم والرياضة معتبراً القلم رصاصة توجه إلى صدر العبودية، والكتاب مصفحة يسحق بها التخلّف والجهالة.
في العام 1963 كان من أبرز مؤسسي نادي الأندلس الثقافي الرياضي مع نخبة من شبان البلدة الناشطين في حقلي الثقافة والرياضة. هذا وقد ترأس النادي لحقبة من الزمن تراوحت بين العام 1970 والعام 1990وقد بلغ النادي أوج نشاطه وتألّقه وذاع صيته في كل أرجاء الوطن بعد أن نافس أقوى فرق الكرة الطائرة للدرجة الممتازة محققًا الانتصارات.
ولشدّ ما عنت له الرياضة من أهمية في صقل الروح الرياضية وسلامة الصحة العقلية والبنية الجسدية كانت له خطبة استسهلها ببيتين من الشعر ارتجلهما في افتتاح مهرجانات الصيف 1978 ويجدر بنا ذكرها لما لها من أثر في النفوس إذ قال:
روض الأجسام حلّ عن هموم
وأبعد الأخلاق عن شر أثيم
وأصرف العمر في ترويض جسم
سلام العقل في الجسم السليم
تمتّع بموهبة أدبية رفيعة المستوى ونفحة شعرية مرهفة، في أسلوبه دافئ شفاف يستمد أصالته من خصوصية النفس اللبناني الملحمي. خطيب على المنابر ذو شخصيّة وفصاحة لغوية ومقدرة على إيصال الفكرة بأقصر العبارات وأغزرها حبكاً وأداء.
تولّى تدريس الآداب العربية ولغاتها في ثانوية مار يوسف جبيل وثانوية مار يوحنا العقيبة والمعهد الدولي في جونية هذا ولم يكن مربياً ومعلماً بارعاً على مستوى منطقته فحسب بل توسّع في أرجاء الوطن متّجهاً إلى ثانوية المعهد العربي ومدرسة راهبات العائلة المقدّسة المارونيات في بحمدون حيث حاور الأجيال الشابة ورافقها قرابة ربع قرن.
عرفه القطاع التعليمي أستاذاً لامعاً متنوّراً خلوقاً، أدخل إلى مناهج التعليم المدرسي نفساً ريادياً جديداً. ألّف في العام 1967 كتاب بيدر الجهاد في تحليل النصوص للصف الرابع المتوسط بالإشتراك مع زميله الأستاذ باخوس خوري فنال أعجاب وزارة التربية آنذاك واعتمد في المنهج الرسمي، ونال رواجاً في مختلف المدارس اللبنانية. وفي العام 1966 عين عضواً فاعلاً في لجنة امتحانات الشهادة المتوسطة الفرنسية ونظراً لأدائه المهني المتفوّق والخلوق قلّد وسام الاستحقاق الفرنسي الإنساني.
عرفه القطاع السياحي من خلال مطعم غادة البحر الذي جعله مع شركائه محطة رائدة في حسن الضيافة والذوق الرفيع والخدمة الراقية وقد اقترن اسمه بالجودة والكرم المفرط والتنظيم الدقيق مشدّداً على أنّ أصحاب المؤسسة السياحية هم أساس: الدعوة والدعاية والعودة.
أحبّ العقيبة مسقط رأسه واعتبرها عقبة في وجه الطامعين الغاصبين. وتربّى على خدمة أبنائها والسعي الدؤوب لإضفاء عليها وجهاً حضارياً زاهياً بالإنماء والعمران. أما علاقته المتينة بالمراجع الرسمية في الدولة فقد أسهمت إلى حد كبير في تعزيز الإنماء في البلدة والجوار بدءاً من شبكة الإتصالات إلى شبكات المياه، إلى تحسين شبكة ومحطات الكهرباء.
بالإضافة إلى ما مكنته هذه العلاقات من تأدية الخدمات الإجتماعية والإنسانية لكلّ طالب حاجة دون تمييز بين دين ومذهب وسياسة وأخرى. فالجميع يتساوى أمام الخدمة الإنسانية.
ويوم كانت البلدية بعهدة قائمقام كسروان من العام 1980 حتى الشهر الخامس من العام 1998 كان الدكاش حاضراً دائماً إلى جانب سعادته للمساهمة في إنماء البلدة.
بهذه السيرة الطيبة نال ثقة الناس ومحبتهم، فانتخب رئيساً لبلديّة العقيبة عام 1998 بنسبة لا تقل عن الثمانين بالمئة من الأصوات مع مجلس بلدي منسجم بتوجّه إنمائي موحّد.
وأسندت إليه مهمة مستشار إتحاد بلديات كسروان الفتوح بإجماع الرؤساء أعضاء الإتحاد. وأعيد إنتخابه في الإنتخابات البلدية التي جرت بتاريخ 2/5/2004.
بعد إنتخابه عكف على تنفيذ برنامج إنمائي شامل، فكانت درجة إهتمامه لافتة بمتابعة مختلف الملفات والقضايا، ساعيًا إلى معالجة كل رواسب النقص والخلل الذي عرفته المنطقة طيلة أربعين سنة خلت وكونه أول مجلس منتخب في العقيبة عمد على تأمين مركز بلدي وإجراء مباريات لموظفي البلدية، إلى شراء آلية لنقل النفايات وتأمين عمال تنظيفات.
وأولى نشاطاته الإنمائية أرادها تأهيل الطرقات الداخلية وتوسيعها وإنشاء مونسات مضاءة وأرصفة وجدران طبيعية وتأهيل شبكة الكهرباء والمياه، وترميم بناء تقدمة من وقف دير مار ضومط أضيفت عليه إنشاءات ليكون مركزاً للدفاع المدني مجهزّاً بأحدث التجهيزات وقد تمّ تدشينه برعاية وزير الداخلية والبلديات الأستاذ الياس المر ممثلاً بمدير عام الدفاع المدني العميد درويش حبيقة وبالمناسبة ألقى الدكاش كلمة تختصر بأهم ما ورد فيها:
إنّ هذا الإنجاز عقبة في وجه حرائق تتدلع وأمواج عاتيات بشراً تبتلع وأعاصير هوجاء شجراً ونبتاً تقتلع وتلبية لصوت مستغيث يرتفع – أو ليس الدفاع المدني خمدة للحريق ونجدة للغريق وغوثاً لمتعثّر مدمى على مفترق درب أو طريق.
ومن أهم إنجازاته تأسيس المستوصف الخيري البلدي، هادفًا منه تأمين الدواء للمعوزين وبرعاية رئيس إتحاد بلديات كسروان الفتوح نهاد نوفل تمّ تدشين المدخل الرئيسي وهو يعتبر خط التواصل بين ساحل الفتوح وجبله وبالمناسبة قدّم رئيس الإتحاد للرئيس الدكاش درع إتحاد بلديات كسروان الفتوح تقديراً لإنجازاته البلدية المميّزة على مختلف الأصعدة.
من نشاطاته الإنمائية التضامنية كان توقيعه في 5/3/2005 مع أهالي بلدات الصفرا والبوار والعقيبة ورؤساء بلدياتها على عريضة يرفضون فيها المخطط التوجيهي الموضوع لهذه البلدات وقد جرى اللقاء تحت عنوان نعم لمخطط توجيهي لا لمخطط تهجيري.
كانت له اليد الطولي في معالجة البقعة الصفراء التي ظهرت على سطح المياه بين العقيبة وجبيل مع الغبار الأصفر الذي غلّف البيوت والأمكنة محذّراً من الضرر الصحي والبيئي الكبير الذي سينجم عن هذه المواد السامة والضارة.
في 29/9/2003 كانت له كلمة ترحيبية بالإضافة إلى تقديم الإحتفال بمناسبة اليوم البلدي السنوي في لبنان في حفل افتتاح مؤتمر الحضور اللبناني في المنظمة الدولية للمدن والسلطات المحلية المتحدة.
وقد استهلّ الإفتتاح بأبيات شعرية تنم عن روحه الوطنية وحبه لوطن الأرز لبنان إذ قال:
نعماك لبنان فيك الشرق يفتخر
واشمخ علا فيك المجد يختصر
أم الشرائع بيروت بمفخرة
تاريخها العدل والأمجاد والكبر
أنعم ببيروت في لقيا منظمة
تختار لبنان يحيا فيه مؤتمر
لبناننا أول الدنيا بمنزلة
لبنان قلّ مبتدأ الأوطان والخبر
في 3/12/2004 شارك في اجتماع ضمّ رؤساء بلديات نهر ابراهيم العقيبة – حالات – يحشوش – زيتون – المعيصرة – فتري – المجدل، لاسا – أفقا تمّ خلاله البحث في العمل المشترك من أجل الإهتمام بوادي أدونيس التاريخي والأثري والسعي إلى تحقيق الأفكار والمبادئ والخطوات التالية:
وادي نهر ابراهيم هو ثروة وطنية مهمة يجب الإهتمام بها وتفعيلها على كلّ الصعد مائياً وكهربائياً وتراثياً وسياحياً وبيئياً.
تشجيع إقامة استثمارات سياحية وبيئية ومهرجانات سياحية وتراثية على ضفتي النهر.
تأهيل الطريق الممتد من نهر ابراهيم – العقيبة صعوداً حتى جرود الفتوح وجبيل وتوسيعها. تنظيف مجرى النهر وتأهيل جانبيه وحمايتهما.
القيام بالتحرّك الإعلامي والندوات والدراسات اللازمة لإلقاء الضوء على أهمية النهر من النواحي الإنمائية والتراثية والسياحية والبيئية.
الإطلاع على المخطط التوجيهي الصادر عن المديرية العامة للتنظيم المدني لاتخاذ المقررات المناسبة وفقاً لكل منطقة محاذية للنهر.
والدكاش من الوجوه الضاغطة والمؤثرة التي تحرّكت من أجل حث السلطات والمرجعيات لاتخاذ التدابير الرادعة لمنع التعديات على حرم النهر ومنع التلوث المتأتي من النفايات الصناعية وتحويل المجارير الصحية إليه وإلزام كل المؤسسات من مصانع ومعامل وخلافها بالتجميل والتشجير والنظافة العامة والحفاظ على سلامة البيئة.
يعتزّ الدكاش بتاريخ بلدته الغني ومنطقة فتوح كسروان وقد رصد بعمق وموضوعية كلّ التحولات التي عاشها المجتمع الكسرواني. وإلى جانب الإنماء والعمران حرص على مواكبة الشباب في تطلّعاتهم وطموحاتهم وهمومهم كما أنّ المنتديات والجمعيات الأهلية من إجتماعية وثقافية وفكرية إختبرته في أكثر من مناسبة ركناً وعضواً ومساهماً فاعلاً وكريماً.
وبالتعاون مع أخصائيين بارزين أحيا ندوات حول آفة المخدرات، والبيئة وأمراض القلب وترقّق العظام والسكري وفي إطار الإحتفالات لاستقبال الألفية الثالثة نظّم الصليب الأحمر اللبناني فرع جبيل بدعم من بلدية العقيبة اليوم الماراتوني السنوي.
وفي هذا الإطار يأتي دعمه لسباق نصف الماراتون لمسافة 30 كلم الذي نظّمه الإتحاد اللبناني لألعاب القوى من جبيل إلى جونية في كانون الأول من العام 2003، وتشجيعه فكرة افتتاح مدرسة جامعية تابعة لمجموعة بيجييه في العقيبة كما أنه واكب مدرسة ثانوية مار يوحنا ورعى نشاطاتها.
دولياً، جعل من بلدته محوراً في مؤتمر الحضور اللبناني في المنظمة الدولية للمدن وكانت له مداخلة قيمة أثارت إعداب الحاضرين كذلك استضاف في مرفقه السياحي (غادة البحر) وفداً ضخماً من الجالية اللبنانية في البرازيل أتى لتمضية فترة من الصيف في لبنان.
فوزي الدكاش في مسؤوليّته وحضوره وتفانيه وعمله الدؤوب عكس صورة الإداري الحكيم والمسؤول الهادئ والرصين. فالواقعية تتوّج أفكاره وقد تعاطى مع الناس بمحبة صافية على قدم المساواة، وفي عهده احتلّت العقيبة موقعاً طليعياً في الهرم البلدي الكسرواني الفتوحي.
وهو يعلن على الملآ فضل ثلاثة عليه: ربّه ومن ربّوه ومن أحبّوه.
(إعداد: أنطوان فضّول)