نجلاء سعد

في إطار برنامج "أعلام من بلاد الأرز" تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى السيدة نجلاء حمدان سعد
رئيسة المركز الوطني للعيون ومؤسسة بنك العيون في صيدا.
في زمن الحرب كما في السلم، زرع طيفها قبسات نور في سماء مكفهرّة ملبّدة، وحمل فرحًا وأحيا أملاً.
قاومت على طريقتها منطق الحرب وظواهر الفقر وفلسفة الإحباط، تاركة ولا تزال بصمات وارفة في مختلف القطاعات.
تعود في جذورها إلى بلدة باتر الشوفية، إلا أن ولادتها ففي البرامية، شرق صيدا. والدها الصحافي رفيق حمدان. والدتها عايده جنبلاط.
توزعت دراستها بين المدرسة الإنجيلية الوطنية وثانوية البنات. سافرت بعدها إلى الخارج والتحقت بجامعة وبستر الأميركية في سويسرا وحازت الشهادة العليا في الأدب الإنكليزي.
من زواجها الأول برجل من آل رسامني، رُزقت ابنتين، رنا ونادين. أما ابنتها ساره فثمرة زواجها الثاني من الراحل مصطفى سعد. احتضنت عائلتها بدفء ومنحتها فيضًا من عاطفتها وواكبتها لحظة بلحظة.
خلال الحرب اللبنانية، شاهدت بعينيها تداعيات هذا الزلزال الأمني الرهيب ورافقت الشعب اللبناني في حركة عبوره داخل النفق المظلم.
ذاقت مرارة الحرب أسوة بجميع اللبنانيين، فنما في داخلها تصميم على تغيير الواقع والسعي مع الأخيار من أجل السلام.
سارت في الاتجاه المعاكس والتحقت بصفوف النخبة التغييريين والإصلاحيين في مسعى نحو خدمة الإنسان اللبناني ورقيه وتنميته.
رائدة ليس فقط في الإسهام في نهضة المرأة اللبنانية والعربية بل في إدخالها في عمق الحالة السياسية العامة، وقد انطلقت أولى تجاربها في العمل الإجتماعي من خلال عضويتها في عدد من المنتديات المحلية.
إلى انضمامها إلى لجنة جمعية حقوق الإنسان، أتى حضورها الفاعل في لجنة جمعية رعاية الطفل التي ترأسها السيدة فاديا الأسعد، ليعزز هذا المنحى في نشاطها المتشعب الاتجاهات، بإيحاء من الدور الحضاري الذي لعبته مدينة صيدا ولا تزال على امتداد التاريخ والجغرافيا.
وقفت بشكل فاعل مع زوجها المناضل العربي والزعيم الوطني، مصطفى سعد، السياسي الذي حمل راية الحرية. فعَبَرَتْ معه معارج القرن العشرين وكانت ترافقه كالظل في عمله القومي كما الوطني. ونجحت في التوفيق بين واجبات الأمومة ومسؤولياتها العائلية من جهة وبين دورها الاجتماعي من جهة أخرى. وكان لها دور أساسي في إضفاء المسحة الإنسانية على نشاط زوجها.
سحابة سوداء غطت بيتها لحظة تعرّض زوجها لأولى محاولات الإغتيال، يوم خسر ابنته وفقد نظره. فتحملت وزر هذه الجريمة وتداعياتها بحنو الزوجة المضحية.
في العام 1991 إفتتحت مركز معروف سعد الثقافي، ثم حققت أمنية زوجها فأسست مركز بنك العيون في خطوة نحو إنشاء مستشفى كبير للعيون ومركز أبحاث طبّية يعنى بهذا الحقل.
لم تحصر حركتها الرائدة في فلك الجمعيات المحلية والحقوقية، بل جاء انتسابها إلى المجلس النسائي لبنك العيون، ليظهر بعدًا ترسّليًا، إلتزمت به.
بعد وفاة زوجها، جبهت نجلاء سعد الكارثة وصمدت، وعرفت كيف تحتضن عائلتها، وكيف تتولى قيادة السفينة.
شرّعت منزلها، بنوع خاص، لأبناء صيدا دون استثناء، تصغي إلى شكواهم ومطالبهم، تسعى لدعمهم ومساندتهم.
تعتبر ندى سعد إحدى أبرز الناشطين في حقل الدفاع عن رسالة وهب الأعضاء والعمل على إصدار التشريعات والقوانين العصرية الواجب اعتمادها في لبنان.
لها الفضل الكبير في نشر ثقافة العطاء هذه، داخل المجتمع اللبناني وتوحيد الجهود الهادفة إلى ترسيخها في عمق وجدان الانتلجنسيا اللبنانية.
اقترن نشاطها بمعظم التحركات المشجعة لشرح روحية وهب الأعضاء، وقد تخطى اسمها في هذا المضمار الجغرافيا اللبنانية ليلامس الحدود العالمية.
نجلاء سعد إنسانة أعطت من عصارة عقلها وقلبها وحيويتها، منذ نعومة أظافرها، وبسخاء زاخر بالحنان والعطف والإغاثة، مضحية بالكثير في سبيل إسعاد الآخرين.
تحلّت بقيادة استهدفت الحق والحقيقة، فرسخت معالمها وأرستها على دعائم من الإنسانية والتجرد والمساواة، والخدمة المخلصة.
حياتها مليئة بالنشاط في مختلف الحقول الوطنية والإنسانية، يشع من عينيها الإيمان بالله وبالإنسان بكل عزم وتصميم، وقد ملأت الآفاق بأعمال خيرة.
سيدة بكل ما في الكلمة من معنى، في الخلق والشخصية، أنيسة في وقار، لبقة، رقيقة وشفافة، تعطي من نفسها وذاتها لغيرها، وتخدم الناس بعاطفة صادقة، فتسود.
جسّدت إزاء كل من اتصل بها أو تعرّف عليها الإحساس الإنساني والمحبة والتجرد. راضية عن نفسها وواثقة من غير تكبر أو تعقيد، فكانت فيها روح الزعامة ونبل التفكير والنقاء بالضمير والحيوية بالشعور والأخوية بين البشر.
آمنت بوطنها فأنصفته من نفسها واعتنقت في سبيله جميع انواع الجهاد.
خدمت أهداف ثقافة وهب الأعضاء الإنسانية من خلال رئاستها لمؤسسة بنك العيون، فكانت تأبى أن ترتاح قبل أن تغفو على فرحة مواطن، تفتحت عيناه للنور بعد سنوات من الظلمة.
من خلال مكنونات العيون ونعمة البصر، تعطي بلا تمييز، توحد بين البشر، عابرة، برسالتها الوطنية والإنسانية، للمناطق والطوائف والمذاهب ولكل اختلاف.
نجلاء سعد عرفت كيف تقوى على الألم، وتنتفض على جنون الحرب، وأن تنسج بروحها المعطاءة وأمومتها المحبة لأبناء كل الوطن، وحدة نقية، في رسالة إنسانية سامية، كما نجحت بأن تجمع كل لبنان على مبادئ العطاء، وأن تحرك الهمم دون كلل أو ملل، لضخ النور في عيونٍ أطفأها ظلم الحياة، وظلامتها.
(إعداد: أنطوان فضّول)