الياس رحباني
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى روح الفنان اللبناني العالمي الياس رحباني
مواليد أنطلياس، 1938. والده حنا رحباني. والدته سعدى صعب. هو الشقيق الأصغر للأخوين رحباني: عاصي ومنصور.
توزعت دراسته بين الأنطونية في أنطلياس ومعهد الرسل في جونية ومدرسة الفرير في رأس بيروت.
في العام 1954 انتسب إلى الأكاديمية اللبنانية لمدة أربع سنوات، حيث تمرّس على العزف على البيانو قبل أن ينتقل إلى الكونسرفاتوار الوطني العام 1955، يعمّق دراسته لمدّة سنتين ثم يتابع الدرس على يد أستاذين فرنسيين: برترون دوبيليار المتخصص في التأليف الموسيقي وميشال بورجو عازف البيانو العالمي.
تعرّف اللبنانيون والعالم على الياس الرحباني أولاً عبر أثير إذاعة BBC في القسم العربي، حين أنتج 13 حلقة قبل أن ينتقل إلى الإذاعة اللبنانية وكانت في بدايات انطلاقها، يعمل مخرجًا ومستشارًا موسيقيًا طيلة الفترة الممتدة بين العامين 1962 و1972.
أسس الموجة العالمية للموسيقى والأغاني الفرنسية والإنكليزية.
في العام 1964 اشترك في مسابقة الشباب الموسيقي في بيروت ونال الجائزة الثالثة في الموسيقى الكلاسيكية عن معزوفته Fantaisie Libanaise.
انتدب لتمثيل لبنان في المهرجانات الدولية للأغنية والموسيقى في السنوات 1969، مع المغني مانويل، 1970 و1971، فنال الجائزة الثانية في المهرجان الدولي للأغنية في أثينا عن أغنية La Guerre Est Finie إضافة إلى مهرجان بلغاريا 1971 ومهرجان الريو في البرازيل 1970.
حاز في العام 1972 شهادة السينما في المهرجان الدولي التاسع عشر للفيلم الإعلاني في البندقية.
يعود له الفضل في إطلاق 35 مغنيًا بمن فيهم ماجدة الرومي، باسكال صقر، جوليا، مانويل... والمغني اللبناني سامي حبيقة المعروف بسامي كلارك في مهرجان الأغنية في روس توك في ألمانيا حيث نال الجائزة الأولى عن أغنية Morry Morry العام 1979.
في 1980 حصد جائزة خاصة في ألمانيا عن أغنية O Baby مع المغنية باسكال صقر. وفي 1995 نال الجائزة الثانية للأغنية في مهرجانات لندن الدولية للإعلان، جائزة فرانك سيناترا.
عمل الرحباني في المسرح الإستعراضي. نفّذ العديد من الأعمال، بما في ذلك كتابته سيناريو وموسيقى أوبريت "أيام الصيف" في مهرجانات بيت الدين 1972.
كذلك، شارك في مهرجانات دمشق الدولية مدة خمس عشرة سنة من 1960 حتى 1975. ومهرجانات بعلبك الدولية بين السنوات 1971 و1975 ومسرحيات فيروز والأخوين الرحباني بين العامين 1970 و1975.
ساعد في إعداد 26 حلقة تلفزيونية واستعراضات فنية عرضها تلفزيون لبنان.
رافق الفرقة الشعبية اللبنانية والأخوين الرحباني في جولات عالمية شملت البرازيل، الأرجنتين، الولايات المتحدة، لندن، كندا، الجزائر، تونس، الأردن، الكويت، العراق، المغرب.
الأغنية الأولى التي لحّنها أنشدها نصري شمس الدين "ما أحلاها" وقد أنتجتها BBC، ثم كرّت السبحة فلحن للعديد من المطربين اللبنانيين والعرب منهم صباح وقد كانت أغنيتها الأولى التي غنتها من أعماله "هالي دبكي يا با أوف" في العام 1964 والتي حصد مبيع اسطوانتها في حينه ما لم تبلغه أغنية عربية من قبل. شكلت هذه الأغنية تحولا كبيرًا في الفن اللبناني والعربي وقد صورت بأسلوب الفيديو كليب.
إضافة إلى نصري وصباح وفيروز، فنانون عديدون أنشدوا من ألحانه وتأليفه بمن فيهم: وديع الصافي، نجاح سلام، سعاد الهاشم، نهى الهاشم، ملحم بركات، المغني الأوبرالي إدغار عون، هدى، ماجدة الرومي، باسكال صقر، جوليا، غسان صليبا...
انطلق ملحم بركات فنيًا من خلال أغنية الياس الرحباني "لا تهزي كبوش التوتي".
في السينما، وضع الموسيقى التصويرية لفيلمي هنري بركات "حبيبتي" و"أجمل أيام حياتي" وسواهما من المسلسلات والأفلام اللبنانية.
كذلك استعانت فرق موسيقية لبنانية وأجنبية عدّة بألحانه.
اشتهرت بدايات الياس الرحباني بوضعه ألحان الإعلانات بالتعاون مع إذاعة مونتي كارلو. من هذه الإعلانات الخاصة بالسوق العربي: La vache qui rit, Barella Maakaroni، شو بطاريتك ريو فاك، وسواها.. حيث وضع حوالي 3000 لحن دعائي.
في السنة 1990 افتتح استديو خاصًا به في منطقة النقاش بتقنية عالية وأسلوب راق.
عُرِضَت أعماله الفنية على مسرح كازينو لبنان والأونيسكو كما جالت في مختلف الأراضي اللبنانية.
أحيت الفنانة باسكال صقر بالتعاون مع المغني الأوبرالي إدغار عون في السنة 2001 استعراضًا ضخمًا من أعماله على مسرح كازينو لبنان والأونيسكو وطرابلس.
من رحم العائلة الرحبانية القديرة، خرج الياس الرحباني فيضًا، روى تربة الوطن في زمن العطش والقحط والتصحّر، وحلّق حرًا مستقلاً معتمدًا على قدراته ومواهبه وتلك العزيمة الصلبة التي جعلت منه مصدر إلهام لجيل من اللبنانيين واكبه في أحلك مرحلة عصيبة مرّ بها.
حمل إلى لبنان ثورة فنية نبيلة، مطعمة بالأصالة والجدية والإبداع وسلك دربًا مختصرًا أوصله بلمح البصر إلى آفاق العالمية في خطوة كانت ملفتة من حيث توقيتها ونبضها.
حركته التجديدية تجاوزت المألوف في زمن انهارت فيه القيم وتحطمت الآمال وتقوقع الطموح.
ثورة أطلقها أيقظت الإبداع اللبناني وأنعشت الطاقات المغمورة برماد الحرب الخانق. وصار مثالاً، ألهم جيلاً بكامله، ودليلاً أرشد المواهب الشابة وحررها من سجن إحباطها وقادها في طريق الشهرة والاستحقاقات الكبرى.
أسماء لمعت نجومًا في عالم الفن بعدما حلّقت عاليًا في فضاء عطاءاته الرحب.
لم يقدّم الياس الرحباني للجمهور مطربًا أو نجمًا إلا وحصد النجاح والإعجاب منذ اللحظة الأولى لظهوره.
نادرًا ما تستمع إلى معزوفة من توقيعه إلا ويتملكك الإلهام فتستحضر صورة من تحب وتعبر معها إلى لقاء الشوق عبر مرايا التجلّي.
مشهدية الأغنية تخرج من يديه كمنحوتة متكاملة، متوازنة، ثابتة ورصينة، فيها التزاوج السلس بين اللحن والصوت والكلمة، بين السمع والنظر والمشاعر.
تعشق الأذن ألحانه لما تحمله من دفء وما تعبق به من رومنسية وحيث ينثرها يستحضر الربيع وينعش الصدى فتزخر الآفاق بالرؤى تعكس ما في عينيه من شفافية وتوهّج.
تنساب ألحانه مخترقة جدار وحدتنا وقلقنا كخيوط الفجر تشق عباءة الليل الدامس فتنثر الطيب والعطر والبهجة والنقاء.
عند حدود ألحانه ينكفئ الزمان وتتجدد الحياة ويدخل المكان في بعد سرمدي.
(إعداد: أنطوان فضّول)