أسمى بلولي ديراني

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى أسمى بلولي ديراني
دخل لبنان القرن الحادي والعشرين منتفضًا على واقع مأساوي تسببت به حرب استمرت ربع قرن، تعيث فسادًا في مجتمعه ودمارًا في بنيته وقطاعاته وشرذمة في صفوف أبنائه.
لم يكف ربع قرن على طي صفحة الحرب ليعيد إلى هذا الوطن الممزق وحدته وسلامه ونموه الطبيعي.
إلا أن نخبة من أبنائه برزت على الساحة تاركة أعمق الأثر الإيجابي في مختلف القطاعات والميادين ومنهم من تحرك على أكثر من صعيد وقطاع وناحية.
والأسماء في هذا المضمار عديدة لا تحصى.
وتأتي السيدة أسمى بلولي ديراني في طليعة اللبنانيين الذين ارتبطت باسمهم حركة نهضة معاصرة هي أشرف ما ميّزت لبنان في مرحلة ما بعد الحرب وتمكنت من التفلت من واقع التخلف والعنصرية التي تمنع لبنان من مواكبة العصر وترسيخ الاستقرار والسلام في ربوعه.
ولدت في صيدا وترعرعت فيها وواكبت مجتمع الجنوب بأصالته وتنوعه ومسيرة عبوره معارج القرن العشرين متخبطًا في مأساته من جهة وطامحًا إلى غد كريم لأبنائه من جهة اخرى.
منذ طفولتها والريادة كما القيادة رفيقتاها.
في الرياضة قادت فريق الكرة الطائرة وترأست الفرقة الكشفية.
وبعد زواجها المبكر، استمرت في توليها مسؤوليات إدارية وقيادية في جمعيات تعنى بالاطفال والمعوقين والمسنين مدعومة من زوجها وافراد عائلتها.
بعد تجربة ناجحة خاضتها يوم إلتحقت بمركز البحوث والإنماء حيث تمرّست على الإدارة والتوثيق، دخلت عالم الأعمال والمال والاقتصاد من بابه الواسع واكتسبت ثقافة اقتصادية عالية من خلال زوجها الذي كان مديرًا إقليميًا لفرنسبنك – الجنوب، ومواكبة يومية لمختلف التطورات الاقتصادية والتحولات المالية محليًا وإقليميًا ودوليًا.
فإذا بها تمتلك قراءة موضوعية للاقتصاد اللبناني والعالمي ورؤية استشرافية تمكنت من خلالها من استشراف المستقبل.
وتأتي عضويتها في غرفة التجارة والصناعة وفي جمعية تجار صيدا لتعزز عطاءاتها على مستوى الاقتصاد اللبناني عمومًا، والجنوبي خاصة، حيث باتت ركنًا من أركان النهضة التجارية في الجنوب، مظهرة مقدرة ملفتة في تفعيل الحركة التجارية والنهوض بها.
هكذا، زاوجت في شخصها الرائد بين شخصيات عديدة فكانت الإبنة المخلصة والشقيقة القريبة والزوجة الوفية والأم المعطاءة والمربية الحكيمة وفي الوقت عينه سيدة الأعمال الناجحة والمديرة الاقتصادية المتميزة والناشطة الاجتماعية الرائدة.
وظهر ذلك واضحًا في إيصالل أولادها إلى أعلى مراتب العلم من مدارس الفرير والجامعة الأميركية والجامعة اليسوعية وجامعات الولايات المتحدة ونالت ابنتها دبلوم في عزف البيانو من الكونسرفاتوار الوطني.
ويبقى العمل الاجتماعي خصوصية إقترنت باسمها لاسيما من ناحية الخدمة الإنسانية وحمل راية حقوق المرأة والإنسان في سبيل بناء مجتمع قوي قادر.
أسندت إليها رئاسة جمعيات إنسانية وخيرية عدّة وساهمت في تأسيس العديد منها لا سيما تلك التي تعنى بالمرأة والمسنين.
وهي تنشط منذ بدايات التسعينيات من اجل تعديل قوانين عدّة مجحفة في حق المرأة، مناضلة إلى جانب رائدات وحقوقيات لمع نجمهن على مساحة الوطن وتمددت شهرتهن إلى الآفاق العربية ووصلن بعضهن إلى حدود العالمية.
وقد أثمرت جهودها مع صديقاتها صدور قوانين حديثة وتعديل أخرى عالجت مختلف أوضاع المرأة.
كما كانت لها اليد الطولى في تغيير قوانين في العمل والضمان الاجتماعي والصحي والسفر والانتخاب والترشح وغيرها.
.
.
وفي هذا الإطار تأتي مشاركتها في المؤتمرات والندوات المحلية والعالمية بما فيها تلك التي نظمت ورش العمل تهدف إلى اعتماد الكوتا النسائية ومنح المرأة الجنسية لأولادها.
وفي هذا الإطار تأتي مشاركتها في مؤتمرات عربية وأوروبية ودولية ناقشت قضايا المرأة والطفل، كما فلسطين، بما في ذلك مؤتمر بكين الذي انعقد في الصين في العام 1996 حيث تم توقيع اتفاقية دولية تحفظ حقوق المرأة، ومؤتمر الاتحاد النسائي العالمي في مبنى الأمم المتحدة في "نيويورك" في شباط 2008 حيث ألقت كلمة تركت اعمق الأثر على الحاضرين القاديمن من مختلف انحاء العالم.
لقد جاء انتسابها إلى المجلس النسائي اللبناني ليعزز هذا المنحى في مسيرتها الوطنية والإنسانية.
فانتخبت مندوبة محافظة الجنوب 2004 – 2008، عضوًا في هيئتها الإدارية ورئيسة للجنة الإجتماعية من 2008 حتى 2012، وما زالت عضوًا في هيئتها الإدارية ورئيسة اللجنة الإعلامية 2012 – 2016 في المجلس النسائي.
إلى جانب عضويتها في الهيئة الوطنية للطفل اللبناني وفي اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة.
لها اليد الطولى في تأسيس العديد من الجمعيات في صيدا ومحيطها، وترأست الهيئة الوطنية للطفل اللبناني - فرع صيدا والجوار وكذلك رئيسة جمعية إغاثة الطفل المعاق التي تهدف إلى مساعدة الأطفال ذوي الحاجات الخاصة والبالغ عددهم في 700 طفل في عاصمة الجنوب من عمر ستة أشهر حتى الخمس سنوات لمساعدتهم على المشي والنطق من خلال دفع أكلاف العلاج كاملة.
عُرفت السيدة أسمى بلوني ديراني بسيرةٍ مشرّفة من العمل الاجتماعي والنضال من أجل رعاية الإنسان وحفظ كرامته.
إنطلقت رحاب العمل والزرع في حقول متعددة، حملت فيها مشعل النشاط والكفاح من أجل قضايا مجتمعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إنخرطت باكرًا في الدفاع عن قضايا المرأة وزاوجت هذه المسيرة مع وعيها الصائب لأهمية تحقيق التنمية الاجتماعية، لمواكبة نضال نساء بلادها ودعم حقوقهن.
أظهرت طوال عقود مثاليتها في العطاء في كافة الميادين الاجتماعية والإنسانية والوطنية، ولها بصمات ملموسة على المستوى الخيري والتنموي بنوع خاص.
علمًا أن الانخراط في المجال الخيري والتنموي في لبنان يعد من أصعب المهام التي يمكن أن يقوم بها الفرد حيث أن هذا المجال محاط بالصعاب في دولة تكثر فيها المشاكل السياسية والاجتماعية.
إلا أن حبها الكبير للبنان وتوقها إلى مساندة اللبنانيين في تذليل العقبات والصعاب لتنفيذ المشاريع هو ما دفعها على تكملة مهمتها الإنسانية.
بعملها التطوعي وجهودها المتميزة في العمل المثابر والاجتهاد في خدمة المجتمع أثبتت أنها صاحبة رسالة سامية يحتذى بها في الوطن العربي.
لم تفرّق يومًا في أنشطتها أو في تنشيطها بين مواطن وآخر، ولا بين مذهب وآخر، ولا بين انتماء وآخر، ذلك أنها كرّست حياتها لرفاه الإنسان ولسعادة المواطن أنى كان، ومن أين جاء، شرط أن يدين بالولاء للبنان.
سنواتها ليست مجرّد رصف للأيام والعقود بل تكاد تكون شريطًا متواصلاً من الوهج العابق بالحياة.
(إعداد: أنطوان فضّول)