إنعام عبّود الأشقر
تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الشاعرة إنعام عبود الأشقر، في "إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز"
شاعرة الغزل والحب والوجدان...
ولدت، السنة 1950، في بلدة المطيلب من قضاء المتن، في عائلة فاضلة كانت لها الطفلة الوحيدة.
أنجزت دراستها في مدرسة "العائلة المقدسة" للراهبات الفرنسيات ممتلكة ناصية الآداب والفنون متقنة إلى الكتابة الأدبية، فن الرسم والموسيقى، متمرِّسة على ملامسة الريشة ومخاطبة نغمات البيانو.
تزوجت في السابعة عشرة من عمرها ورزقت بثلاثة أولاد.
في العام 1982 ألقت أولى قصائدها من على منابر الشعراء.
ومن عتمة الدُرج إلى نور دور النشر أفاقت قصائدها بين صفحات المجلات الأدبية والصحف، فمن مجلة "الأوديسه" و"المسيرة" و"العنفوان" وصحيفة "العمل" في الثمانينيات، إلى "صوت الشاعر" و"الأدب الشعبي" في التسعينيات. ولم يقف فيض مؤلفاتها عند أي حدود بل تخطّاها إلى الأبعد إذ كُتب عنها ونُشرت قصائدها في جريدة "الهدى" في نيويورك، في الولايات المتحدة الأميركية. وتوالت مقالاتها ودراساتها الشعرية في مراجع عربية وغربية عدّة، وكان لكتبها مكان في مكتبة "لنين" في روسيا، وذكر إسمها في المعاجم الأدبية.
شاركت في عدد من المؤتمرات والأمسيات الشعرية والتكريمية، في كافة المناطق اللبنانية.
حلّت ضيفة على عدد من مسارح الشعر العاميّ ومجالس الفكر والأدب ونالت عددًا من الشهادات التقديريّة والفخريّة.
كما حازت درع الثقافة من وزارة الثقافة والتعليم العالي، السنة 1999، والدكتوراه الفخرية من جامعة المواهب العالمية الثقافية الكندية السنة 2014 ودرعًا تكريمية من لجنة تكريم رواد الشرق في قصر الأونيسكو، السنة 2015.
لها مجموعة من المؤلفات الشعرية الغزلية والوجدانية النابعة من طبيعة الحلول وأقاصي الأحلام، كانَ باكورتَها في السنة 1984 ديوانٌ تحت عنوان "سكرة حب"، تبعه في السنة 1987 "أبد الحب" و"وبيبقى الحب" في 1995، و"حلم بردان" في 2002، و"وحدك حبيبي" في 2013، ولا يزال فيض الحب ينصب حِبرًا على أوراق واعدة لإصدار جديد لا يزال قيد الطبع مغموسًا بالأحلام الجامحة والأحاسيس الملمة وبنفحة البقاء الأدبي.
دَرَسَت اللاهوت لمدة عشر سنوات في دَير طاميش ولها أيضًا مجموعة شِعريَّة لاهوتيَّة مُمَيَّزة.
إسْتَوحَتْ كِتابة الإنجيل شِعرًا للرُّسُل الأربعة. مع دراسات منها ﻠِمار مارون، وبولس الرسول ونالت عليها شهادات تقديريَّة من أبرشيَّة أنطلياس المارونيَّة، ودراسة لِمار أفرام السّرياني حصدت منها اعتبارًا قَيِّمًا من غبطة البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان، وزادت على إنتاجها اللاهوتي قصائد عديدة خصَّصَتها لمقامات كَنَسيَّة واجتماعات ومناسبات دينيَّة كانت لها أصداء قَيِّمة.
شاعرة هجرت الطفولة باكرًا.. لكن الإبداع لم يهجر قصائدها.
أديبة الإحساس المرهف، عاشقة البلاغة، عانقت الشعر وذابت بين قوافيه وتألّقت منه حبًا أنثويًا يعيش في رحاب الروح.
يتّصف شعرها بالرقة والأصالة، مسبوكًا بلغة متينة وبرحيق الإبداع، وبصور تروّض المسافة بين المعنى والمبنى، وقوام متناسق لكلمات مرصوفة تصنع قصائدها عباءة أرجوانية تلتزم فيها الإيقاع بلا تكرار ولا ابتذال.
أوجدت إنعام عبود الأشقر غزلاً، أرادت معه اقتلاع الإحساس من تربته التقليدية القديمة ضاربةً به الآفاق الحرة...
تألّقت نجوميّتها وصارت شعبيّتها تنمو مع الوقت، ما دفعها إلى توسيع حركتها الفنية والثقافية والاجتماعية ناشطة في العديد من الأندية الأدبية ومشاركة في إطلاق عدد كبير من الأمسيات في مختلف المناطق اللبنانية. فساهمت في تحطيم الحواجز النفسية والجغرافية وإعادة وجه لبنان الحضاري وحقيقته التي طمستها ركام الحرب.
هذه الحقيقة جعلتها تتخطّى حقيقتها كشاعرة ناجحة، إذ حولتها إلى ثائرة على واقع قابض وقائدة تمسك بيد الشعب، تقوده إلى حيث يكتشف سلمه الأهلي وراحته وفرحه وثقته بنفسه وبمستقبله وهويته.
وافرة هي القصائد التي أنشدتها والخطابات التي ألقتها والأدبيات التي ألّفتها، وكثير منها لم تجمعه بعد في كتب وتنشره ليصبح في متناول القراء محفوظًا في مكتبة لبنان الفكرية وفي ذاكرة أمته الحضارية.
إلا أن الجميع يعترف لها بإسهامها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين في إحياء الشعر اللبناني وإعادة الرونق إليه، كما ساعدت إطلالاتها في إنقاذه من خطر الذوبان والاختناق.
في حركتها الشعرية عبور في الأصالة والرومنسية نحو مجتمع يقوم على القيم والنبل. فكانت نبض الشعر المعاصر.
وهي مثقّفة عفويّة، حرّة التفكير، رفعت اسم المرأة اللبنانية بعطاءاتها الزاهرة في بستان النهضة الفكرية.
في شعرها نهر سلسبيل عذب، وأنغام فيها بحّة رومنسية تنعش الصدى بنسماتها الدافئة.
أفكارها عرفت كيف تختصر مسافات العشق بكلمات قليلة عبرت دون ضجيج، لكنّها تركت وراءها أعمق الأثر.
صادقة في أحاسيسها، عفوية في تعبيرها، قديرة في حبكتها.
تشكّل قصائدها سمفونيّة متناغمة، نثرتها على امتداد مساحة الفكر اللبناني الحديث، ربيعًا سحريًا، نتنسّم منه نسقًا من نهضة لفولكلور، أرادته حيًا في وجداننا أزاحت من أمامه فراغ المرحلة وهمدة الزمن.
أديبة مرهفة، رقيقة المشاعر، استطاعت أن تُكوِّن لها شخصية مميزة، في ميادين الصحافة والفكر والحضور الثقافي والاجتماعي كما الإنساني.
إعتصرت ذاتها حبرًا على الورق أحاسيس إنسانيّة فذّة جسّدت طموحًا واسعًا، وإرادة وثابة. كانت، وما زالت إحدى أحبّ الأقلام النسائية إلى قلوب اللبنانيين جميعًا، ومثالاً أعلى ليقظة المرأة في الشرق.
(إعداد: أنطوان فضّول)