نهاد سعيد

سياسية، برلمانية سابقة، عضو رابطة النواب السابقين،
ولدت في بيروت ونشأت في بلدة العاقورة، قضاء جبيل في السابع عشر من تشرين الثاني سنة 1932. وعاشت بين قرطبا وبيروت.
والدها المحامي المعروف بطرس جرمانوس، عمل محاميًا في مكتب رئيس الوزراء الأسبق سامي الصلح.
على محور الإيمان نشأت، وفي إطار من العنفوان الوطني والخدمة الإنسانية ترعرعت. فأثّرت هذه العوامل مجتمعة في نشأتها.
أنجزت دراستها في مدرسة راهبات البزنسون، في بيروت، بتفوّق، وحلّت في المرتبة الأولى في شهادة الفلسفة على مستوى الامتحانات الرسمية في لبنان. إلتحقت بعدها بجامعة القديس يوسف، لدراسة الحقوق.
بتشجيع من أهلها المتنورين، تمرّست على العيش بحرية ملتزمة، مواكبةً العصر، منفتحة على آفاق المدَنِيّة. ونشطت مع مثقفي جيلها في جمعيات كشفية وثقافية واجتماعية وفكرية لاسيما مع أسماء سرعان ما تحوّلت إلى مرجعيات لبنانية كبيرة كالشاعر جوزف الصايغ والسفيرة سعاد طبارة والدكتور باسم الجسر وسواهم...
تزوّجت من النائب السابق الدكتور أنطوان سعيد، في السنة 1953، ولهما: فارس وماري كلود ومايا وندى وأدلين وكريم.
على الصعيد العائلي، وقفت بشكل فاعل مع زوجها الطبيب وعبرت معه معارج القرن العشرين وكانت ترافقه كالظل في عمله الإنساني كما الوطني. وفي الثالثة والثلاثين من عمره، حين قرر افتتاح مستشفى خاصًا، ساعدته في تحقيق أمنيته، ونجحت في التوفيق بين واجبات الأمومة ومسؤولياتها العائلية من جهة وبين دورها الاجتماعي من جهة أخرى. وكان لها دور أساسي في إضفاء المسحة الإنسانية على أعمال زوجها.
كانت رائدة ليس فقط في الإسهام في نهضة المرأة اللبنانية والعربية بل في إدخالها في عمق الحالة السياسية العامة.
سياسيًا انضم الدكتور سعيد منذ السنة 1958 إلى الخط الشهابي. إلا أنّه ورغم انحيازه السياسي للشهابية، وقف إنسانيًا وطبيًا على مسافة واحدة من الجميع فلم يفرق بين مسيحي ومسلم أو بين شهابي ودستوري وقومي وحلفي.
عام 1960 خاض الدكتور سعيد معركته الانتخابية الأولى منفردًا ضد العميد ريمون إده... فلم ينجح. في حين انّه حقق الانتصار في السنة 1964 بعد تحالفه مع الدكتور شهيد الخوري وعلي الحسيني.
توفي الدكتور سعيد بعد سنة من دخوله البرلمان. فجبهت نهاد سعيد الكارثة وصمدت وعرفت كيف تحتضن عائلتها، وكيف تدير المستشفى الذي أسسه زوجها، إلى جانب شركة نقل برّي.
شرّعت منازلها، بنوع خاص، لأبناء بلاد جبيل دون استثناء، تصغي إلى شكواهم ومطالبهم، تسعى لدعمهم ومساندتهم.
تعرّفت إلى النيابة قبل الدخول إلى الندوة البرلمانية مستفيدةً من خبرة زوجها وداعمةً خطواته ومواقفه في هذا الصدد.
ترشحت للمرّة الأولى عن المقعد الماروني في قضاء جبيل سنة 1965، نزولاً عند رغبة مناصري زوجها الراحل مؤيَّدة من الشهابيين، خلال الانتخابات الفرعية التي جرت في أعقاب وفاة زوجها، ولكنها لم توفق، حيث أن الزمن لم يكن ناضجًا بعد لجهة تأييد المرأة السياسية. ورغم خسارتها في الانتخابات إلا أنّها سجّلت اول انتصار حقيقي في مسيرة المرأة اللبنانية المناضلة من أجل حقوقها ومساواتها وموقعها.
شعرت بالعاصفة الهوجاء تقترب من أرض لبنان، واستشعرت بوادر الحرب قبل حدوثها فقررت المساهمة في المساعدة رغم التضحيات.
سحابة سوداء غطت بيتها يوم خسرت شقيقها خلال الحرب بعد أن خطفه الفلسطينيون، وكان منزلها واقعًا عند تقاطع خطوط التماس في بيروت قرب المتحف ومستشفاها عرضة للسيطرة الميليشياوية وللتخريب.
طيلة الحرب غادرت منزلها لكنها أبت أن تغادر لبنان، بل عاشت في الجبل، بعد أن سفّرت أبناءها إلى الخارج لإكمال دراستهم، وأبعدتهم قسرًا عن نظرها، وأمّنت على مستقبلهم. أما هي فلم تترك فرصة يمكن أن تستغلها لمساعدة الشعب اللبناني إلا واغتنمتها. ولم تتوان عن تقديم أي دعم أو بذل أي جهد يمكن أن يصب في خدمة المجتمع وتحصينه ودعم صموده.
وقفت مثل كل لبناني أمام الفرن ومحطة البنزين، واهتمت بالمهجرين.
أسفت للانهيار الكبير الذي زلزل كل ما تبقى من مقومات الكيان اللبناني والوجود المسيحي بشكل خاص. وكانت هذه المسألة تحتل الأولوية في فكرها ونهجها منذ فجر دخولها عالم السياسة.
انتفضت بشدة على كل القرارات والمواقف والخطوات العشوائية التي كان يتبناها الزعماء والقياديون دون تبصر للمستقبل أو وعي للمخاطر واستباق للنتائج.
وكان المجتمع اللبناني بمأساته التي تزداد عمقًا وتجذرًا سنة بعد سنة، يدفعها دومًا للتحرك واتخاذ المبادرات الإنقاذية. لكنها دوما كانت تتريث لأن الخلاص في لبنان يبقى رهينة لإرادة زعماء لا يهتمون إلا بمصالحهم ولا يعملون إلا لترسيخ نفوذهم ولو على حساب شعب لبنان وحطام أرضه.
ولأنها اعتادت أن تكون رائدة في طرح القرارات الإنقاذية والوطنية، أعلنت في العام 1996 ترشيحها للانتخابات النيابية وفازت عن قضاء جبيل.
كان الدافع وراء دخولها قبة البرلمان تسجيل موقف صارخ بوجه موجة المقاطعة التي تبنتها الشريحة العظمى من المسيحيين في المنطقة الشرقية.
لقد رأت في المقاطعة نوعًا من الانتحار الوطني، والإعدام الجماعي وطعنة في صدر لبنان، وتدمير لما تبقى من فرص إنقاذه، ورميه في عالم المجهول، عوضًا عن التكتل في سبيل تضميد جراحه وترسيخ روح المقاومة والتغيير في صفوف أبنائه.
نجحت في دورة 1996 العادية في دخول قبّة البرلمان، وفازت في معركتها هذه على مستويين:
المستوى الأول عندما دخلت بشخصها الإصلاحي، المقاوم والعلمي إلى المجلس النيابي.
والمستوى الثاني عندما بدأت تتضح صوابية خطوتها أمام الرأي العام اللبناني حين بدأت الدورات الانتخابية اللاحقة تشهد مشاركة على دفعات للقوى والرموز اللبنانية المقاطعة.
أسهمت في عمل اللجان النيابية، خاصةً في عضوية لجنة التربية الوطنية، ولجنة حقوق الإنسان. وشاركت في مؤتمرات إقليمية وعالمية عدّة.
محاضر جلسات مجلس النواب سجّلت بعضًا من مواقف الست نهاد سعيد التي تعكس حكمة وجدّية في التعاطي مع المسائل الوطنية والإنسانية وجرأة في التعبير عن الرأي ونزعة واضحة نحو الإصلاح والتجديد ومواكبة العصر.
(إعداد: أنطوان فضّول)