حسين كنعان

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى د. حسين كنعان النائب السابق لحاكم مصرف لبنان
عندما لاحت في الأفق اللبناني أطياف الإعمار والإنماء بعد انحسار موج الحرب الهادر، أخذ اسمه يستقطب الاهتمامات خصوصًا لمساعيه الحثيثة في سبيل إحداث تغيير جوهري في الأساليب التقليدية المعتمدة في لبنان في ادارة اقتصاده رافعًا راية اعتماد أساليب جديدة وسنّ تشريعات حديثة تواكب العصر وتعالج جذريًا الواقع الاقتصادي المتردّي.
ولد د. حسين كنعان في بوداي (قضاء بعلبك) العام ١٩٣٨. أنجز تحصيله الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث غاص في بحر العلوم السياسية والاقتصادية وحاز شهادتي دكتوراه في القضايا الدولية والعلاقات الدولية من جامعات واشنطن (١٩٧١ و١٩٧٤).
إستغل وجوده في قلب العالم الأميركي ليبحث عن معارف يحملها الى لبنان تسمح له بتحقيق ذاته على كافة الأصعدة وتخدم الوطن.
زخر النصف الثاني من القرن العشرين بكل أنواع التحولات الدولية والتطورات الانسانية.
شأنه شأن كل القطاعات والميادين، قفز الاقتصاد العالمي قفزة نوعية وتبلورت مفاهيم جديدة أسهمت في تسريع وتيرة حركته الدولية.
إختبر لبنان طيلة هذه الفترة حالتين نقيضتين. الأولى تمثلت بارتدائه ثوب سويسرا الشرق مع ما يعني ذلك من ازدهار وبحبوحة وموقع متقدم في عالم المال والأعمال. والثانية تولدت نتيجة عبوره في نفق الحرب وما واجهه من انحدار وانهيارات لم تتمكن مرحلة ما بعد اتفاق الطائف من معالجة تداعياتها رغم ما حملته من أحلام وخطط نحو الإعمار والإنماء وما أدخلت اليه من أموال ومساعدات.
كونه باحثًا في السياسة الدولية والاقتصاد ومحاضراً جامعيًا، ألَمَّ كنعان بمسيرة لبنان الاقتصادية وحقيقة أحوال قطاعاته كافة. لقد بقي طوال ثلاثة عقود من الزمن على تواصل مستمر مع كل من له صلة بالاقتصاد بدءً بالجامعات، مروراً بالمؤسسات والشركات والمصانع والنقابات، عبوراً بالجمعيات والتكتلات المحلية والإقليمية والدولية، ذات الصلة، وصولاً الى الوزارات والإدارات الرسمية والعامة.
تكوّنت في عمق فكره المتنوّر خريطة طريق للإقتصاد اللبناني، واضحة المعالم، مكتملة البنية دقيقة التجسيم.
في السبعينيات، انتظم في "حركة أمل" مع الامام موسى الصدر من أجل لبنان الواحد النهائي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين المحرومين، متأثراً بفكر الإمام النهضوي المجدد. ولأنه كان مأخوذاً بحس المسؤولية تجاه مجتمع لبناني يعاني من الحرمان ويتكبد التضحيات، اتخذ قراراً محوره الانتقال بلبنان، الوطن النهضوي السيد المستقل، من واقع متخلف عانى من الاقطاع السياسي الى واقع فاعل في مختلف الميادين والقطاعات الوطنية والاجتماعية.
عند ولادة حركة المحرومين، كان أحد أعضائها المؤسسين. وعند انطلاقة حركة "أمل" كتنظيم سياسي اصلاحي، كان أحد أبرز مستشاريها وأول رئيس لمكتبها السياسي (1976 – 1979). وخلال الحرب الأهلية، عمل جاهداً على توحيد الصف الوطني، قافزاً فوق السواتر والمخاطر، مواسيًا المنكوبين، ساعيًا الى اعادة المخطوفين الى ذويهم.
تأثر عميقًا بشخصية الامام موسى الصدر فرافقه في مسيرته الاصلاحية، يستلهم منه الحكمة ويلتزم خطه وتوجيهاته. وقد بادله الامام الاحترام والثقة وأسند اليه دوراً مميزاً في حركته الإصلاحية، وأوكله المهمات الوطنية والاجتماعية.
ويوم إخفاء الامام الصدر في ليبيا كان في عداد الذين حملوا لواء كشف الحقيقة عن هذه الجريمة النكراء رغم ما يحف بها من مخاطر.
وكما بقي وفيًا لقضية الامام المغيب، ظل التزامه ثابتًا بقضية المحرومين والجنوب، وقد أوصلها الى المنابر الدولية، بعدما تولّى رئاسة مجلس ادارة مجلس الجنوب من العام ١٩٧٩ حتى ١٩٨٥، حيث نشط في الحقل الاجتماعي، وعُرف باليد البيضاء المعطاءة التي تمرّست على الأعمال الخيرية.
في العام 1955، عُيّن عضوًا في مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط بين العامين 1955 و1998. وأشرف على استراتيجية حالت دون انهيار الشركة وقادها في مسيرة عبورها فوق الأفخاخ وإبقائها بوابة تقاطع الشرق والغرب وعنوانًا للبنان الحضارة والإنفتاح.
كذلك، اقترن اسمه ببرامج أكاديمية اصلاحية حديثة عدّة. فقد استدعته إدارات جامعات لبنانية وأميركية إلى فريقها التعليمي في خطوة نحو تطوير منهجية تدريس الإقتصاد وإدارة الأعمال، فدرّس في الجامعات الاميركية (واشنطون وبالتيمور) ثم في الجامعة اللبنانية والجامعة الأميركية في بيروت.
علّم العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت 1990 – 1995. واعتُمِد أستاذًا جامعيًا للعلوم الإجتماعية السياسية ومقارنة الحكومات في الجامعة اللبنانية 1978 – 1985، وأستاذًا جامعيًا للعلوم السياسية في جامعة هوارد في واشنطن 1969 – 1970، وأستاذًا جامعيًا للعلاقات الدولية وسياسات الشرق الأوسط في جامعة ماريلاند في أميركا. كما درّب على ثقافة اللغة السياسية وشؤون الشرق الأوسط في معهد الخدمة الخارجية في واشنطن.
حمل أينما حلّ روح العصر من حيث الأسلوب الأكاديمي الحديث والتقنيات المعاصرة والرؤية الناهضة والثاقبة. وهو يمتلك مخزونًا واسعًا من الاطلاع والخبرة.
موقعان متقدمان شغلهما، لعب فيهما دورًا محوريًا في حماية لبنان من ارتدادات الحرب. الموقع الأول تعيينه نائبا اول لحاكم مصرف لبنان المركزي من العام ١٩٨٥ حتى العام ١٩٩٠، والموقع الثاني اعتماده ممثلاً للبنان في صندوق النقد الدولي في الفترة عينها.
من خلال هذين الموقعين، نجح في استعادة المبادرة لمصلحة المصرف المركزي وفي تقويته واستعادة الثقة به، وساهم في تثبيت النقد اللبناني بعد مرحلة من الإنهيار العشوائي.
كذلك نجحت أفكاره في ضبط السوق المالية والنظام المصرفي اللبناني وفتح المجال لتأسيس شركات مالية تساعد على تنشيط حركة الإستثمار والتجاوب مع متطلبات الاقتصاد الوطني.
مبادراته سرّعت حركة رؤوس الأموال من وإلى لبنان وأعادت ترتيب وضع مؤسسات القطاع الخاص وحالت دون سقوطها.
من جهة أخرى، أغنى د. كنعان المكتبة اللبنانية والعربية بمجموعة من المؤلفات وعدد كبير من المقالات والدراسات والأبحاث.
من مؤلفاته:
شؤون سياسية – 1985.
اللعبة الدولية – 1996.
مسارات سياسية – 2005.
مستقبل العلاقة العربية الأميركية – 2005.
موسى الصدر قدر ودور – 2006.
إلى نضالاته السياسية ومواقفه الوطنية الرائدة، أثبت د. حسين كنعان حضورًا في عالم المال والإقتصاد وأوكل أدق القضايا. حمل قضية وطنه ورفعها على المنابر مدافعًا عن أحقية وجوده ومشروعية استقلاله وسيادته وحرية أبنائه.
محاضر غزير الأفكار، عميق التحليل، واقعي. سعة اطلاعه وخبرته في القضايا الاستراتيجية، وثقافته المنفتحة على مختلف المنظومات الدولية، جعلت منه مرجعًا يُعتمَد على قراءته في البحث عن حقيقة واقع اتجاهات السياسات الإقتصادية والمالية في لبنان والشرق الأوسط والعالم.
يبقى في سيرته وخبرته ومؤلفاته عنوانًا مشرقًا في حقل الوعي الاستراتيجي.
هو خبير ذو مستوى عالمي، تمكن من توقّع العديد من الأحداث قبل وقوعها بما امتلك من خبرة في فهم اتجاهات العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول صاحبة القرار في العالم.
(إعداد: أنطوان فضّول)