غيدا عناني
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الناشطة الحقوقية غيدا عناني
مؤسّسة منظمة أبعاد ومديرتها، ناشطة في حقل الدفاع عن حقوق المرأة والأطفال والتصدي لكل أنواع العنف والتمييز والإستغلال.
جهودها الكبيرة وتحرّكها على أكثر من صعيد وإبرازها بشكل راقٍ وعلمي موقع المرأة في عمق الوجدان اللبناني والإقليمي والدولي أهلتها في العام 2014 إلى نيل جائزة"Women Leadership Achievement Award" عن فئة النسويات الشابات القياديات والإدارة الأخلاقية.
نضجها الواعد وتعطشها للثقافة والمعرفة والعلم، دفعاها إلى تجسيد ما يشبه الثورة على الذات ومحدودية الأمر الواقع. إنّها أولى براعم تفتّح النهضة والوعي في مسيرة المرأة اللبنانية المعاصرة.
إفتتحت مسيرتها بقرار طوعي، تلقائي، نابع من ذاتيتها المتحرّرة، وبعيدًا عن أي تأثير خارجي. في البداية انخرطت إلى جانب عملها المدني في قطاع التربية والتعليم لتنقل في ظلّهما قناعاتها وخبراتها إلى الطالبات الشابات في حفل الخدمة الإجتماعية، وكانت الجامعة اللبنانية منبرًا لها، أستاذةً مساعدة في كلية الصحة العامة وفي الجامعة الحديثة للإدارة والعلومMUBS
آمنت بأن العلم والثقافة والفكر هي الثوابت الأساسية التي تبقى وتبقي معها المجتمع على حيويته ونموه وازدهاره، أما الإهتمامات الأخرى فهامشية في حياة الأوطان، لا بل قد تؤسس لبركان قادر أن يفجر كل الوطن.
ثم انطلقت في مسيرة رائدة وخطوات جبارة في زمن الإنحدار الثقافي والفكري هيّأت لحركة نهضة كانت صامتة في البداية ثم استحالت صاخبة، نجحت في إحاطة الواقع الإنساني في لبنان بهالة دفاعية صلبة وأسست لانطلاقة جديدة تنسجم مع آفاق الحرية والحقوق الانسانية.
إمتلكت غيدا عناني مخزونًا إنسانيًا واجتماعيًا كبيرًا تولّد نتيجة تعاطيها المباشر والمبكّر مع حاجات مجتمعها، بصفتها استشارية خبيرة في قضايا العنف القائم على النوع الإجتماعي. فنشطت في المسائل الاجتماعية، واحتكت بنوع خاص ومباشر بقضايا المرأة، وتبنّت يومًا بعد يوم شؤونها، ساعية مع الساعين إلى حل مشاكلها وحماية كرامتها الانسانية.
يبقى العمل الاجتماعي خصوصية، إقترنت باسمها، لاسيما من ناحية حمل راية حقوق المرأة.
في العام 2009، حضرت كمتحدثة ضيفة في المؤتمر الصحفي للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في العام 2009. وفي العام 2008، حازت جائزة التميّز في التعليم التشاركي من الجامعة الأمريكية في بيروت.
في حزيران 2011، أسست منظمة أبعاد- مركز الموارد للمساواة بين الجنسين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ناضلت لمناهضة كل أنواع الظلم الذي يدمر قيمة المرأة ويتهدد كيانها.
في العام 2013، أسست ثلاثة مراكز إيواء آمنة للنساء المعرّضات للعنف في لبنان (برنامج "الدار").
حازت في العام 2014 جائزة وومانيتي Womanity لمبادراتها الريادية من أجل إنهاء العنف الموجّه ضد النساء، كما تم اختيارها لمدرسة النساء الدبلوماسيات من قبل الحكومة الإيطالية.
في العام ذاته، أسّست 8 مراكز نموذجية للنساء والفتيات المعرضات للعنف والإساءة بالشراكة مع وزارة الشؤون الإجتماعية لتوفير الرعاية الخدماتية الشاملة للضحايا.
تنشط غيدا عناني من اجل تعديل قوانين عدّة مجحفة بحق المرأة، مناضلة إلى جانب رائدات وحقوقيات لمع نجمهن على مساحة الوطن وتمددت شهرتهن إلى الآفاق العربية ووصل بعضهن إلى حدود العالمية.
أثمرت جهودها إلى جانب فريق عمل منظمة أبعاد استحداث قوانين ، وتعديل أخرى، عالجت مختلف قضايا التمييز ضد النساء. كما كانت لها اليد الطولى في تنظيم عدد من الحملات المطلبية، آخرها حملة "الأبيض ما بغطي الإغتصاب" لإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني التي حازت "درع حقوق المرأة" من قبل نقابة المحامين في بيروت وجمعية "لبنان الغد" وتكريم في "الجامعة اللبنانية الكندية" في آذار 2017.
كما ولها عدد من الدراسات والمقالات المنشورة، والرزم التدريبية، والمواد التثقيفية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى مشاركاتها المؤثرة في عددٍ من المؤتمرات والندوات المحلية والعالمية.
بعملها التطوعي، وجهودها المتميزة في العمل المثابر، والإجتهاد في خدمة المجتمع، أثبتت أنها صاحبة رسالة سامية يحتذى بها في الوطن العربي.
فشلت الأحزاب والتيارات الحزبية والعقائدية في استقطابها لأنها تمسكت باستقلاليتها تحافظ عليها. لكنها لم تتردد بالمقابل في المشاركة في العديد من التظاهرات والأنشطة التي تعيد للإنسان كرامته وحقّه.
لم تفرّق غيدا عناني يومًا بين جنسية وأخرى، ولا بين انتماء وآخر، ذلك أنها كرّست حياتها لرفاه المرأة وكرامتها وحقوقها.
رافقت المرأة اللبنانية بشؤونها وشجونها، انتفضت على التخلّف الذي يقيّد حركتها وشهّرت بظواهر الإهمال التي تفخخ مستقبلها. ناصرت حقوقها وكافحت من أجل حمايتها.
من رسالتها المبدعة استلهمت الأنتلجنسيا العربية حركتها في زمن الربيع العربي. ولعل حضورها على مستوى النهوض بالمرأة يأتي اليوم في المراتب الأولى في نضالات النساء العربيات.
لقد آمنت بدور لبنان الحضاري وحاربت الظلم والتخلّف والرجعية بجرأة الحرف وسيف الحق ونشرت المعرفة في ثنايا الإنغلاق والتطرّف، وكرّست الوقت الثمين لترميم ما صدّعته الفوضى والأنانية.
في الواقع استطاعت أن تحمل الراية بجلد عنيد ومناعة حصينة وإرادة صلبة وإيمان عميق بقيمة المرأة، وبثقة لا يشوبها شك بأنها لا بد وأن تلتقي وتخرج من يرقانة قيودها وصمتها وخوفها.
سنوات غيدا عناني ليست مجرّد رصف للأيام والعقود بل تكاد تكون شريطًا متواصلاً من الوهج العابق بالحياة.
إعداد: أنطوان فضّول