أمل فرحات باسيل
إبنة فرحات فرحات الأديب والكاتب والمفكّر الراحل، مؤسس أول مدرسة رسمية في بلاد جبيل.
والدتها ماري باسيل.
إلى جانب شقيقتيها سمر وسحر، عاشت في أسرة متحابة، متضامنة، تنشأ على القيم والمبادئ التي ميّزت العائلة اللبنانية وأحاطت هيكلها.
متزوّجة من جيلبير باسيل ولهما ولد وحيد راوول.
أما دراستها فتوزّعت بين مدرستي القلب الأقدس ومار يوسف في جبيل. في حين أنها أنجزت تحصيلها الجامعي في جامعة القديس يوسف في بيروت حائزة الإجازة في حقل الإرشاد الإجتماعي، وماجستير في التدخّل الإجتماعي والوساطة العائلية.
واكبت الحرب اللبنانية منذ فتوتها، وتأثّرت عميقًا بما تسببت به من مآسٍ طاولت كافة القطاعات والميادين، فتحرّكت في سبيل تحصين المجتمع والدفاع عن مقوماته وحماية مرتكزاته. وقد أظهرت بتحركّها الواعي، نضجًا وطنيًا والتزامًا مسيحيًا وريادة في الإصلاح والتصحيح والرعاية الإنسانية.
نشطت في أواسط الثمانينيات ولثماني سنوات في الصليب الأحمر كونه جمعية محايدة لا غبار عليها ولا قدرة لقادر على وقف نبض حركتها، وهو المؤسسة التي تعبر فوق كل حدود وأزمنة. فكان عامل جذب بالنسبة لها في زمن الحرب، فتطوعت فيه لخدمة مجانية، عاملة على تدعيم حضور تلك المنظمة الإنسانية وتقوية مقدراتها.
كان هاجسًا عندها في أزمنة المحن، توفير الحماية للمدنيين ومساعدة ضحايا النزاعات والإضطرابات بعدما استفحلت في مختلف المناطق اللبنانية. وهنا كانت حاضرة في المعارك لا سيما في تلك التي نشبت في ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية بين الأطراف المسيحيين في أواخر الثمانينيات.
وكانت تناضل أيضًا إلى جانب أهالي المخطوفين والمعتقلين والمنكوبين وضحايا الإجرام والتفجيرات والقصف العشوائي.
لم تشأ أن تكون متطوعة عادية في الصليب الأحمر بقدر ما أرادت أن تكون بين المناضلين.
وقفت في عمق القتال المسلّح وفي قلب الإعصار ووسط الحرب ووضعت نصب عينيها رسالة الصليب الأحمر. ذاك قرار يتخطى حدود الحس الإنساني والوطني ليصبح نوعًا من الشهادة الحية، لا سيما في مرحلة كانت الأخطر أمنيًا. إذ ليس بأمر بسيط وقرار سهل أن تكون في عين الإعصار وفي قلب الحرب وأن تلتحق بصفوف الصليب الأحمر وتتبنى رسالته، في ذاك الزمن العصيب. فالصليب الأحمر اللبناني في تلك المرحلة لم يكن بمنأى عن الإستهداف بل كان في دائرة الخطر أكثر من سواه، لأنه حاضر في كل تفجير وفي كل انتكاسة أمنية.
أن تتطوّع في الصليب الأحمر يعني أنها في صميمها قد قررت أن تتخطى خطوط التماس وأن تكون وطنية إلى جانب كل مواطن عبر مؤسسة عابرة للطوائف والمناطق.
تأثرت بالعمل الإجتماعي وطبعت حياتها جمعية آفيل – دار الطفل اللبناني التي تهتم بالأطفال المعرّضين للعنف الجسدي والتحرش الجنسي.
تأسست الجمعية السنة 1976 على يد نخبة من أهل العطاء والمبادرة منهم المطران غريغوار حدّاد وغبريال وسيمون ورده وإيلي ومنى بطل وجان حجّار، بهدف حماية الأطفال ورعاية ذوي المشاكل النفسية والإجتماعية كالتعنيف الجسدي والجنسي أو الذين يعانون من سوء المعاملة أو لديهم صعوبات تعليمية، بحيث تعمل على متابعتهم عبر تعليمهم وتدريبهم لتزويدهم بوسائل حماية أنفسهم والعمل على استقلاليتهم وتطوير قدراتهم والصمود أمام الصعوبات.
التحقت أمل فرحات بجمعية دار الطفل اللبناني في العام 1989، وتأثرت عميقًا بأعضائها المؤسسين لاسيما آل ورده.
عملت في هذه المؤسسة قرابة الربع قرن ونيّف. بدأت كمساعدة إجتماعية تهتم بخمسة عشر طفلاً، ترافقهم. وقد باتوا اليوم بالغين، أبدعوا في حياتهم بعدما تعاطوا معظم القطاعات، منهم المحامي والطبيب والقانوني والمهندس ورجل الأعمال.
تعاونت فرحات مع فريق آفيل. إكتسبت ثقتهم ودعمهم حتى أجمعوا على شخصها فاختاروها على رأس الإدارة تشرف على الجمعية وتديرها منذ عشر سنوات.
وجمعية دار الطفل اللبناني (AFEL) جمعية علمانية غير حكومية، لا سياسية ولا طائفية، تستقبل الأطفال المعرضين للإساءة والعنف والتحرّش الجنسي والإنحراف والذين يعانون من صعوبات تعليمية، فتؤمن لهم الحماية والوقاية والرعاية وتساعدهم على انخراطهم بطريقة سليمة في المجتمع وتزوّدهم بوسائل الحماية وتطوير قدراتهم والصمود أمام الصعوبات.
تنشط هذه الجمعية في سبيل تعزيز مبادئ حقوق الطفل وتوعية الرأي العام حول مبادئ الإتفاقية الدولية لهذه الحقوق. وتتدخل الجمعية مع الأهل لتحسين العلاقات الأسرية.
تنتشر مراكزها في أكثر من منطقة لبنانية:
المركز الداخلي في منطقة جوار الباشق يستقبل الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة والإستغلال ويعيشون في كنف عائلات من مشاكل اجتماعية خطرة.
مدرسة الإستلحاق الدراسي في منطقة برج حمود تساعد في إعادة تأهيل الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعليمية وعلائقية ومن مشاكل نفسية وحركية ومن صعوبات في النطق.
المركز النهاري الخارجي في منطقة سن الفيل يعمل من أجل الوقاية من الإنحراف ومن العمل المبكر للأطفال، وفي إشراكهم في برامج ترفيهية وثقافية متنوعة. كما تقدم لهم وجبة طعام ساخنة ودروسًا مسائية وتتابعهم تربويًا ونفسيًا واجتماعيًا وتوعويًا.
إلى ذلك تنفّذ الجمعية برنامج دعم للطفل ضمن أسرته وتساعد العائلة على كافة الأصعدة بهدف ضمان اكتفائها الذاتي وإعادة تأهيلها اجتماعيًا وتأمين حاجات الطفل مع إبقائه في كنفها.
تهتم الجمعية اليوم بمئتين وعشرين عائلة وخمسمئة وطفلين موزعين على كافة المراكز والطوائف.
تنظم الجمعية منذ العام 1978 مخيمات صيفية في شهري تموز وآب يستفيد منها زهاء مئتين وخمسة وعشرين طفلا.
من جهة أخرى يؤمن المشغل التابع لها، عملاً لأمهات الأطفال الذين ترعاهم في أجواء تسمح لهن بالتواصل مع الآخرين كما يؤمن راتبًا لهن لضمان استمرار رعايتهن للعائلة.
أطلقت الجمعية دليلاُ حول "سوء معاملة الأطفال: الوقاية والمعالجة" موجه للأخصائيين العاملين في مجال حماية الأطفال. وأطلقت وثيقة سياسية لحماية الطفل بالتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية ومنظمة أبعاد ودرّبت من خلالها حوالي مئتي جمعية متواجدة في جميع المحافظات. كذلك قامت بعدد من الدورات التدريبية حول موضوع حماية الأطفال في مختلف البلدان العربية.
بفضل جهودها احتلّت جمعية دار الطفل اللبناني Afel موقعًا محوريًا في عمق الوجدان الوطني واستحقّت جهودها كل تقدير منحه إياها مجموع الشعب اللبناني.
تعمل الجمعية اليوم على مستوى الوطن. تتعاون مع وزارة الشؤون الإجتماعية ومختلف الجمعيات الأهلية.
صارت مرجعًا لحماية حقوق الطفل ورعايته من العنف وسوء المعاملة.
برعاية السيدة الأولى في حينه، وفاء سليمان، نجحت فرحات في عقد المؤتمر الأول من تنظيم الجمعية وكان لبنانيًا إقليميًا هو الأول من نوعه على مستوى العالم العربي، محوره الربط بين الحماية القانونية والحماية الإجتماعية.
شاركت في العديد من المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية ممثلة جمعية AFEL وألقت المحاضرات مخاطبة بموضوعية وتجرد جميع أبناء الوطن قافزة فوق كل الحواجز النفسية والسياسية والمذهبية. وقد استضافتها محطات الإذاعة والتلفزة عبر أثيرها.
زارت دولاً عربية وأوروبية ومراكز دولية متخصصة. جالت في البحرين والسعودية وتونس والأردن ومصر وفي العالم العربي وفي العواصم الأوروبية والغربية عمومًا تنشر ثقافة حماية الطفولة وتدرّب الناشطين والجمعيات على كيفية التعاطي مع الأطفال المعنفين.
من أبرز المحطات على هذا الصعيد، جولتها في المراكز التونسية التي تعنى بحماية المرأة المعنّفة. مشاركتها في كوبنهاغن وفي أكثر من عاصمة دولية وفي جنيف في مؤتمر نظمته الأمم المتحدة، حيث كانت لها مداخلة حول قضايا الأطفال المعنفين.
بنت نوعًا من الشراكات مع وزارة الشؤون الإجتماعية ومع الجمعيات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية. تواصلت مع جمعية الأخت إيمانويل وسواها من المنظمات الدولية، وتعاونت مع مختلف الجمعيات الإنسانية في لبنان.
حاضرت وكافحت من أجل إنسان واعٍ، سليم الجسم، قوي الإرادة، ومن أجل مجتمع متماسك ووطن نظيف يتوحد أبناؤه حول مسائل الصحة والبيئة والكرامة الإنسانية.
في السنة 2017 وبالتعاون مع جمعية أبعاد ووزارة الشؤون الإجتماعية وبتمويل من السفارة الإيطالية، نجحت في إطلاق برنامج سياسة حماية الطفل داخل المؤسسات. وهو إنجاز هام ورائد، كفيل بتدريب الأخصائيين في الجمعيات الأهلية بهدف إحتراف التعاطي مع الأطفال وإطلاق مدونة سلوك يوقع عليها أرباب الأعمال وأصحاب المؤسسات والشركات والموظفين والأطفال لضمان التواصل اللاعنفي تجاه الأطفال.
إلى ذلك تدرّس في جامعة الروح القدس في الكسليك مادتي الأنتروبولوجيا والتربية المدنية – المواطنة. ومن موقعها الاكاديمي، نشطت تسهم في لملمة جراح المجتمع وإعادة تلاوين الحياة إليه بعدما اكتسحته موجات الحرب المدمرة.
هي أكاديمية ذات عمق ثقافي ومربية تجمع إلى الحكمة روحَ الامومة المعطاءة.
حياتها محطات لحركة إصلاحية تنموية لا تستكين أو تهدأ، قررت أن تكون فاعلة في المجتمع بعد ما بدأت تطفو على وجه الحياة العامة رواسب الحرب وتداعياتها.
إلى اندفاعها في المساعدة في إنقاذ الأطفال المعرضين للخطر، تحرّكت في سبيل تعزيز استقرار العائلة التي تعتبرها الركن الأول في مسيرة بناء وطن للمستقبل، آمن ومتوازن وعصري. في هذا الإطار اعتمدتها المحكمة المارونية خبيرة إجتماعية تتابع قضايا العائلة وتعالج تداعيات حالات الطلاق. تقوم بزيارات للأهل، تنير دربهم، توجههم، ثم تتقدم بتقرير يتعلق بالجهة المؤهلة لحضانة الأطفال.
هي تعطي ولا منّة في العطاء وتعلن ولا خجل في الإعلان.
تحتل الطفولة والعائلة في فلسفتها الاجتماعية موقعًا محوريًا نحو استقرار المجتمع ونموه الطبيعي وتطوره، إذ تعتبرهما ركنين أساسيين في عملية إنقاذ الشاب اللبناني من ضياعه وإحباطه.
في طبعها الهادئ وتواضعها العميق تفهم مدى قلّة اكتراثها بالشعارات وضجيج الإعلام وكثرة الكلام. وفي مسؤولياتها وحضورها وعملها، تعكس صورة المربية الحكيمة والإدارية الرصينة.
في غزارة علمها ونباهة بصيرتها ونفاذ بصرها وبراءة وجدانها وصلابة إرادتها في البناء تتدانى محبة وتتسامى ثورة تلتهب إيمانًا.
(إعداد: أنطوان فضّول)