غيتا حوراني

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى د. غيتا جورج حوراني
أستاذة في قسم الحكومة والعلاقات الدوليّة في كلّية الحقوق والعلوم السياسيّة ومديرة مركز دراسات الإنتشار اللبنانيّ في جامعة سيّدة اللويزة، لبنان.
ولدت في بلدة تعلبايا، قضاء زحلة، وترعرعت في عائلة وطنيّة من أم هي تريز مارون مارون أبي يونس من حمانا، ووالد هو جورج فيليب الحوراني من تعلبايا. كلاهما طبعا فيها قيماً مميّزة: حب العلم، والمعرفة، والقيم الإيمانيّة، والحضور الإجتماعي، ونعمة الوقوف مع الحق، والإلتزام تجاه القضايا الإنسانيّة والوطنية، والشهامة، والكرم، وحب الضيافة.
معاناتها خلال الحرب اللبنانيّة والتهجير، والهجرة، والعودة لم يثنياها عن حبها للتحصيل العلمي الى جانب قيامها بواجبها الوطني والإنساني. حائزة على شهادة دكتوراه من جامعة طوكيو للدراسات الدوليّة (طوكيو، اليابان)، وشهادة ماجيستير في التنظيم المدني من جامعة مقاطعة كولومبيا (واشنطن، الولايات المتحّدة الاميريكية)، وإجازة في التاريخ من الجامعة اللبنانيّة، وشهادات عدّة في مجال القوانين الدوليّة للهجرة واللجوء، والهجرة والتنميّة، والهجرة والعودة، الخ.
سُنُوُّها نهمٌ علميّ، وتجلّ في الأبحاث الأكاديميّة، وريادة في الشؤون العامة. طبَعَت حياتها بنشاط بحثيّ، وكتابيّ، وإجتماعيّ، تأصّلَت فيه وشاركته مع طلاب وباحثين من لبنان والعالم.
إكتشفتها جامعة سيدة اللويزة عندما كانت مقيمة في الولايات المتحدة، فأوكلت إليها مسؤوليّة تأسيس مركز دراسات الإنتشار اللبنانيّ عام 2003– الأول في القطاع الأكاديمي عالمياً، مقدّرة كفاءتَها، وفرادتَها، وقوّةَ حضورِها، وخبرتها، وجرأتَها المتأجّجةَ بالإلتزام والتواضع والتحدّي العقلانيّ المتّزنِ. أعطيت ألقاباً كثيرة خلال مسيرتها في لبنان والخارج، لزيارتها الموارنة في أنحاء كثيرة من العالم ولتأسيسها أول مركز دراسات مارونية وأول مجلة علميّة عن الموارنة في اللغة الإنجليزية ونشرهما على الإنترنيت عام 1996؛ كما لتأسيس مركز دراست الإنتشار اللبناني على عاتقها وبإمكانيات ماليّة متواضعة فأجترحت شبه "معجزة" أدت الى إعطاء المركز سمعة أكاديميّة شهيرة مما إنسحب على سمعة جامعة سيدة اللويزة بجعلها المركز قبلة عالميّة ومرجعاً لا غنى عنه للباحثين و الحكومات والمؤسسات الدوليّة والمحليّة في مجال الهجرة من والى لبنان.
ومن ضمن إختصاصها تدرّس مقررات منها الهجرة، النزاعات، وبناء السلام؛ إدارة مشاريع المنظمات الغير حكومية؛ المؤسسات الحكومية والسياسة في لبنان؛ وتاريخ لبنان والشرق الأوسط. تلقى من طلابها والمتدرّبين تحت رعايتها كل تقدير لإنها تمنح علمها، وخبرتها، ومهاراتها بكرم لا مثيل له إيماناً منها بأن المعرفة ليست ملكها، بل هي مؤتمنة عليها ومسؤوليتها أن تنقلها لمن يرغب لكي يستمر التطور الفكري من إجل الإنسانيّة.
أجرت الكثير من الأبحاث، وشاركت في إجتماعات حواريّة دوليّة حول الهجرة، وألقت المحاضرات في العديد من المحافل والجامعات في العالم، نظّمت المؤتمرات، وساهمَت بفاعليةٍ في حماية تراث وتاريخ الهجرة اللبنانية وفي التحفيز على وضع سياسات متعلقة بالهجرة من والى لبنان وفي تحسين السياسات المتعلقة بالمنتشرين اللبنانيين وعلاقتهم بوطنهم الأم.
غيتا حوراني مثقّفة كبيرة على ذكاء لمّاع، وحزم منفتح، واحترامٍ لقيمِ الإنسان والحريات. صادقة، صريحة، عفويّة، حرّة التفكير، متجرّدة، ومتواضعة. حواريّة حادّة، تُقنعُ وتقتَنِعُ، وتقرّ للآخرين بصحة رأيهم إذا ما تبيّنَ لها ذلك. إنّه العلم ممزوج بالتواضع!...
لبنانيّة عريقة، لا مساومةَ عندها على الكيانِ اللبناني والحضورِ والثقافةِ والدورِ والمكانةِ والقيمةِ للبنان، وهي كالصقر يحلو لها التحليق في سماء الأمور العلويّة وفي رحاب العمل من أجل مجتمع أفضل، تلهم طلاَبها لكي يكونوا قدوة في حياتهم الشخصيّة، والإجتماعيّة، والعمليّة، وخاصة الوطنيّة.
تخطّت شهرتها الحدود اللبنانيّة الى العالم. فبمشاركتها الفاعلة في مؤتمرات دولية في الولايات المتحدة الأميركية، وإيطاليا، وفرنسا، واليابان، والمكسيك، وتشيلي، والمغرب، وتونس، واوستراليا، ومصر، والاردن، وكندا، والارجنتين، وسويسرا، وهولندا، والمانيا، وكوسوفو، وتركيا، وقبرص، واسبانيا، سار إسمها بمحاذاة كبار الباحثين الدوليين.
عملت مستشارة للتنمية الدوليّة في البنك الدولي وفي عدة مؤسسات في واشنطن في الولايات المتحدة الامريكية حيث كسبت خبرة كبيرة وساهمت من خلال عملها في الدفع نحو تفعيل القيم الانسانيّة في التنمية الدوليّة.
تشغل اليوم منصب الأمين العام ومديرة الحملة الدولية ومديرة الندوة الدولية في منظمة "مبادرة لبنان الحوار" التي أسسها القنصل الفخري للمملكة المتحدة في لبنان السيد وليم زرد أبو جوده والتي تديرها من مكتبها في جامعة سيدة اللويزة عبر ورقة تفاهم بين المنظمة والجامعة. هذه المبادرة التي تهدف الى تأسيس مركز عالميّ للحوار وحل النزاعات الدوليّة من قبل الأمم المتحدة في لبنان، تعتبرها حوراني قيمة جوهريّة في وجودية لبنان ورسالته الأمميّة والإنسانيّة.
كما تشغل حالياً مناصب عدة منها: خبير لبنان في برنامج فهامو للاجئين(أكسفورد، انكلترا)؛ وخبير في المواطنة مع مرصد الديمقراطية بشأن المواطنة في الاتحاد الأوروبيّ (فلورنسا، إيطاليا)؛ عضو مجلس إدارة مؤتمر بيروت الاقتصادي - مركز البحوث، لبنان؛ باحث بارز في قسم الدراسات المسيحية الشرقية والبيزنطية لمعهد الشرق، جامعة مارتن لوثر هالي فيتنبرغ، ألمانيا؛ باحث مشارك مع معهد البحوث للغات والثقافات في آسيا وأفريقيا في جامعة طوكيو للدراسات الدوليّة، اليابان؛ خبير في المواطنة مع مرصد الاتحاد الأوروبي للديمقراطية بشأن المواطنة، إيطاليا؛ عضو في الشبكة وخبير لبنان مع اتحاد البحوث التطبيقية بشأن الهجرة الدولية، إيطاليا؛ عضو الهيئة التحريرية في مجلة البطريركية المارونية ، لبنان؛ عضو في هيئة تحرير سلسلة النصوص والسياقات في شرق المتوسط في أكاديمية أبليان، وهي شعبة تابعة لمجموعة أبيليان للنشر بالولايات المتحدة الأمريكية؛ مدير البحوث في مركز قرطاج للبحوث والمعلومات، لبنان؛ وكبير المستشارين في الشبكة اللبنانية للتنمية في لبنان.
وكانت د. حوراني قد شغلت منصب عضو مجلس تحرير مجلة المشرق والمهجر لدراسات الهجرة في الشرق الأوسط، في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، الولايات المتحدة الأمريكية؛ عضو لجنة خبراء الهجرة التابعة لمديرية المهاجرين في وزارة الخارجية اللبنانية؛ وعضو في الفريق الأكاديمي الوطني المعني بالهجرة في لبنان التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ فضلا عن خبير في الهجرة للمجمع البطريركي الماروني. كما شغلت منصب خبير الهجرة لبرنامج ماغنيت لمنظمة العمل الدولية؛ وحصلت على درجة زمالة في برنامج الزمالة في مجال التربية المدنية والقيادة في كلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز في نيويورك وزميل في معهد البحوث الشرقية المسيحية في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة الأمريكية.
من أهم إنجازاتها تأسيس وترأس أول مركز علميّ مختصّ يعنى بالابحاث العلميّة عن الموارنة هو "مركز الدراسات المارونية" وأول مجلة علميّة باللغة الانجليزية هي "مجلة الدراسات المارونية" التي أسستهما في واشنطن. وتكمن أهميّة حوراني بانها كانت من أوائل من أسسوا موقعاً الكترونياً ونشروا مجلات علميّة مجانيّة الإستعمال على الإنترنيت عام 1996 والذي كانت فيه سبّاقة في رؤيتها لأهمية الإنترنيت في تطور المعرفة وفي نشر المعلومات. كما إبتكرت أول مقرر أكاديمي على المستوى العالمي عن دور المرأة في الحرب والسلام وحل النزاعات الدوليّة ودرّسته وحاضرت فيه في عدة مؤسسات تعليميّة ومجالات تدريبيّة في الولايات المتحدة الأميريكية. كما أطلقت" مبادرة حقوق الإنسان للبنان" ومبادرة "بيس كور- لبنان" أثناء إقامتها في اميريكا.
أغنت المكتبة اللبنانية كما العالمية بباقة من المؤلفات المنشورة والترجمات والمقالات، وصدرت لها دراسات وأبحاث عدة في الهجرة واللجوء، التنمية وسوق العمل، والجنسيةّ والتجنيس، وغيرها.
هي الإنسانة، والمارونية، واللبنانية التي تقاوم بقلمها وفكرها نصرةً للحرية والعدالة والكرامة على إمتداد الجغرافيا الدولية. حملت همّ لبنان في وطنها وفي إغترابها، وكرّست وزناتها ومواهبها وطاقاتها للدفاع عنه كقيمة إنسانيّة ولا تزال.
عكفت على كل ذلك بتواضع قلّ نظيره وبشغف للعلم رغم حصولها على أعلى درجاته، فميّزت نفسها كامرأة لا تغريها إلا المعرفة ولا يثنيها إلا ارادة الرب جل جلاله. فجسّدت من خلال نضالها صورة المرأة اللبنانية المقدامة والقيادية التي تواجه بجرأة وحكمة الصعوبات خصوصاً تلك التي تأتي من مجتمع ذكوري متخلّف وخائف، فتعلو فوق كل ذلك بالعطاء الفكري والأنساني وبالمسامحة فتسمو كما السنابل الملئية.
مسيرتها عملية نضال. صوتها إصلاحي في جميع الميادين، لا تخاف قول الحقيقة ولا تهادن في مبادئها.
وطنيّة يإمتياز، وشغوفة بلبنان ومدركة بعمق أيماني لا يتزعزع دور هذا الوطن الصغير الريادي في تفعيل روح النهضة في الشرق وإطلاق مسيرة الانفتاح الثقافي والتواصل الإنساني والتكامل الحضاري في العالم.
في قراءة موضوعية لسيرتها الذاتية وعبر صفحات مؤلفاتها وما سُجّلَ من أفكارها ومقالاتها وأبحاثها وندواتها والحوارات التي أجريت معها، نكتشف معالم فكر نيّر رصين، خرج من رحم الأصالة واقتحم جدار الحداثة وواكب العصر بحيويته نحو آفاق المعرفة اللامحدودة ونحو إستمرارية التوق نحو كمال الإنسانية.