رجل وامرأة

دراما من تأليف وإخراج: أنطوان فضّول
السيارة تشق الطريق السريع، والطبيعة من حولهما تمتزج بلون السماء الرمادية، كأنها مرآة تعكس مشاعرهما المتشابكة.
رمزي يقود، لكنه بين لحظة وأخرى يسرق نظرة نحو فاتن، كأنما يحاول أن يلتقط تفاصيلها قبل أن تضيع في زحمة الأيام.
فاتن تنظر عبر النافذة، البحر يظهر للحظة ثم يختفي، يشبه تلك المشاعر التي تقترب ثم تتوارى خلف الأسئلة.
"هل تفكرين فيما نفكر فيه كلانا؟" يسألها، وكلماته تحمل مسحة من الجرأة والقلق.
"ربما"، تجيب، لكن نبرة صوتها تخفي أكثر مما تعلن.
الصمت يعود ليحكم اللحظة، لكنه ليس صمت الفراغ، بل مساحة يتجول فيها القلب بحرية.
الطريق يمتد، والليل يرخي ستائره، والمدن تتراجع في المرايا، كأنهما يسافران نحو عالم لا يعرفه سواهما.
الفندق يفتح أبوابه أمامهما، والغرفة تنتظر، لكنها ليست مجرد جدران وأثاث، بل مساحة للحقيقة العارية من التردد.
الحقائب تُترك عند المدخل، وفاتن تتقدم نحو النافذة، تطل على المدينة التي تنام تحت ضوء المصابيح الخافتة.
رمزي يقترب، لكنه لا يلمسها، فقط يقف خلفها، كأنما يخشى أن يوقظ شيئًا لم يكتمل بعد.
الأنفاس تتباطأ، واللحظة تمتد، والمشاعر تتكاثف كغيوم ثقيلة قبل المطر.
يدها تتحرك ببطء، تلامس الزجاج البارد، وكأنها تبحث عن إجابة لا تأتي.
"هل يمكن للحب أن يولد مرتين؟" تسأل، وصوتها يشبه همس الريح.
"الحب لا يموت، لكنه أحيانًا يضيع، ونحن نحاول العثور عليه مجددًا"، يجيب، وعيناه تراقبان ظلها.
المشاعر تتدفق، لكن الماضي يطل برأسه، يذكرها بصوت زوجها الراحل، وبكل تلك الليالي التي أمضتها وحدها.
"أخاف أن أخون الذكرى"، تعترف، وكأنما تحاول التمسك بخيط واهٍ من الوفاء.
"لا أحد يطلب منك أن تنسي، فقط دعي قلبك يتنفس"، يقول، وصوته يحمل دفئًا يغمر المسافات بينهما.
اللحظة تنكسر، وفاتن تستدير، عيناها تلتقي بعينيه، تلك العيون التي لا تطلب شيئًا لكنها تقول كل شيء.
خطوة واحدة تفصل بينهما، لكنها أثقل من أميال من التردد والخوف.
أصابعها ترتجف للحظة، ثم تمتد، تلامس يده، كأنها تختبر الحقيقة بملمسها.
رمزي لا يتحرك، فقط يترك يده في يدها، يمنحها الخيار أن تقود هذه المرة.
الزمن يتوقف، والعالم خارج هذه الغرفة يتلاشى، ولا يبقى سوى رجل وامرأة، وقلبين يحاولان فهم إيقاعهما المشترك.
العناق يأتي ببطء، ليس بشهوة عابرة، بل بحاجة عميقة لأن يكونا معًا.
الليل يحتضنهما، والستائر تتحرك مع نسمات خفيفة، وكأنها شاهدة على بداية جديدة.
الصباح يأتي، والشمس تتسلل عبر النوافذ، تراقب وجهين ناما على إيقاع المشاعر الصادقة.
فاتن تستيقظ أولًا، تتأمل ملامحه، تراقب كيف يرتسم الهدوء على قسماته، كأنما أحلامه كانت مطمئنة.
تنهض بهدوء، تقترب من المرآة، تتأمل صورتها، تبحث في انعكاسها عن امرأة تعرفها لكنها تبدو جديدة تمامًا.
أصوات المدينة تتسلل عبر النوافذ، تعيدها إلى الواقع، إلى الحياة التي تنتظر خارج هذا الملاذ المؤقت.
رمزي يستيقظ، يبتسم، وكأنما يقرّ بأن هذا الصباح أجمل من سابقيه.
"هل نعود إلى بيروت اليوم؟" يسأل، وهو يدرك أن الجواب ليس بسيطًا.
"نعم"، تجيب، لكن داخلها تعرف أن شيئًا قد تغير، وأن العودة لن تكون كما كانت الرحلة الأولى.
الطريق مجددًا، لكن هذه المرة، المسافة بينهما أقل، والصمت ليس عبئًا بل راحة.
بيروت تظهر في الأفق، لكنها لا تشبه بيروت التي غادراها قبل يومين، كأن المدينة تغيرت لأنهما تغيرا.
الشوارع تمتلئ بالحياة، السيارات تتدفق، العالم يستمر، لكن داخل سيارتهما، الزمن يتحرك بإيقاع مختلف.
"إلى أين الآن؟" تسأل، ونظرتها تحمل ألف معنى.
"إلى حيث لا نحتاج للعودة بعد الآن"، يجيب، ويده تمسك يدها، هذه المرة دون تردد.
القرار يُحسم بلا كلمات، فقط بنظرات تدرك أن الحب حين يعود لا يترك مجالًا للهروب.
المساء يأتي، والأضواء تملأ المدينة، لكنهما لا يبحثان عنها، لأن النور الآن ينبعث من داخلهما.
العشاء في مطعم صغير، الأيدي لا تفترق، والكلمات تتدفق، وكأنما لكل منهما عمرٌ كامل ليرويه.
القلوب تنفتح، لا أسرار بعد اليوم، لا خوف من الماضي، فقط هذا الحاضر الذي يشبه الحلم.
"أتؤمن بالقدر؟" تسأله، وهي تميل نحوه قليلًا.
"أؤمن بأن بعض القلوب تجد طريقها مهما تاهت"، يجيب، وعيناه تغرقان في عينيها.
كوب القهوة في يده، لكن مذاق الحب هو ما يملأ حواسه.
في الخارج، المطر يبدأ بالسقوط، لكنه هذه المرة لا يحمل حزناً، بل يغسل ما تبقى من خوف.
يخرجان إلى الشارع، لا يحتميان من المطر، بل يمشيان تحته، كأنهما يحتفلان بعودة الروح.
الطريق يبدو طويلاً، لكنه لا يرهب أحدًا منهما، لأنهما يعرفان أن كل خطوة تقربهما أكثر.
"أحبك"، يقولها أخيرًا، بلا تردد، بلا حسابات، فقط لأنها الحقيقة الوحيدة التي يعرفها الآن.
"وأنا أيضًا"، تعترف، ولا حاجة للمزيد، لأن الكلمات تصل حيث تعجز كل اللغات.
بيروت تحتضنهما، لكنهما لا يعودان مجرد مسافرين فيها، بل عاشقين يجدان فيها موطنًا جديدًا.
الفندق يستقبلهما، لكنهما لا يطرقان الأبواب القديمة، بل يبحثان عن بداية بلا ظلال.
النافذة مفتوحة، النسيم يحمل عطر المدينة، وقلوبهما تنبض بإيقاع مشترك.
لا وعود زائفة، لا خطط مؤجلة، فقط هذا الحب الذي اختار أن يولد من جديد.
الليل يحتضنهما، لكنه ليس نهاية، بل فصل آخر في قصة مستمرة.
"ماذا بعد؟" تسأل، وهي تستلقي على كتفه.
"كل شيء"، يجيب، وعيناه تحملان يقينًا لم يعرفه من قبل.
المدينة تنام، لكن حبهما يصحو، يعلن نفسه بلا خوف.
ورجل وامرأة يبدآن من جديد.