شحادة نايفة
البروفسور شحادة نايفة
إلى جانب التنشئة العائلية المنفتحة على القيم الإنسانية، تفتحت براعم ثقافته،أولا في أحضان الجامعة الأميركية في بيروت، و بعدها في ثلاثة من الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة الاميركية، جامعة نورث كارولينا، هارفرد، و بنسلفانيا.
هذا التدرج الثقافي أثر على منطقه وأسلوبه وقناعاته وكوّن منه شخصًا قادرًا على الإمساك بمختلف التناقضات والانطلاق من تعقيدات المجتمع نحو حالة من النهوض الدائم والتغيّر الداخلي الإيجابي والعبور التدريجي من مرحلة إلى أخرى.
في ولاية كارولاينا، وبعد تحصيله الأكاديمي، دخل التعليم الجامعي الى ما يقارب الربع قرن، متبوّأ أعلى المواقع الأكاديمية، و عمل كخبير في الابحاث العلمية في وزارة الصحة الأميركية لعدة سنوات.
عبر تلك المواقع، عايش المرحلة الذهبية من ثورة العلوم والتكنولوجيا متبحّرًا في مختلف قطاعاتها، مواكبًا روح العصر وتحولاته عبر رصد كل جديد يشهده العالم وهو في قلب تحولاته حيث أن الولايات المتحدة الأميركية في تلك المرحلة بدأت تتربع عرش الأسرة الدولية، دولة عظمى رائدة ومتفوقة في كل المجالات.
لم تقتصر مسيرته العلمية على التعليم بل تعدته إلى التأليف والبحث والإجتهاد وتزويد المكتبة العالمية بباقة ضخمة من المؤلفات والدراسات والأبحاث والمحاضرات وكلها تنوع في المواضيع وتشعّب في الأطروحات حتى بدت في مجموعها موسوعة بكل ما للكمة من معنى وقيمة.
ثم كان خيار العودة إلى لبنان يوم استدعي في السنة 1989 للمساعدة في تدريس طلاب ألطب في صرح الجامعة الأميركية.
من هذا المنطلق، استدعي إلى لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر 1992، وعُيّن عميدا أكاديميا(Provost) للفرع الجامعي الجديد للجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU) في جبيل. وفي السنة 1995، أبصرت على يديه النور أول كلية للصيدلة العيادية(Clinical Pharmacy) وأشرف على إعطاء الدكتوراه فيها، قبل أن يضمّها إلى عضوية الرابطة الأميركية لكليات الصيدلة في العالم. وفي السنة 2002، حازت امتيازًا خاصًا حين اعتمدت الكلية الأولى خارج الولايات المتحدة التي تحظى برعاية المجلس الأعلى للدراسات الصيدلانية ACPE.
التقت أفكاره مع جهود هذه المؤسسات التربوية الجامعية، ليس فقط من ناحية تطوير المسار العلمي، ومواكبة العصر وتقنياته وتطوره وفق أحدث المفاهيم والمعايير والإكتشافات، بل تخطى ذلك إلى معالجة جراح الشباب اللبناني وتحريرهم من كابوس الضياع والانهزامية والإحباط، بحيث أن الخطوات التي رعاها في الجامعة الحديثة، أنقذت مستقبل هذه الأجيال الشابة ووجهتها نحو كل ما يحمل إليها الخير والاستقرار والراحة.
إعتبارًا من يونيو 2002، صار بإمكان خريجي كلية الصيدلة في LAU الإلتحاق بامتحان ترخيص الصيدلة وممارسة هذه المهنة في جميع الولايات الأمريكية الخمسين.
بين الأول من أكتوبر 2004 والثلاثين من سبتمبر 2007، تولى موقع نائب رئيس جامعة LIU ونائب المدير التنفيذي. وفي 2009 و2010، عُيّن نائب رئيس الشؤون الأكاديمية في الجامعة الأمريكية للتكنولوجيا AUT.
إلى جانب تألقه بالقطاع الأكاديمي، تعاطى في الصيدلة بروح إنسانية، واهتم بإعداد صيادلة المستقبَل فأودعهم العِلم، ومِشعل الرسالةِ. وكان همّه تنميةَ معارفِ طلاّبِه وطاقاتِهم وشخصيّتِهم، ولم يتردد في إعطائهم ما حصّله من علوم وما اكتنزه من خبرات.
إلمامه في حقل الصيدلة جعل منها أحد أعمدة النهوض بهذا القطاع ورفع مستواه في لبنان عموما. وبفضل جهوده، صارت أحدث الإكتشافات العلمية والتطورات التي يشهدها العالم، بمتناول اللبنانيين.
لقد عاش علوم الصيدلة رسالةً وأعطاها بُعدًا وطنيًا ومنحها واقعًا نهضويًا ورسّخها قطاعًا إنسانيًا وشعبيًا.
إلى عضويته في المجلس الاستشاري لوزارة التعليم العالي اللبناني من 1994-2004، تخطت شهرته حدود الوطن اللبناني وتمددت على مساحة الكرة الأرضية، لا سيما على امتداد الانتشار اللبناني في العالم. وقد تحوّل بعامل مصداقيته وشفافيته وأسلوبه الخاص إلى نصير للحق والسلام ورقي لبنان وعصرنته وجمع جناحيه المقيم والمغترب.
كذلك سجّل حضورًا إقليميًا، حيث ترأس اتحاد كليات الصيدلة في العالم العربي في الفترة من 1999 إلى 2000، و ساهم في تأسيس ألجامعة الأميركية في الكويت.
اقترن اسمه ببرامج أكاديمية إصلاحية حديثة عدّة. له بصمات بارزة في تطوير منهجية تدريس الصيدلة والبيولوجيا في الجامعات اللبنانية، لا بل استوحت من أساليبه بعض الجامعات العربية والأجنبية.
هذه الرؤية التي تعكس قناعة لديه بأن موقع لبنان وخصوصية مناخه وغنى طبيعته وخبرته في حقل الاستشفاء ونوعية الخدمة فيه وحجم الكوادر الطبية والاستشفائية التي يمتلكها، إن في الداخل أو على مستوى الاغتراب، كلّها عوامل فريدة، تسمح بأن يتحول هذا الوطن الصغير إلى عاصمة العرب في الخدمة الاستشافئية وقلب العالم العربي الصحي ومستشفى الشرق الأوسط، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
أكاديميًا أوكلت إليه مهمات عدّة، وفي حقل الجمعيات، برز من خلال عضويته في العديد منها المحلية والدولية. أدخل إلى الجامعات برامج تواكب العصر وعلومه. وكتاباته تسابقت على نشرها المجلاّت العالمية المتخصصة.
أشرف على تنظيم مؤتمرات علمية متعدّدة، وقد حاضر في العديد من المؤتمرات المحلية والإقليمية والعالمية.
يمتلك دينامية في التبحر في علمي الصيدلة والتغذية ألوقائية(Preventive Nutrition) تخطت إطاره البحثي والثقافي والدراسي لتجعل منه موسوعة تمتلك مفاتيح هذا القطاع المُعقّد والمتشعّب والدقيق.
ثقافته شاملة، مقرونة بخبرة أكاديمية وبحثية ورقابية ونقابية ومهنية.
لقد حقق البروفسور شحادة نايفه في مسيرته، نجاحات باهرة فرفع بذلك اسم لبنان عاليًا في زمن الحرب الهادرة ومرحلة الانحدار العصيبة.
(إعداد: أنطوان فضّول)