إيلي مبارك مبارك

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحية شكر وتقدير إلى الدكتور إيلي مبارك مبارك
طبيب، أخصائي في الطب الداخلي والطب الملطّف، وأخصائي في أمراض الكلية والضغط الدموي.
رئيس الجمعية اللبنانية للطب الداخلي، مؤسس ورئيس الجمعية اللبنانية للعناية الملطّفة ALSP-St.Benoit.
إلى جانب تنشئة عائلية متأصلة، ومن بلدة رشميّا التي أعطت لبنان رجالات في السياسة والدين والمجتمع، أتت ثقافته المنفتحة على القيم الإنسانية لتتفتح براعمها في أحضان المؤسسات التربوية والجامعية التي درس على مقاعدها حيث اختبر تحولاً ثقافيًا أثر على منطقه وأسلوبه وقناعاته وكوّن منه شخصًا قادرًا على الإمساك بمختلف التناقضات والانطلاق من تعقيدات المجتمع نحو حالة من النهوض الدائم والتغيّر الداخلي الإيجابي والعبور التدريجي من مرحلة إلى أخرى.
تَدَرُّجٌ في العلم، بدأه طالبًا متفوقًا، فطبيبًا رائدًا، أكسبه بعامل الزمن، ثقافة وخبرة واسعة الآفاق.
ساعده حضوره في الخارج على إستشراف نبض التحولات الدولية من جهة واستخلاص أسس نهضة الشعوب الحرة من جهة أخرى، فواجه التحديات وأضاف الى اختصاصاته دبلومات عدة ومن الدرجة الأولى في منتدى أعمال الطب للجمعيات العلمية الطلابية.
ولم يرتو من العلم إلا بعد حيازته الماجستير في إدارة المستشفيات والصحة والماجستير في تحليل المؤسسات الصحية وإدارتها والدبلوم الجامعي مع الماجستير في الطب الملطّف من جامعات باريس.
مع عودته إلى لبنان، حمل معه رؤية واقعية وطموحة وإرادة حية للعمل والتغيير والتطوير لاسيما في القطاع الإستشفائي.
كمدير طبي ورئيس قسم غسيل الكلى، يمارس اليوم مهنته في مستشفى الحايك ويعاين في مستشفى المشرق، وهو صاحبُ مدرسةٍ في فَنِّ التعاطي مع المرضى، وقد رأى فيه حقًّا للمريضِ على طبيبِهِ، بل جُزءًا مُكمِّلاً للعلاج، ومقوِّمًا من مقوِّماتِهِ الأساسيّة. فالمريضُ عندَهُ، ليسَ رَقمًا أو زَبونًا، بل هو إنسانٌ يتألَّم. وتَشعُرُ وأنتَ في عيادَته، أو بين يَدَيْهِ، بأنَّكَ لستَ أمامَ طبيب بارعٍ فَحسْب، بل في حضرَةِ إنسانٍ كبير.
أفكاره تعكس مدى عمقها وغناها وقد تجلّى ذلك بنوع خاص في الدور الكبير الذي قام به في إطار عضويته في نقابة الأطباء، وفي مختلف الجمعيات العلمية، حيث تخطّت شهرته الحدود اللبنانية لتلامس الآفاق العالمية.
لم يصرِفْهُ انشغالُه بمهامِّهِ اليومية، ونَشاطُه الطبّيُّ الكثيف، عن اهتمامِه المتواصِلِ بالبَحثِ العِلميّ.
فضلاً عَن محاضراتِه، ومداخلاتِهِ في الندوات، له أبحاث ومنشورات متعددة، ومشاركات نيّرة في مؤتمرات محلية وإقليمية ودولية عديدة وهو عضو فعال في جمعيات طبية عدّة ولجان علمية أوروبية وعالمية.
إستعانته بالمنطق تجلت بوضوح في كل طروحاته، وجاءت أفكاره المتسلسلة والمترابطة لتتملك الموضوع الذي يعالجه بكليته.
في استعراض للمدن التي زارها والدول الأجنبية التي استضافته محاضرًا أو متكلمًا، تتضح صورة العالِم المتجرد الذي عَبَر بأفكاره الآفاق واقتحم الحدود على أنواعها.
محاضر غزير الأفكار، عميق التحليل، واقعي الرؤية.
إمتلك رؤية واقعية لا سيما في القطاع الإستشفائي الذي تخصص فيه والقطاع الاجتماعي الذي استحوذ اهتمامه.
لقد بقي الدكتور إيلي مبارك، طوال عقدين من الزمن على تواصل مستمر مع كل ما له صلة بالطب، بدءًا بالجامعات، مرورًا بالمختبرات ووكالات الأبحاث والشركات والنقابات والجمعيات الطبية المحلية والإقليمية والدولية. وما جعله مميزًا ورائدًا، هو إدارته للمركز الوطني لتنقية الدم من الكولسترول، وهو الوحيد والفريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وذلك منذ اكثر من سبعة عشر عاما وهو العلاج الفعال لتحسين نوعية الحياة للمرضى المصابين بارتفاع وراثي في نسبة كولسترول الدم والذي لا بديل عنه.
زار أوروبا وأميركا مرات عدّة، يبحث عن جديد اختصاصه ويطّلع على أحدث ما أنجزه العلماء فيه، فيواكب العصر من نافذة التطور والتجديد، وينقل عصارة مشاهداته إلى لبنان، يسهم بذلك في تحديث قطاع الطبابة عمومًا والطب الداخلي والطب الملطف خصوصًا.
إن الدكتور إيلي مبارك من طينةِ الأطبّاءِ الذين مارسوا الطِبَّ في بُعدَيه المتكامِلَين، بُعدِهِ التِقْنيِّ كمهنة، وبُعدِه الإنسانيِّ كرسالة، وكان مُجَلّيًا على هذَين المستويَين.
لم يفكر يومًا في الإنتساب إلى أي من الأحزاب اللبنانية لكنه حمل منذ فتوته هموم المجتمع اللبناني وبحث عن حلول عملية لمشاكله لاسيما في بعدها الصحي والاجتماعي. من هنا ولدت فكرة تأسيس الجمعية اللبنانية للعناية الملطفة التي نجح في إطلاقها وفي ترؤسها بغية تخفيف آلام ومعاناة المريض وذويه ومرافقتهم طبيًا، ونفسيا، واجتماعيا وروحيا في المراحل المتقدمة من المرض حيث الأمل بالشفاء لم يعد موجودا.
عُرف بنشاطه الإجتماعي، وهو الطبيب المتمرّس الذي حمل إلى لبنان روح العصر وساهم في تطوير الخدمة الطبية والإستشفائية.
من خلال الحضور الدولي والرسالة الطبية والخدمة الإنسانية، أثرى مجتمعنا بعطائاته وساهم في النهوض بواقعنا الوطني، وجمع في شخصيته الرائدة الطبيب البارز والحكيم الأصيل والمفكر الرائي، والناشط الإنساني صاحب اليد البيضاء والوجه البشوش.
وما طبع مسيرته بشكل خاص التصاقه بقضايا الناس ومشاكلهم. فهو طبيب متفان، دافعه إنساني بالدرجة الأولى... لم تؤثر الحرب على معنوياته ولم تحبط عزيمته بل وقف يدعم أكثر من نشاط يتجه في سبيل خدمة المجتمع ونهضته من كبوته.
تخطى نشاطه كل الحواجز النفسية والاجتماعية وتعاطى مع الإنسان بتجرّد نابع من حس بالمسؤولية. لم يقف عند حدود المذاهب والمناطق والاتجاهات الفكرية أو السياسية أو العقائدية، بل تخطّى جغرافيا الجمهورية اللبنانية وعمّم نشاطه على طول مساحة العالم العربي والأسرة الدولية.
والى جانب كل ذلك فقد أسس مع شريكة حياته المحامية ريما المر عائلة مسيحية ملتزمة تكونت من ثلاثة شبان ( بينيتو وبيتر وجوني) كان لهم الدور الأساسي في هذه المسيرة الشاقة التي التزم بها وكرّس ذاته من أجلها.
من عُمْقِ تَوَجُّهه، نستشف نظرة سامية يضع الإنسان في محورها، تجعل منه كائنًا يستحق كل اهتمام.
أسهم الدكتور إيلي مبارك في تطوير الخدمة الاستشفائية بما يتناسب وموقع لبنان داخل العالم العربي ودوره الريادي.
سعة اطلاعه وخبرته في القضايا الصحية وثقافته المنفتحة، جعلت منه أحد أعمدة النهضة الإستشفائية في لبنان، وهو اليوم مرجع يُعتمد، يساهم في نهضة قطاع الإستشفاء والطبابة، مسجلاً خطوة إضافية على طريق إحياء السياحة الإستشفائية وتحويل لبنان إلى مستشفى الشرق الاوسط.
(إعداد: أنطوان فضّول)