ماري دومينيك فرحات

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى د. ماري دومينيك عوّاد فرحات
ماري دومينيك عوّاد فرحات، إبنة الميدان في قضاء جزين. والميدان – ميدانو – تعني أقبية الخمر عند الفينيقيين. هي قرية البطريرك سمعان عواد الذي شيّد في أعاليها دير مشموشه بعد أن أتاها مع أمه وإخوته وعدد من أهالي حصرون في جبّة بشري.
وقرية الميدان بجمالها الخلاّق، بواديها وتلالها وكرومها أوحت شعرًا لماري دومينيك، وقد أبصرت النور فيها في العام 1955، في بيئة ظللتها المحبة وهناءة العيش، وفرادة الطبيعة.
نشأت ماري دومينيك دومينيك في رعاية والدها الصحافي يوسف عواد ووالدتها الفنانة التشكيلية، والمساعدة الإجتماعية، الإيطالية الأصل والمولودة في الإسكندرية، لودي بطايني.
سحرتها ريشة والدتها فتعلمت منها الرسم، كما ورثت منها الصوت الجميل، فأرادت أن تكرسه لتسبيح الخالق والترنيم، قبل أن تجيد الغناء والتلحين.
أسرتها كبيرة نسبيًا، سبعة، جمعتهم سبحة العائلة. فنشأوا سويًا متحدين. وكانت ماري دومينيك تعتني بنوع خاص بإخوتها الصغار عناية الأخت الكبرى.
ترعرعت في كنف عائلة تقدّس العلم والفكر والثقافة والفن، فتأثرت هواياتها بهذا الواقع، وإذا بها تتبحّر في المطالعة، وتتمرّس على الرسم.
تأثّرت شخصيتها عميقًا بتربية والديها، فكانت راسخة الإيمان بالله، شديدة التقوى، دائمة التفاؤل، حيوية الحركة.
متأهلة من القاضي روبير فرحات المرجع في القانون. خدم الحق والحقيقة طيلة نصف قرن، متخطيًا بجرأة وثبات، مختلف القيود التي حاولت أن تكبّل مؤسسات الدولة، بما فيها السلطة القضائية. بصماته شديدة البروز في سجل القضاء، وصدى أحكامه يعكس اعتداله وإنصافه ونزاهته المترفّعة ووطنيته المتجردة. هو قاضٍ لبناني جريء شرّف السلطة القضائية بتاريخه العريق.
أثمر زواجهما أسرة متماسكة مؤمنة تحتضن ثمانية أولاد وثلاثة عشر حفيدًا.
منذ فتوتها، تفتحت براعم الروحانية المسيحية في أعماقها وجذبتها القيم الأخلاقية التي يفيض بها الوحي الإنجيلي. وجدت في سرّ القيامة جوابًا لمعضلة الألم وترجمة موضوعية وطبيعية لفيض المحبة الإلهية عبر البنوّة الإنسانية. هذا الاكتشاف اللاهوتي سرعان ما طبع حياتها.
تخصصت في الفن التشكيلي وفي ترميم اللوحات القديمة. وتوّجت مسيرتها الجامعية بدبلوم في العلوم الدينية المسيحية والإسلامية والبوذية والهندوسية.
تنشط في عدد من الجمعيات البيئية والاجتماعية والإنسانية. فإلى عضويتها في حركة لبنان الشباب، وفي الحركة البيئية اللبنانية حيث عُرفت كأبرز رموز النشطاء البيئيين في لبنان، عملت على تأسيس الحركة العالمية للامهات في لبنان والتي تضم أربعًا وخمسين دولة ولها صفة استشارية في الأمم المتحدة.
ماري دومينيك فرحات ليست مجرد ناشطة إنسانية تعاطفت مع قضايا المجتمع ومشاكله، بل هي قيادية ملهمة، كرّست ذاتها وإمكاناتها من أجل الخدمة العامة والمصلحة الجماعية.
تأثّرت بشكل لافت بالحرب وتداعياتها، لاسيما وأنها هددت القيم الوطنية برمتها.
هذا الواقع دفعها للتحرك على أكثر من صعيد.
عملت بداية في سبيل ترسيخ الروح الإنسانية في المجتمع اللبناني إنطلاقًا من حضورها المعطاء في أخويات المتن الاعلى، وجمعية مار منصور، وحركة الفوكولاري، فساهمت في نشر حضارة المحبة وروحية السلام والأخوة على مختلف ربوع الوطن الجريح، وفي مكافحة ظاهرة الفقر المتفشي داخل البيئة الاجتماعية اللبنانية، حيث الحرمان بات تقليدًا كرّسته الحكومات اللبنانية في نهجها وآدائها.
كذلك، لها اليد الطولى في تنظيم العديد من المهرجانات السنوية التي أحيتها بلدة حمانا: مهرجان لقاء الاجيال، تكريم الكبار، اليوبيل الذهبي للمتزوجين، مهرجان الموسيقى، مهرجان تكريم المرأة الريفية (الاونسكو) في بيروت.
وماري دومينيك فرحات فنانة تشكيلية مرهفة.
كراهبة في هيكل، تختلي في محترفها، تسترسل في تأملاتها، تتحاور مع أدوات الرسم، تترجم بنات أفكارها، لا تتعب من عملها وعملها لا يمل منها.
لكل لوحة شخصية مستقلة، حتى اللون الواحد يبدو مختلفًا في كل لوحة، اذ يعكس حالة نفسية ووجدانية معينة أرادت الفنانة تشكيلها.
الحنين البارز في لوحاتها نابع من منظومة لونية أرادت أن تسجّل إيقاعها الموسيقي والفيزيائي وتحفظه في المرئيات. هذا المنظر نجحت في إحاطته بهالة من صفاء وعذرية تعزز نبرة الشعر الوجداني وتعيد نسج خلايا الحلم الدافئ الذي طردته كوابيس الواقع.
رسالتها كفنانة أن تشيع خيوط الجمال التشكيلي، وأن تشارك الناس عالمهم الخاص وتحاكي بافكارها قلوبهم وأبصارهم.
عرضت في البريستول بين العامين 2001 و2004. كما نظّمت في السنة 2014، في مونتريال – كندا معرضًا لها بعنوان "يا لبنان ملاذ السلام وبلد القديسين، اني اتذكر!!".
وماري دومينيك فرحات وجه إعلامي متألق. في أرشيفها مجموعة من البرامج التلفزيونية المتخصصة، نذكر منها:
برنامج كرامة المرأة صباحي مباشر على تلفزيون تيلي لوميار نورسات 2008.
برنامج ازرع السلام على تلفزيون نور الشرق 2015 .
برنامج أزهار الافكار على قناة مريم 2015، 2016.
برنامج أطروحتي على قناة مريم
برنامج الملف الاخضر على قناة GNN الإخبارية.
وثائقي بعنوان تاريخ الشرق المسيحي خاص تلفزيون نور الشرق2017
برنامج المرأة والشأن العام على تلفزيون مريم 2015.
كتبت ولحّنت نشيدي تلفزيون نور الشرق وقناة مريم من فضائيات نورسات.
كذلك وضعت كلمات "نشيد الامهات" وأغنية "أبي"، وأغنية "أمي"، ولحّنها المايسترو توفيق سكر، الذي نظّم لها أيضًا مجموعة من عشرين أغنية فولكلورية لبنانية، أنشد بعضُها في مئوية جبران خليل وجبران.
أتت أغنياتها مسكوبة في ألحان دافئة ومكسوّة بكلمات سهلة وأفكار تنبع من عمق أحاسيس الإنسان.
كلماتها استمدّت من عالم الروح واللاهوت المسيحي معانيها وانبثقت من ثقافة الحضارة اللبنانية المشبعة بالغنى الفكري والإنساني، والفولكلور الوطني المكلل بالبساطة والعنفوان.
تميّزت أيضًا كونها كاتبة مطالعات ادبية وشعرية ومقالات اجتماعية في الاعلام المرئي والمقروء. إقترن اسمها بالأدب الرصين، والفكر المتوكئ على ثقافة منهجية، وعلى موهبة نقدية تؤمن بأن النقد إبداع في الإبداع، كل ذلك بروح مثالية متمردة على كل زيف، معطوفة على خبرة طويلة في الإعلام.
تفتحت لديها منذ فتوتها براعم أديبة، عبق أريجها الرائد في عالم الفكر اللبناني المعاصر، فإذا بها رمز من رموز الرومنسية والتجديد الفرنكوفوني ذي الخصوصية اللبنانية.
(إعداد: أنطوان فضّول)