تَخَرّجٌ برتبة حبيب
دراما من تأليف واخراج أنطوان فضول
(شاب يقع في حب ابنة المرأة التي كان على علاقة بها.)
يهبط الليل على المدينة، والأضواء تنعكس فوق زجاج النوافذ، كأنها تراقب العائدين من رحلات طويلة. في المطار، يقف سامر، شاب في مقتبل العمر، يحمل في عينيه قلق الأسئلة التي لم تجد إجاباتها بعد.
يمضي بخطوات مترددة بين المسافرين، كأن الأرض لم تعد تعرفه، أو كأنه تائه وسط عالم لم يعد يشبهه. الهواء يعبق برائحة العطر والذكريات، لكنه لا يستنشق سوى ثقل المسؤولية التي تنتظره خلف أبواب المنزل.
أصوات التهاني تتدفق نحوه حين يصل، عائلته وأصدقاؤه يحيطون به، كأنهم يحتفلون بإنجازه أكثر مما يفعله هو. الابتسامات تحيط به، لكنه يختنق وسطها، كأنها جدران تحاصره بدل أن تمنحه الأمان.
والداه يتحدثان عن مستقبله، عن الفرص التي تنتظره، عن الأبواب التي تفتح أمامه، لكنه لا يرى سوى دروب مسدودة، وسؤال يلحّ عليه: إلى أين يمضي من هنا؟
الموسيقى تملأ الغرفة، والضيوف يتبادلون الأحاديث، لكنه يشعر بالغربة وسط وجوه يعرفها جيدًا. عيناه تبحثان عن مهرب، حتى تلتقيان بعينين تراقبانه من بعيد، عينين تحملان وعدًا بشيء لا يعرفه بعد.
السيدة عبير تقترب، خطواتها واثقة، وحديثها يحمل نبرة من الجرأة التي لا يعهدها في نساء جيلها. تتحدث معه بنبرة هادئة، لكنها تزرع في داخله توترًا لا يفهمه تمامًا.
تمسك بذراعه بخفة، تدعوه إلى إيصالها إلى المنزل، وصوتها لا يحتمل الرفض. يوافق، كأن لا خيار آخر لديه، وكأن القدر ينسج له مسارًا لم يكن يتخيله.
داخل السيارة، تملأ الصمت بأسئلة غير مباشرة، تقرأ ارتباكه كصفحات كتاب مفتوح، وتبتسم كلما زاد تلعثمه.
المنزل يبتلع صوتهما حين يدلفان إليه، والهواء يصبح أكثر ثقلًا. تحركاتها هادئة، لكن عينيها تقولان ما لا تقوله الكلمات.
تخلع معطفها ببطء، تقترب منه، تقف عند حدود المسافة المسموح بها، لكنها لا تتراجع. تسأله إن كان يشعر بالراحة، لكنه لا يعرف كيف يجيب.
الصمت يطول، والمشهد يتغير. فجأة، كل ما تعلمه عن الصواب والخطأ يتلاشى، ولا يبقى أمامه سوى اللحظة بكل ما تحمله من إغراء.
حيرة تتملكه، لكنه لا ينسحب. شيء ما في داخلها يدعوه إلى البقاء، وشيء آخر في داخله يمنعه من الفرار.
يدها تمتد، تلامس يده، وكأنها تختبر تردده، لكنه لا يسحبها. أنفاسه تتسارع، لكنه لا يتحرك.
تقترب أكثر، تميل نحوه، همسة منها تكفي لتجعل جسده يتجمد في مكانه، لكنه لا يبتعد.
الباب يُفتح فجأة، وصوت زوجها يملأ المكان، فيرتدّ إلى الوراء كأنما استيقظ من حلم لم يكتمل.
ينسحب متلعثمًا، يغادر المنزل، لكن داخله يعرف أنه لن يستطيع التراجع بعد الآن.
الليل يرافقه في طريق العودة، وأفكاره تتلاطم كأمواج بحر هائج. ما الذي يحدث؟ ولماذا يشعر بانجذاب لا يستطيع تفسيره؟
يحاول أن ينام، لكن صورتها لا تفارق ذهنه. يتقلب في سريره، يفكر فيما لم يقله، فيما لم يفعله، فيما قد يحدث لو استسلم.
الهاتف يرن، وصوتها يأتيه هادئًا، وكأنها تعرف جيدًا أنه لن يرفض دعوتها للقاء.
يجلس في البار، ينتظر، وكأن اللحظة تحمل معها كل الأسئلة التي لم يجد لها إجابة بعد.
السيدة عبير تدخل، تبتسم، وكأنها واثقة من كل شيء، بينما هو لا يزال يبحث عن شيء ليتشبث به.
الموعد الأول يجرّ الآخر، واللقاءات تصبح عالماً سرياً يجمعهما، بعيداً عن العيون والأسئلة والأحكام.
المشاعر تتعقد، لكنهما لا يتراجعان. كل لقاء يحطم مزيداً من الحواجز، وكل لحظة تقرّبهما أكثر مما ينبغي.
العلاقة تتحول إلى دوامة، تجرفه بعيدًا عن واقعه، لكنه لا يريد الخروج منها.
ثم يأتي اليوم الذي ينقلب فيه كل شيء. حين يتعرف إلى إيلين، ابنة السيدة عبير، يكتشف أن للحياة مفاجآت لا يمكنه توقعها.
إيلين مختلفة، نقية، مشرقة، تحمل براءة تجعله يرى العالم بعيون جديدة.
يجد نفسه ينجذب إليها، ليس بنفس الطريقة التي جذبته بها والدتها، بل بانجذاب أكثر صدقًا، أكثر عمقًا.
السيدة عبير تدرك ما يحدث، وتدرك أن اللعبة خرجت عن سيطرتها.
تحذره، تهدده، لكنه لا يستطيع التوقف. الحب يتسلل إلى قلبه، رغمًا عنه.
إيلين تبدأ بالشك، تحاول فهم ما يخفيه، لكنه يهرب من الإجابة.
حين تكتشف الحقيقة، تنهار. كيف لمن وثقت به أن يكون جزءًا من خيانة لم تكن تتخيلها؟
تحاول الابتعاد، لكنه لا يستسلم. يحاول إقناعها بأن الحب بينهما حقيقي، رغم كل شيء.
لكن العالم لا يمنحهما فرصة. العائلة تتدخل، والدها يقرر إبعادها عنه بأي ثمن.
إيلين تسافر، وهو يشعر بأنه فقد كل شيء، لكن الحب لا يعرف الاستسلام.
يسافر خلفها، يبحث عنها، يقف أمام الكنيسة حيث تستعد للزواج من رجل آخر.
يدخل، يصرخ باسمها، يواجه الجميع بعشق لا يخشى الفضيحة.
إيلين تتردد، تنظر إلى والدتها، ثم إلى العريس، ثم إليه. القرار يشتعل في عينيها.
تركض نحوه، يدها تمسك بيده، يخرجان معًا، يهربان من كل شيء.
يصعدان إلى الحافلة، يجلسان في الخلف، يلهثان من الركض، يبتسمان رغم الفوضى من حولهما.
لكن حين يهدأ كل شيء، حين تنتهي النشوة الأولى للهروب، يعبران بنظراتهما عن سؤال جديد: ماذا الآن؟
الصمت يلفهما، والمدينة تواصل سيرها خارج النافذة، لكن داخل الحافلة، بداية جديدة تنتظر أن تُكتب.