السيّد المسيح ولبنان

يذكر التقليد المتوارث، مُؤَيَّدًا من نصوص الإنجيل، أن المسيح توطّن لبنان القديم، وأقام فيه، وكان يلجأ مع أمه مريم ومربيه يوسف بداية، ووحيدًا حينما كَبُرَ، وذلك كلما شعروا بالخطر الهيرودوسي. هذا الإنتقال من الجليل الأسفل الخاضع لحكم هيرودوس إلى الجليل الأعلى في لبنان، الخاضع لحكم شقيقه المسالم فيليبوس، كان انتقالاً طبيعيًا لا سيما وأن خالة المسيح وولديها بطرس وإندراوس كانوا يسكنون في بيت صيدا. كما أن للمسيح أقارب في عدد من القرى والنواحي الفينيقية ككورزين وقانا وسواهما.
عندما كَبُرَ المسيح صارت بلادنا محطة ثابتة في حياته يتنقّل بين قراها، لا سيما في بلاد صور وصيدون ويشفي المرضى والمعوّقين وأصحاب العاهات والأمراض (لوقا 6:17 – 19) وكان يعظ بحرية ويعلم وينشر رسالته وفيها اختار رسله وتلاميذه.

قانا والسيد المسيح
تقع قانا الجليل اللبنانية على بعد 12 كلم جنوب شرق صور.
هي تمتلك شخصية تاريخية وهوية مسيحية أصيلة، إذ جرت فيها أولى معجزات السيد المسيح، حين حوّل الماء إلى خمر تلبية لطلب أمّه مريم، وتحققت فيها أولى خطوات الإيمان المسيحي، حيث يُذكر للمرة الأولى عن تلاميذه إيمانُهم به.
من أهم المراجع والأصول التاريخية التي تؤكّد حقيقة قانا الجليل وارتباطها بمعجزة المسيح الأولى، ما ذكره كل من "أوزيب القيصري" و"القديس جيروم".
إن قانا الجليل هي وحدها البلدة التي تحمل الإسم الكامل كما ورد في إنجيل يوحنا في الآية الأولى من الفصل الثاني.
ويعود اسمها المركب قانا الجليل إلى وجود ولي كان يعرف بالنبي الجليل وهو يعود إلى أزمنة تسبق المسيحية كما أن له مقامين مقدّسين في الجنوب اللبناني أحدهما قرب قانا فوق مرتفع البلدة، والثاني في بلدة "الشرقية".
من التقاليد المتوارثة في قانا الجنوبية، وجود ثلاث أشجار، يُعتقد أنّها ما تبقى من أشجار الميس التي نبتت حيث مرّ يسوع مع أمّه وتلاميذه، والجنوبيون لا يزالون كأجدادهم، يتبركون بأوراقها ويتخذون منها دواء لشفاء مرضاهم.
على بعد أكثر من كيلومتر من مقام الجليل مغارة في البرية لها كرامة روحية، إذ عليها محفورات رمزية للمسيح هي منحوتات الخنْشا – وادي قانا، وهي تشكّل 3 مجموعات: الزياح المقدّس (فوق)، والمسيح ورسله (في الوسط)، وأم يسوع وطفلها وصحبهما (تحت).
على صخرها الحجري، قرب مغارة المسيح، "الدلافة" التي تنضح ماءً شافيًا، حيث تتكدس حبات الندى فيمسحها الزوار للتبريك ولمعالجة النساء اللواتي ينضب حليبهن.
تحولت هذه المغارة عبر الزمن محجة ومزارًا فيأمّها الناس يقدّمون لها النذور.
قرب مقام النبي الجليل اكتشفت مجموعة أجران حجرية وعددها ستة في ساحة الخمّار، يرجّح أنّها تلك التي استعملها يسوع في عرس قانا الجليل وحقق فيها أولى معجزاته.
حول بلدة قانا الجنوبية يقول البطريرك السابق مكسيموس الخامس حكيم:
"الإثباتات التي تعيّن موقع قانا الجليل في جنوب لبنان لا شكّ فيها، وهي لمؤرّخ الكنيسة أوزابيوس في القرن الثالث، والقديس جيروم "إيرونيموس" في القرن الرابع ودعمتها نصوص الأناجيل والآثار المحفورة على صخور "الخشنا" في جوار قانا الجليل للمسيحيين الأول.

عندما كَبُرَ المسيح صارت بلادنا محطة ثابتة في حياته يتنقّل بين قراها، لا سيما في بلاد صور وصيدون ويشفي المرضى والمعوّقين وأصحاب العاهات والأمراض (لوقا 6:17 – 19) وكان يعظ بحرية ويعلم وينشر رسالته وفيها اختار رسله وتلاميذه.
ورد في إنجيل لوقا: "ولما رجع الرسل أخبروه بجميع ما صنعوا فأخذهم وانصرف إلى موضع قفر على انفراد عند مدينة تدعى بيت صيدا" (لو 9:11)
فيسوع خلال تجواله في تخوم صور وصيدا كان يألف هذا الموقع مع تلامذته. والمرأة التي آمنت بيسوع، فشفى ابنتها في تخوم صور وصيدا كانت فينيقية أممية (مر 7: 24 – 26).
وفي حقبة الكنيسة الأولى، نقرأ في سفر أعمال الرسل عن هجرة مسيحية أولى إلى نواحي فينيقيا. ورد في الآية الإنجيلية: أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب اسطفانوس، قد اجتازوا إلى فينيقيا وقبرص وأنطاكيا" (أع 11:19)
كان يسوع يتردد إلى قانا الجليل لاسيما في المرحلة التي كان اليهود يطلبون قتله.
وكانت قانا الجليل اللبنانية مؤهلة لاستقباله. وهي التي شارك أهلها عرسهم المذكور في الإنجيل.
يشير يوحنا في إنجيله (2: 1- 2) في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. فدعي يسوع وتلاميذه إلى العرس.
وفي يوحنا 4: 46 – 53، شفى يسوع عندما كان في قانا، إبن الضابط الروماني المقيم في كفرناحوم: "فأتى أيضًا إلى قانا الجليل حيث صنع الماء خمرًا. وكان رئيس للملك ابنه مريض في كفرناحوم فسمع أن يسوع قد جاء من يهوذا إلى الجليل. فانطلق إليه وسأله أن ينزل ويبرئ ابنه لأنه كان قد قارب الموت. فقال له يسوع امض فإن ابنك حي. فآمن الرجل بالكلمة التي قالها يسوع له ومضى. وفيما هو منحدر إستقبله غلمانه قائلين إن ابنك حي. فاستخبرهم في أية ساعة أخذ في العافية؟ فقالوا له أمس في الساعة السابعة فارقته الحمى. فعرف الأب أنها الساعة التي قال له فيها يسوع إن ابنك حي. فآمن هو وأهل بيته جميعًا".
إن مدينة كفرناحوم تبعد عن قانا الجليل في جنوب لبنان ما يقارب 90 كيلمترًا، ما يفسر عدم وصول الضابط الروماني في اليوم ذاته للإطمئنان على صحة ابنه. مع أنه يمتطي حصانًا على الأرجح. ومع ذلك التقى به غلمانه على الطريق في اليوم الثاني.