خَلْطَةُ كوكتيل
دراما من تأليف واخراج أنطوان فضول
تندفع سيارة التاكسي عبر المسافات، تحمل على متنها أحلامًا ثقيلة وآمالًا لم تختبر الحياة بعد. في المقعد الخلفي، يجلس شاب يشع طموحًا، عيناه تلتمعان برغبة في اقتحام عالم المال والأعمال. يحدّق في الأفق من خلف نافذة صغيرة.
كأن دانيال يقرأ مستقبله عبر أمواج البحر.
تدخل السيارة شارع البترون الرئيس، وتبدأ الرحلة الحقيقية.
أقدام دانيال تخطو بثبات على أرض المدينة التي لا تنام، وعيناه تمسحان الشوارع الصاخبة، كأنه يحاول ابتلاع كل تفاصيلها دفعة واحدة. قلبه ينبض بحماسة، لكنه لا يدرك بعد أن القدر يخبئ له طريقًا مختلفًا تمامًا عما خطط له.
يطرق أبواب المؤسسات الكبرى، يحمل سيرته الذاتية بين يديه كمن يحمل مفتاح أحلامه، لكنه يواجه جدرانًا باردة من الرفض. الكلمات تتكرر على مسامعه: "نبحث عن خبرة"، وهو لا يملك سوى طموحه وعزيمته.
الإحباط يتسلل إلى روحه، لكنه لا يستسلم. يجوب الأزقة بحثًا عن أي فرصة عمل، حتى ينتهي به المطاف أمام حانة صغيرة، حيث يقف رجل طويل القامة، تبدو عليه الخبرة، يراقبه بعين فاحصة.
يطلب وظيفة، وأمام إصراره، يمنحه الرجل فرصة.
مروان، خبير في عالم الحانات، يقرر أن يعلمه فنون المهنة، ليس فقط كيفية مزج المشروبات، بل كيف يسحر الزبائن بابتسامته، وكيف يجعل كل زائر يشعر وكأنه في المكان المناسب.
تتحول الحانة إلى مدرسته الجديدة، والزجاجات والكوكتيلات إلى أدواته. بلمسات ماهرة، يتعلم كيف يحوّل الكحول إلى فن، وكيف يخلق أجواءً تسحر رواد المكان.
الليالي تمضي، وموهبته تزداد بريقًا. الزبائن يأتون للاستمتاع بمشروباته، لكنه يدرك أن النجاح لا يقتصر على المهارة فقط، بل على الحضور والثقة.
يعلّمه مروان كيف يكون كيف يتعامل مع الناس، وكيف يستفيد من كل فرصة.
في خضم هذه التجربة، يكتشف البارات ساحات للقصص، حيث تنكشف الأرواح، وحيث تتلاقى الأحلام المحطمة مع الآمال الجديدة.
الشهرة تلاحقه، والفرص تتسع أمامه. عروض العمل تتوالى، لكنه لا يزال يبحث عن شيء أعمق، عن معنى أبعد من الكؤوس الممتلئة والتصفيق الحار.
القدر يرسم له طريقًا آخر حين يلتقي بيارا، فتاة تحمل روحًا حرة وابتسامة تسرق الأضواء. عيناها تشعان بنقاء لا يشبه الصخب الذي يحيط به، وكلماتها تترك أثرًا في داخله لا يمحوه الزمن.
يجد نفسه منجذبًا إليها بطريقة لم يعهدها من قبل. المشاعر تتدفق بينهما كالنهر، تتجاوز الكلمات والوعود، وتزرع في داخله رغبة في أن يكون شخصًا أفضل.
لكن الحياة لا تمنح السعادة بسهولة.
يدخل مروان في رهان خطير، يقلب الأمور رأسًا على عقب، ويدفع بدانيال إلى اتخاذ قرارات لم يكن مستعدًا لها.
الخيارات تصبح أصعب، والحياة تفرض قوانينها.
يجد دانيال نفسه أمام مفترق طرق، بين المال والمجد من جهة، والحب والحياة الحقيقية من جهة أخرى.
الطموح يجذبه نحو القمة، لكن القلب يقوده إلى مكان آخر، حيث الحب لا يُشترى، وحيث السعادة لا تُقاس بعدد الزجاجات الفاخرة.
يارا تبتعد، مجروحة من قراراته، ودانيال يدرك أنه خسر شيئًا أثمن من كل النجاحات التي حققها.
مروان يسقط في دوامة الحياة، ويواجه نهاية مأساوية تترك أثرًا في روح دانيال، درسًا لا يُنسى عن الغرور والمقامرة بالأحلام.
الصخب يهدأ، والنجاح لم يعد يبدو بنفس البريق.
ينظر دانيال في المرآة، يرى نفسه بعيون مختلفة، يبحث عن معنى أعمق لحياته.
يقرر العودة إلى يارا، يسابق الوقت لاستعادتها قبل أن يفقدها إلى الأبد. يصل إلى بابها، يدق بعزم، وعيناه تحملان كل الكلمات التي لا يستطيع قولها.
تفتح يارا الباب، تتردد للحظة، لكن قلبها يسبق عقلها. تمنحه فرصة، ودانيال يعدها ألا يخسرها مجددًا.
الحياة تمنحهما بداية جديدة، بعيدًا عن الصخب والرهانات، حيث الحب هو الكوكتيل الوحيد الذي لا يفقد نكهته مع الزمن.