العميد البروفسور سمير مدوّر

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى العميد البروفسور سمير زخيا المدور
ولد في السنة 1959، في عجلتون في أعالي كسروان، حيث التاريخ يلملم أهدابه بخفر، والجغرافيا تحفظ عذريتها، والطبيعة تنبض بالحاة وتهنأ في السكينة وقد تحررت من عبثية الفوضى وسموم التلوّث وهمجية العمران العشوائي.
أنهى تخصصه الجامعي في فرنسا، حائزًا بداية، شهادة دكتوراه في العلوم الزراعية من جامعة باريس 6 العام 1987. ثم توّج تحصيله العلمي بنيله درجة البروفسور في العام 2011.
في خياراته العلمية عكس الكثير من الوعي والرؤى النهضوية التي تبناها في حياته المهنية. لعلّ البارز فيها ثلاثًا: الأولى حبه للبيئة وحرصه على الطبيعة ومكوناتها. الثانية تعاطيه مع القطاع الزراعي من باب العلمية والتقنية والخبرة المعمقة بمعرفة شاملة تواكب العصر. أما الثالثة، فتمرّسُه في القطاع الزراعي في فرنسا ولبنان، جامعًا بذلك: ثقافة الحداثة التي اقتنصها في اوروبا إلى الغنى البيئي الطبيعي الذي يميّز الواقع الزراعي في لبنان وهو يخطو خطواته الأولى نحو التحول من عصر البداءة إلى آفاق العلم والتكنولوجيا.
في هذا الاتجاه خصوصًا، كانت للبروفسور سمير زخيا المدوّر الريادة والمساهمة والمبادرات.
إلى كونه مهندسًا زراعيًا إصلاحيًا، واسع الاطلاع، شمولي المعرفة، عصري الثقافة، كانت ولا تزال له اليد الطولى في النهوض بالبحث الأكاديمي وتطوير المناهج الجامعية وإدخال روح العصر إليها. فإذا بأبحاثه تملأ فراغًا كبيرًا في المكتبة العلمية اللبنانية والعربية وتتحول مرجع ثقة يعتمد عليه الطلاب والباحثون والناشطون في حقل الزراعة.
هذا الدور الريادي الاكاديمي خوّله التدرج في المواقع التعليمية، وصولاً إلى اعتماده أستاذًا محاضرًا في الجامعة اللبنانية – كلية الزراعة منذ العام 2002، وجامعة الروح القدس – الكسليك منذ العام 2001 – 2008، يملك واحدًا وأربعين بحثًا علميًا في الإقتصاد الزراعي وتقنيات الإنتاج.
من خلال مواقعه الأكاديمية هذه، ساهم في إحياء المعرفة الزراعية والعلم الحديث وتوجيه هذا القطاع والعاملين فيه نحو التحرر من تداعيات الحرب ومواكبة العصر وولوج المستقبل بخطوات ثابتة، واعدة، تنسجم والمعايير الدولية والرؤى التحديثية.
ظهر هذا المنحى العالمي في رؤيته التنموية الإصلاحية جليًا من خلال عضويته في العديد من الجمعيات العلمية الدولية واعتماده باحثًا سابقًا في المؤسسة الوطنية للأبحاث الزراعية في فرنسا، وخبيرًا في الإقتصاد الزراعي لدى المنظمة الدولية.
إهتم بالإنماء الزراعي، وعمل في سبيل النهوض بهذا القطاع فاستقدم الخبرة العلمية الأوروبية والأميركية إلى لبنان وطعّمها بالذوق اللبناني. وهو الذي نشأ على الروح المحبة للطبيعة والرفيقة بالبيئة، وما عزز هذا المنحى في حياته كونه متأصلاً في عائلته، موروثًا أبًا عن جد حيث أن معظم أفراد عائلته، جيلاً بعد جيل، كانت الأرض هاجسهم والاهتمام بالزراعة والعناية بالبيئة.
هذا النسق الحياتي عززه بتخصص جامعي ودراسة معمقة وسّعت من آفاق فكره وعمّقت معارفه في كل ما يتصل بالطبيعة والبيئة والكائنات الحيّة النباتية بشكل خاص، غورًا في كل المجالات ذات الصلة، وصولاً إلى علم الأعشاب الطبيعية.
هذه الثقافة المعمقة، ترجمها بداية في كتابات ودراسات وأبحاث ومقالات تهافتت على نشرها المجلات العلمية ليس فقط على مستوى المكتبة اللبنانية بل العالمية أيضًا. وإذا بالمحاضرات التي ألقاها أظهرت عمق ثقافته ومستوى خبرته.
إلى أسلوبه العلمي المحصن بالمعرفة الدقيقة، يرتدي في كتاباته ثوب رسول القيم، وكاهن البيئة، وملاك حارس الطبيعة النضرة، حيث يفوح من بين أسطرها عطر بخور الأرز ورائحة الشربين والسرو، ويدغدغ نظرنا بتلك الألوان الصافية التي تنضح من صفحات مقالاته، وقد فاقت بصفائها كل الألوان بما في ذلك البنفسجي وما دون الحمراء، فكأننا أمام ألوان سرمدية تعيش في باطن الإنسان تلقفتها عيناه مذ كان جنينًا وليدًا في جنة عدن.
هذا التعاطي المرهف مع جمالية لبنان وفرادة طبيعته إنعكس شغفًا لسبر غور مكوناته وحرصًا عليها والدفاع عنها وحمايتها. وإذا بالحياة النباتية اللبنانية تصبح ذخيرة قدسية يحتضنها ويجاهد في سبيل صونها في زمن تتهدد البيئة كل أنواع المخاطر وتنهشها وتفترسها عبثية الإنسان غير المكترث بهذه الثروة التي عبرت العصور منذ فجر التكوين.
اقترن اسم سمير المدور بالفكر الأخضر في لبنان، فهو اليوم مرجع معتمد في كل ما من شأنه دراسة البيئة اللبنانية وحمايتها وتحصينها...
هو أحد أبرز الناشطين في حقل الدفاع عن البيئة وتحصينها ورعايتها والدفع من أجل استصدار القوانين والتشريعات العصرية الواجب اعتمادها في لبنان، هذا الوطن المعروف جغرافيًا بفرادة بيئته وجمال طبيعته وخصوصية أرضه واستثنائية مناخه. وهو الوطن التي يشهد منذ اندلاع الحرب حتى اليوم اعتداءات متواصلة على بيئته وتشويهًا ممنهجًا لكل مقوماتها، ما دفع بالعديد من الجمعيات والرجالات الغيورين والمخلصين للتحرك على مختلف الأصعدة بهدف إعادة تصويب المسار والضغط من أجل قطع الطريق أمام هذه الفوضى وهذا الفلتان وهذه البربرية.
حارب التلوّث واهتم بشكل مركز بالصحة الغذائية حيث بذل الجهد وكرس الوقت وصرف المال من أجل متابعة هذا الملف ونشر الثقافية الحصة الغذائية في صفوف الشعب اللبناني.
سجّله حافل بخطوات ونشاطات وتحركات خدمت البيئة والصحة وجيّشت الطاقات للنهوض بها. لقد احتلت الطبيعة اللبنانية الموقع الرئيس في رؤيته، حيث ساعد في نشر ثقافة بيئية شاملة وطرح أفكارًا إصلاحية ساهمت في تطوير العديد من القوانين وتحفيذ الكثير من المبادرات التي انعشت وجه لبنان السياحي.
إن البروفسور سمير المدوّر ناشط بيئي بامتياز، خبير في حقل الزراعة والجيولوجيا، مرجع ثقة ليس فقط على المستوى المحلي بل الدولي أيضًا.
(إعداد: أنطوان فضّول)