في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى النقيبة أمل الحداد
أول امرأة نقيبة للمحامين في لبنان والشرق، بعد طي تسعين عقدًا من العرف الذكوري. وقد طُرح إسمها لحقيبة وزارة مع منصب نائبة رئيس مجلس الوزراء، ولكنها اعتذرت في حينه كونها كانت تتولى منصب نقيب المحامين في بيروت ومنتخبة من الجمعية العامة للمحامين لمدة سنتين ولها تكليف وتفويض من المحامين تحترمه ولا يمكنها الاستقالة من النقابة حتى نهاية التكليف.
هي المدافعة الدائمة عن حقوق الإنسان. النقابية من الطراز الرفيع. تحتل المسائل الاجتماعية والقضايا الحقوقية الحيز الأكبر من وقتها انطلاقًا من قناعة بأن السلام لا يترسّخ إلا بالعدالة الاجتماعية.
من مواليد مدينة زحلة. والدها النقيب الأسبق للمحامين فايز حداد، واضع قانون تنظيم مهنة المحاماة في السنة 1970 الذي ما زال ساري المفعول. والدتها مي كريمة فؤاد الخوري النقيب الأسبق للمحامين أيضًا ووزير العدل ونائب جبل لبنان.
إنخرطت في النشاط الفكري والمسيحي المنفتح منذ فتوتها، مواكبة تطورات نصف قرن كانت الأكثر دقة والأشد تعقيدًا على مستوى العالم عمومًا والشرق خصوصًا. برزت في هذا الإطار، مفكرة أصيلة إنسانية الأبعاد، مسيحية الجوهر.
صراحتها اللافتة، وواقعيتها التي لا لبس فيها، أسستا لنهج فكري جديد، بدأت تتربى عليه أجيال لبنانية ومسيحية في الشرق كما في الغرب.
حائزة الإجازة في الحقوق، دخلت عالم المحاماة وتسجّلت في نقابة المحامين في بيروت، متدرّجة بداية في مكتب نقيب المحامين الأسبق الأستاذ عصام الخوري. ثم انتقلت إلى الجدول العام محامية عاملة، وبدأت تتولى القضايا الكبيرة وتترافع فيها، وتبرز في مختلف الميادين الحقوقية، وتعتَمَد مستشارة لمؤسسات عامة وخاصة ولشركات محلية وإقليمية ودولية.
نشطت نقابيًا في لجان عدّة. لاسيما في لجنة إحياء اليوبيل الماسي للنقابة، وفي لجنة بناء نادي المحامين (أو بيت المحامي الذي أسسه وأطلقه والدها النقيب فايز الحدّاد) وفي لجنة تنظيم المؤتمرات المحلية والعربية والدولية وفي لجنة العلاقات العامة والبروتوكول.
مثّلت نقابة المحامين في المجلس الأعلى للطفولة واشتركت في لجان المتابعة لإعداد التقرير الدولي الثالث إلى لجنة حقوق الطفل الدولية في جنيف.
إنتخبت في 21/11/2004 عضوًا في مجلس نقابة المحامين في بيروت. تولت رئاسة محاضرات التدرج للعامين 2005 و2006 وقضايا الجدول العام للعام 2006 – 2007.
إلى عضويتها في هيئة المجلس التأديبي إنتخبت عضوًا رديفًا في محكمة الإستئناف الناظرة بالقضايا النقابية، وتولت تنسيق العلاقة بين نقابة المحامين والقضاء للعامين 2006 – 2007. كما مثلت مجلس النقابة في مؤتمرات عدة محليًا وعربيًا، وفي أعمال تأسيس منتدى المحاميات العربيات في البحرين، وبرزت في اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب.
كذلك انتخبت عضوًا في لجنة آداب المهنة ومناقب المحامين وفي اللجنة الإستشارية لتحديث أنظمة النقابة. وهي التي وضعت العدد الخاص لمجلة العدل للعام 2007 وقد أشبعته بمحاضرات التدرج للعامين 2005 و2006.
إنتخبت نقيبًا للمحامين في السنة 2009 حتى السنة 2011.
لم تشهد ولايتها أية اهتزازت داخلية أو سياسية. بل عبر طيفها في آفاق المحاماة كطيف الأوكسيجين، خفيفًا، محييًا، مشبعًا بفيض من العطاء والقرارات الجريئة والإنجازات العديدة.
عُرفت بنهجها الإصلاحي وفكرها المتنور، ونزعتها إلى تغليب المصلحة النقابية، وجعلها أولوية، نسبة إلى الإنتماء السياسي والتحرك العاطفي والتبعية الحزبية والشخصانية.
خلال ترؤسها نقابة المحامين في بيروت، حققت ما يشبه المعجزة، حين نجحت في السير فوق ألغام السياسة وتناقضاتها وتوحيد الرؤية والحركة وتكريس وحدة المحامين وتضامنهم، بروحية إصلاحية واعدة.
حرصت كل الحرص على استقلالية النقابة، وأعادت ثقة غالبية اللبنانيين بها وبعدالة أحكامها، واضعة حدًا للإحباط الذي ساد العلاقة بين المواطن والعدلية في الربع الأخير من القرن العشرين.
نقلت مهنة المحاماة ورسالتها من معارج القرن البائد، إلى آفاق القرن الحادي والعشرين، منعشة حقل القانون اللبناني، ومجددة في الكثير من أحكامه وجاعلة التشريع في بلاد الأرز يواكب العصر ويحاكي مشاكل إنسان اليوم.
هي ثورة داخلية، بكل ما للعبارة من معنى، شهدها عهدها، فتنفست كل القطاعات والمؤسسات وأروقة الدولة اللبنانية ومكونات المجتمع كافة، نهضةً وإصلاحًا وعدلاً وشفافية.
بموازاة نشاطها النقابي، جاءت لغتها العربية المتينة، وأسلوبها المتميّز والمتجلي حيوية في محاضراتها وتدويناتها على اختلافها ووفرتها وتنوّعها، لتغني المكتبة اللبنانية والعربية وتعيد إلى بيروت ألقها ومكانتها في عالم الفكر الحر والفقه القانوني والإصلاح اللغوي والأدب الراقي.
يتمتع أسلوبها الكتابي بطابع مميز وجاذبية قوية. لا يأخذك فقط في قراءته ذاك الإستمتاع بموسيقاه الخلابة، إنما تتملكك الأفكار النيرة الساطعة وذاك التلاؤم بين رزانة المعنى ورصانة اللفظ. وتنعكس شدة اطلاعها واتساع مصادره، في مقالاتها التي تلامس العالمية بموضوعيتها ومستواها. بعد مرحلة رئاسة النقابة، لم تتوقف عن العطاء في عالم المحاماة والحقوق بل استمرت ناشطة في مكتبها الخاص وخارجه في أروقة قصور العدل، تزرع الكثير في حقل الاستشارات القانونية، متمادية في الخدمة الاجتماعية. وهي لا تزال حاضرة برصانتها وحكمتها في دنيا الوطن والقانون والفلسفة والأدب والمجتمع.
أفكارها تستنهض الهمم الفكرية وتنبت براعم النهضة الربيعية وتخطّ دروب الاستقلال الثقافي، وتزاوج بين حدود الحضارة والعصرنة، وقد تلمّس المجتمع اللبناني حركتها الإصلاحية الناهضة على أكثر من صعيد.
النقيبة السابقة أمل فايز الحداد هي اليوم مرجع في القانون. خدمت الحق والحقيقة عقودًا من الزمن، متخطية بجرأة وثبات مختلف القيود التي حاولت أن تكبل يد السلطة القضائية.
إنسنة ومحامية ونقيبة جريئة، شرّفت نقابتها بتاريخها المضيء، لا سيما وأنها في أحلك المراحل لم تتأخر في تولي المهمات الصعبة مساهمة في توحيد صفوف المحامين، وتأمين مصلحتهم، وتفعيل رسالتهم ورفع مستوى المهنة والحفاظ على تراث النقابة وإعلاء شأنها ولم تسع إلا إلى مجد لبنان هدفًا.
(إعداد: أنطوان فضّول)