حليم قربان
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى الأستاذ حليم قربان
خبير التحف والآثار والأيقونات التاريخية. من مؤسسي المنتدى الرقمي اللبناني
ولد في بلدة جديدة مرجعيون، الهانئة في الجنوب اللبناني، في كنف عائلة كادحة وبيئة عذراء، ومنها قرر الإنطلاق في مسيرة أقل ما يقال فيها إنّها انعكاس لإرادة التحدّي والنهوض والتحوّل.
متأهل من لوسيان الباز ولهما ثلاثة أولاد: جويس وإيلي وروني.
من عمق طفولة لا تزال تحمل إلى ذاكرته الدفء والطمأنينة، إلى فتوة عاشت مخاضًا مع الوجود واختبرت كل أنواع الصعوبات، وعاينت لبنان وهو يقع فريسة التحولات الجغرافية والسياسية المأساوية، مرورًا بشباب اكتملت فيه الرؤية المستقبلية وتحددت الخيارات؛ مسيرة تمددت على مساحة عقودٍ من القرنين العشرين والحادي والعشرين وتعتّقت بخوابي الفكر الأصيل.
توزعت دراسته بين الجنوب وبيروت حيث بدأها على مقاعد مدرسة مرجعيون الوطنية، قبل أن يتابعها في المدرسة الإنجيلية في بيروت بإدارة المربّي كليم قربان.
اما تحصيله الجامعي فاقتصر على سنتين دراسيتين في جامعة هايكازيان متخصصًا في الكيمياء قبل أن يقرر الإلتحاق بالوظيفة العامة، وتنطلق مسيرته في خدمة الوطن منذ السنة 1961. فهو من الرعيل الذي أسهم في اعلاء مداميك المؤسسات الوطنية والإدارات الدبلوماسية.
بالتزامن مع دراسته الجامعية المرحلية، عمل في إعلانات فرعون قبل ان يلتحق بملاك وزارة الخارجية والمغتربين.
لقد اختار الدبلوماسية مهنة سامية، حيث يجنح في كل مناحي تفكيره نحو المصلحة العامة والمثل الروحية والإنسانية.
في السنة 1961، إلتحق بسفارة لبنان في موسكو، بصفة سكرتير في السفارة، في عهد السفير إدوار غرّه، ويُعتمد عليه في الحقيبة الدبلوماسية والمحفوظات العامة والمكتبة، وفي التواصل بالشخصيات السوفياتية المسؤولة. كما نشط في حفظ الأرشيف وتبويبه وصيانته.
بصفته الدبلوماسية في سفارة لبنان في روسيا، ومن خلال الثقافة المنفتحة والفكر الراقي، ساهم في تقريب المسافات وفتح الأبواب السوفياتية أمام اللبنانيين، فإذا به خير مرآة للبنان الثقافة والفن.
يعود له فضل في تسليط الضوء في لبنان والعالم العربي على جاذبية روسيا السوفياتية السياحية وفي تفعيل عجلة التلاقي الإنساني والثقافي.
تمكن، بشكل مذهل، وبأقل من ثلاث سنوات، من دمج الفكر الروسي بالثقافة والمجتمع والأعراف اللبنانية، ومن استخلاص نموذج حضاري رائد جمع بين روح العصر وجَسَد التقاليد الشرقية.
في السياسة واكب التحولات الكبرى التي عرفها العالم في أوائل ستينيات القرن الماضي، من بزوغ فجر الحرب الباردة مع الزعيم السوفياتي خروتشيف والرئيس الأميركي جون كنيدي، إلى السباق على غزو الفضاء عشية نجاح السوفيات في إطلاق الصاروخ سبوتنيك وفي التوصل إلى اختراق الغلاف الجوي للأرض وجعل الرائد غاغارين يحلق في الفضاء الخارجي.
مع عودته إلى بيروت، إستقال من وظيفته في وزارة الخارجية، وبدأ العمل لسنتين في السفارة الكويتية وكانت في مرحلة تأسيسها في لبنان.
كذلك استهوته الموسيقى لاسيما الكلاسيكية منها فدخل الكونسرفاتوار ودرس مبادئ الكمنجة والبيانو.
إحتلت الموسيقى حيزًا وافرًا من نشاطه اليومي، فتمرّس على العزف ونشط في التأليف.
أحب الموسيقى وعشقها قبل أن يتمرّس عليها وفي داخله تصميم على إظهار موهبته المخبأة وتظهير طموح لديه إلى نجاح يعلم علم اليقين أنه قادر على تحقيقه.
إلى ذلك هو يمتلك المكتبة الأكبر في الشرق التي تحتوي أوسع مجموعة خاصة بآلة الكمنجة والبيانو وأكبر مكتبة فنية فريدة من نوعها.
يبقى عالم التحف والأيقونات مديونًا له لما قام به من خطوات على مستوى النهوض بهذا القطاع في لبنان وعالمنا العربي.
بعد عمله الدبلوماسي، قرر امتهان الفن والتكرّس للإهتمام بالأيقونات التاريخية إلى درجة الترسّل.
غاص في هذا المحيط الحضاري منذ أواخر الستينيات، وامتلك موهبة يصعب وصفها والإحاطة بمكنوناتها. لقد غرف من أسرار الحضارة العالمية وامتلك مفاتيح أسرارها، وأصبح من الخبراء الذين يشار إليهم بالبنان.
مع شركائه افتتح في السنة 1967 أول غاليري له، في بيروت، ونظّم معارض للأيقونات الأوروبية في الجامعة الأميركية. لاحقًا إستقل عن شركائه وافتتح الغاليري الخاص به... وفي السنة 1975، قبيل اندلاع الحرب، قرر السفر إلى النمسا حيث أسس معرضًا للأيقونات والمنحوتات والتحف الأثرية في فندق هيلتون فيينا العريق، فبات مقصدًا تخطى بشهرته الحدود اللبنانية ليلامس الآفاق العالمية.
في عالم الصناعة، إستثمر في أوائل التسعينيات في شركة LIG التي تعنى بتصنيع المعجون المخصص لإصلاح الحديد.
هو فنان متخصص بترميم الأيقونة الدينية. في مسيرته ما يقارب المئات من الأيقوات التي اشتراها وأعاد إليها إشراقتها.
تنقّل بين ضفتي اللون والروح ووحّد بينهما، فإذا بأيقوناته، ترتسم شفافة في صمت اللون والحرف كما قال يومًا سيمونيدس.
نورانية الأيقونة عنده، اختلفت شكلاً ومضمونًا، فهي توهّج ثلاثي الأبعاد وهي مجموعة خلايا متحابة، متراصة، متوازنة، مستقلّة، مشبعة نضجًا ومتحدة بعفوية كشلال هادر.
بلمساته يجعلها تنضح بالتوهج اللوني والنورانية الداخلية وانسيابية الإيقاع الموسيقي في الحركة.
يتمتع حليم قربان بثقافة شمولية وبأخلاق عالية ونفسية مترفعة وجاذبية في كوكبة الأصدقاء. أثّرت مزاياه عميقًا في كل من تعرف عليه من اللبنانيين أو الأجانب.
طوباوي في إخلاصه للبنان وخدمته لمجتمعه. مثالي في احتضانه الأبوي لقضاياه. عملي براغماتيكي في إدارة شؤون المواقع التي أدارها. وهو رجل مبدئي رفض كل أنواع المساومات والإغراءات والمناصب الرفيعة كي لا يسخّر ضميره. وقد نجح في نشاطه الى درجة الإبداع والإعجاز في زمن تخبطت فيه البلاد في غياهب الحرب والتخلف.
(إعداد: أنطوان فضّول)