صيدا وأول انتحار جماعي في التاريخ

إحتلت صيدا في ظل الحكم الفارسي المرتبة الأولى بين ممالك الساحل الفينيقي القديم. زشملت سلطة ملكها المنطقة الواقعة بين نهر الدامور ونهر القاسمية أو الليطاني. وكانت تحدها من الشمال مملكة جبيل التي تمتد منطقتها الساحلية من نهر الدامور حتى رأس شكا وتتبعها بيروت. أما من الجنوب فمملكة صور التي تمتد من نهر القاسمية حتى عكا والكرمل. من الأرجح أن أراضي مملكة صيدون إمتدت جنوبًا حتى مدينة يافا الساحلية في سهل شارون أو سارون. إذ ورد في نص فينيقي منقوش على غطاء ناووس أشمون عازر الثاني ملك صيدون الذي حكم في الربع الأخير من القرن السادس قبل المسيح "إن الملك الفارسي داريوس سيد الملوك، قد وهبه مدينتي دور ويافا، مكافأة لأجل العظائم التي صنعها في إشارة إلى مشاركة الملك الصيدوني في حملة الفرس ضد مصر. وجاء في النص ما يلي: "وأعطانا سيد الملوك دأر ويافي أراضي دَجَن العظيمة التي في سهل شارُن لأجل العظائم التي فعلت. وأضفناها إلى تخم الأرض لتكون إلى الصيجونيين إلى الأبد". وكانت ممالك صور وصيدا وجبيل وأرواد قد أنشأت فيما بينها اتحادًا مركزه مدينة طرابلس يجتمع أعضاؤه فيها سنويًا للتداول في شؤونهم المشتركة وعلاقاتهم بالملك الفارسي. وجد الفينيقيون في الإمبراطورية الفارسية الشاسعة مجالاً رحبًا لنشاطهم التجاري. كما وجدوا في الفرس حليفًا مهمًا ضد منافسيهم التقليديين الإغريق. وقد استفاد الفرس من مؤهلات اللبنانيين الفينيقيين في الملاحة وطلبوا منهم المشاركة في حملاتهم ضد الغريق منافسيهم التقليديين في التجارة البحرية. وكان ملك صيدا قائدًا أعلى للأسطول الفارسي الذي بناه الفينيقيون بمعظمه من خشب غاباتهم وكان يحتل المركز الأول بين الملوك والقادة من حلفاء الفرس. الحلف الفينيقي الفارسي لم يلبث أن سقط بسبب محاولة ملك صيدا عبد عشتروت ستراتون الخروج على طاعة الفرس للإنضمام إلى الحلف المصري الإغريقي فنشبت الثورة ضد الفرس في الحي الصيدوني في طرابلس ثم انتقلت إلى صيدا بقيادة الملك إبنيت أو تينيس. وقطع أهل صيدا أشجار الحديقة الملكية فيها وأشعلوا النار في التبن والحشيش اليابس المخزون لخيالة الفرس. فسير الملك الفارسي أرتحششتا الثالث حملة ضد صيدا في السنة 348 ق.م. قوامها مئتا ألف راجل وثلاثون الف فارس واسطول من 800 سفينة. وبينما هو في طريقه لقمع ثورة صيدا إلتقى ببعض ولاته على سوريا وكيليكيا الذين حاولوا قبل ذلك قمع الثورة في لبنان لكن الفينيقيين هزموهم. تقدمت الجحافل الفارسية ورفض الملك الفارسي التفاوض. فضل الصيدانيون الموت على الإستسلام، فأغرقوا مراكبهم في الميناء ودخلوا بيوتهم وأقفلوا أبوابهم واستسلموا للموت حرقًا فسجلوا أول انتحار قومي في التاريخ. في السنة 333 ق. م. إجتاح الغسكندر المقدوني الشرق فسقطت الإمبراطورية الفارسية تحت ضرباته وبدأ عهد جديد في العلاقات بين الشرق والغرب.