لبنان وذاكرة العالم
في تموز 2005، أعلنت اللجنة العالمية لمنظمة الأونيسكو دخول لبنان رسميًا إلى "ذاكرة العالم" من خلال دراستين موثقتين عن الأبجدية الفينيقية وآثار نهر الكلب، حيث تنبهت لغنى لبنان الثقافي والحضاري.
وقد أعد عالم الآثار والإجتماع الدكتور ابراهيم كوكباني الدراستين حول الأبجدية الفينيقية وآثار نهر الكلب. وفي هذا الإطار يقول: إن لبنان، ومنذ فجر التاريخ، معروف عالميًا بالإبداع الأدبي والفني والثقافي والفلسفي، وله بصمات في تاريخ البشرية على مختلف الصعد والميادين.
إنطلقت الدراسة الأولى التي أعدها الدكتور ابراهيم كوكباني عن الأبجدية الفينيقية من الوثائق المتوافرة والمدونة على قطع أثرية معظمها محفوظ في المتحف الوطني. وهذه الكتابات مدوّنة على الحجر والخشب والحديد وورق البردي. يشكل بعضها قاعدة تماثيل، وبعضها الآخر مدوّن على النواويس الحجرية وعلى قطع من البرونز والرخام. وتكمن أهمية الإبداع الفينيقي بما أعطاه للعالم، وأن فينيقيا بحكم موقعها دفعها إلى ابتداع نمط من التعاطي الكتابي لتسهيل الأعمال.
وعليه فقد أتقن الفينيقيون التدوين بالهيروغليفية والمسمارية اللتين من خلالهما كان يلبي حاجات زبائنه في مصر وبلاد ما بين النهرين تجاريًا بطلبات مدونة باللغتين. وعن أهمية الأبجدية الفينيقية، يوضح الدكتور "كوكباني" أن الفينيقيين اختصروا الصورة بالصوت وابتدعوا ما يُعرف اليوم بالسمعي البصري. في البداية استعاضوا عن رسم آلاف الحروف بـ22 حرفًا ثم بـ28 حرفًا حسب الحاجة. وتلقفت بلدان اليونان ومصر وبلاد ما بين النهرين هذه الأحرف واعتمدت حاجتها منها لأنه كان فيها اختزال فكري. وعوضًا أن تكون الكلمة مصورة أصبح التعبير عنها بنبرة أحادية أي بالحروف الأبجدية.
ويوضح الدكتور "كوكباني" أن مجموع هذه اللوحات وما تضمنته من كتابات تشكل بحد ذاتها كتابًا مفتوحًا من تاريخ لبنان القديم والحديث، وقد شكلت إثباتًا موثقًا لضرورة إدراج لبنان في خريطة "ذاكرة العالم" وهذا ما يؤكد أن لبنان قائم منذ فجر التاريخ، وأن الأوطان ليست مساحة بل قيمة تاريخية وثقافية وحضارية.