تداعيات التسلح الفلسطيني في لبنان قبل حرب 1975
قبيل اندلاع حرب 1975، كانت بيروت العاصمة مدينة نابضة بالحياة. أبنيتها تواكب التطور. حدائقها ومكتباتها.
في تلك المرحلة، كانت بدأت التظاهرات والإضرابات، وكأن عاصفة تهبّ على الوطن، والطلاب في وسطها.
لم يكن بالإمكان تجاهل الفلسطينيين كعنصر طارئ على الحياة اللبنانية.
لقد احتضنهم لبنان منذ تهجروا من بلادهم، وناصر قضيتهم منذ البداية، بل قبل أن تكون البداية.
لكنّه في أواخر 1968، دخل الأراضي اللبنانية عدد من الفلسطينيين المسلحين.
أحدث هذا الأمر اضطرابات داخلية ليس بالنسبة لعدد الذين دخلوا وكان لا يتجاوز الخمسين، بل لمبدأ وجود فدائيين على الأراضي اللبنانية.
أما الاضطرابات الداخلية فكان سببها الانقسام بالرأي حول مبدأ وجود فلسطيني مسلح: فريق يؤيد وفريق يرفض.
الفئة التي أيّدَتْ، لجأت إلى مختلف وسائل الضغوط: الإضرابات والمظاهرات والمهرجانات الخطابية والعراقيل التي كانت تضعها لدى تشكيل الحكومات...
الفئة التي رفضت، نصحت الفريق الآخر بعدم الذهاب بعيدًا بالتأييد خشية التصادم.
شنّ الفلسطينيون حملات عنيفة ضد السلطة في لبنان، واتهموها بشتى الإتهامات. وأقدموا على أعمال تخريبية واعتداءات على الناس والممتلكات.
راح التمدد الفلسطيني يتسع حتى طرق المدائن كلها:
مخيمات برج الشمال: صور. مخيمات عين الحلوة: صيدا. مخيمات صبرا- شاتيلا - تل الزعتر: بيروت. مخيمات نهر البارد: طرابلس. وغيرها من المخيمات... وغيرها من المدن.
إمتداد جغرافي كاد يشبه غزو الأرض اللبنانية، بل احتلالها. الأمر الذي قرّب بين النار والبارود أكثر فأكثر.
من أبرز الاصطدامات بين الفلسطينيين والجيش، إصطدام أول وقع في ليل 10 – 11 نيسان 1973. أما الإصطدام الثاني فحصل في 2 آيار 1973 على أثر حجز ثلاثة عسكريين على حاجز فلسطيني. يومها جرى تبادل إطلاق نار. تبعه قصف ثكنات الجيش المجاورة من قبل الفلسطينيين، بالمدافع والصواريخ. وعمّت الاشتباكات العاصمة ومناطق عدة من لبنان. وأخذ الفلسطينيون يقصفون الأحياء السكنية والمرافق العامة ومنها مطار بيروت الدولي، بمختلف أنواع الأسلحة الصاروخية والمدفعية. فتساقطت القذائف المدفعية والصاروخية وسواها بصورة عشوائية على جميع أحياء بيروت وضواحيها وتسببت بوقوع ضحايا بريئة عدة.
شُنَّت على لبنان حرب هي حرب الفلسطينيين عليه الذين يضيفهم بسخاء. ثم اشتعلت على هامش هذه الحرب أو في قلبها حروب متقاطعة، بما فيها حرب بين اليمين واليسار. وحرب بين الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وبين الصهيونية العالمية والعرب. وبين إسرائيل على الفلسطينيين. وحرب بعض الدول العربية على بعض الدول العربية الأخرى... وغيرها من الحروب، بما فيها حرب الأطماع السورية والإيرانيّة والإسرائيليّة في بلاد الأرز.
هذه الحروب بمجموعها أتت على الأخضر واليابس في لبنان الذي لم يكن قد أعدّ نفسه لها ولا لغيرها من الحروب، ما دام شعبه يؤمن بالسلام وبالتعايش.
أمام تسارع الأحداث والتطورات، صار الهمّ، كل الهمّ في معالجة المشاكل اليومية، الأمنية منها بنوع خاص، بعدما انفجرت الأوضاع.