لبنان في كتب الرحالة
ترتبط الرحلات القديمة إلى لبنان أو الساحل الفينيقي، لدى مسيحيي الغرب، بحجّهم الأرض المقدسة، ذهابًا أم إيابًا أو الأمرين معًا.
إنه طريقهم المحتومة وممرهم الطبيعي، نظرًا للإمتداد الجغرافي من جهة، ولكون لبنان وبعض مدنه الساحلية وردت أسماؤها في الكتاب المقدّس المسيحي منذ عهد سليمان الحكيم وحبرام ملك صور والأنبياء ، فضلاً عن زيارة السيد المسيح وبولس الرسول لها من جهة ثانية.
لم نعثر، خلال الحقبة التي نؤرّخها هنا على حاجّ تسلق الجبال وزار منطقة الأرز أو المواقع الأثرية في المرتفعات، باستثناء واحد فقط مرّ في بعلبك مرورًا عابرًا، لأن مقصدهم هو الأرض المقدسة.
بعد أن منح الإمبراطور قسطنطين الكبير، بمرسوم ميلانو سنة 313، الحرية للكنيسة، وتصالح العرش والمذبح، ورُفع الإضطهاد عن أعناق المسيحيين، أخذت طلائع الحجّاج تتدافع نحو الشرق للتبرّك بمهد المسيح وقبره.
حوالي السنة 320، كتب المؤرخ الكنسي أوسابيوس القيصري إن المؤمنين الآتين من كل مكان كانوا يتجمعون للصلاة في جبل الزيتون وعلى الجلجلة وفي مغارة الميلاد، ويعتمد بعضهم في نهر الأردن حيث اعتمد السيد المسيح.
والسنة 326م.، حجّت القديسة هيانة، أم قسطنطين، القدس بحثًا عن الخشبة التي صُلب عليها المسيح وشيّدت مكانها كنيسة القيامة وكنائس أخرى في غير أماكن من الأرض المقدسة.
وأشار القديس إيرونيموس (جيروم) في أواخر القرن الرابع إلى أن الحجّاج كانوا يأتون من الهند والحبشة وغاليا وبريطانيا وإيبيريا وإيرلندا؛ إكليروس وعلمانيون، رجال ونساء، أفراد وجماعات، أرستقراطيون ومن عامة الشعب.
منهم من أمضى شهورًا، بل سنوات، ومنهم من ضقى نحبه في الطريق.
ولكن الذين دوّنوا رحلاتهم قليلون.
(من كتاب: لبنان في كتابات الرحّالة للأب اغناطيوس زيادة)