جغرافية لبنان في العهد الهلنستي اليوناني السابق للعهد الروماني
يذكر المؤرخ اللاتيني كوينتوس كورتيوس من القرن الأول للميلاد في تاريخه أن الخشب المستخدم في صناعة الأطواف والأبراج كان يجلب من لبنان.
ثمة منطقة جبلية قريبة من مدينة صور ترتفع فوق الألف متر كانت مصدرًا لخشب أشجار الصنوبر والسنديان والسرو والشربين والعرعر والشوح والأرز تقع في القسم الجنوبي من السلسلة الشرقية أي جبل حرمون.
وكان المؤرخ كورتيوس قد وصف المقاومة التي أبداها الصوريون في مواجهة مهاجميهم فقال: "إن عربًا من لبنان هاجموا المقدونيين فقتلوا ثلاثين منهم وأسروا عددًا آخر.
من المرجح أن هؤلاء العرب هم من الأيطوريين شبه الرحل، قدموا من أيطوريا في الجنوب الشرقي من دمشق أي من منطقة حوران وجبال اللجى وتوسعوا في اتجاه السلسلة الشرقية من جبال لبنان وجعلوا مدينة خلقيس عاصمة لمملكتهم العربية الشبيهة بالمملكة النبطية في البتراء.
توسعت هذه المملكة حتى البقاع الذي أطلق عليه المؤرخ اليوناني بوليبيوس حوض مارسياس أو ماسياس وفق المؤرخ سترابون.
وتمدد سلطانهم ليشمل بعض الحصون الجبيلة في لبنان مثل سيناس أو صنين وبوراما أو برمانا وجيغارتا ورأس الشقعا قرب البترون.
كان الأيطوريون ينطلقون من هذه الحصون ليهاجموا مدن الساحل اللبناني بين صيدا والبترون يسلبون وينهبون ثم يعودون إلى قواعدهم ظافرين.
يذكر المؤرخ اليوناني بلوتارك (50 – 125 م.) في كتابه حياة الإسكندر أن القائد المقدوني خلال حصاره لمدينة صور قام بحملة ضد العرب الذين كانوا يقيمون قرب الأنتيليبان.
أنتي ليبان وهي المنطقة الشمالية للبنان اليوم، ذكرها المؤرّخ والجغرافي اليوناني سترابو (58 ق.م. – 21 م.) في كتابه "الجغرافيا" ، وجعل حدودها نهر أسماه الحريو وهو النهر الكبير الجنوبي الفاصل بين حدود لبنان الشمالي وسوريا.
كان هذا النهر في زمن سترابون يفصل بين سالوقيا من جهة وفينيقيا وسوريا المجوّفة من جهة أخرى.
وسوريا المجوّفة تقع بحسب سترابون بين سلسلة جبال لبنان الموازية للسلسلة الأخرى المسماة أنتي ليبون. أي أن هذا الإسم أطلق على سهل البقاع بعد فتوحات الإسكندر المقدوني.
وسها البقاع بالنسبة للمؤرخ بوليبيوس يُعرف بحوض مارسياس ويمتد بين جبال لبنان أي السلسلة الغربية وأنتي ليبان أي السلسلة الشرقية.
أما المؤرخ سترابون فذكر أن مقاطعة سهل مارسياسي أو ماسيساس تبدأ من مدينة اللاذقية وكانت تعرف بلاذقية لبنان بناها سالوقس الأول على العاصي تيمنًا باسم أمه، وفي هذا الموقع بالذات بنيت مدينة قادش القديمة وتعرف اليوم بتل النبي مدد جنوبي مدينة حمص.
من المرجح أنها سميت بلاذقية لبنان لتفرقتها عن اللاذقية الحالية الواقعة على ساحل البحر.
إن الحدود الجغرافية اللبنانية في العهد الهلنستي تمددت شمالاً حتى مشارف مدينة حمص شاملة السلسلتين الشرقية والغربية وهذه حقيقة تتواءم مع ما ورد في الكتاب المقدس – العهد القديم حول حدود جبل لبنان من الجنوب إلى الشمال من بعل حرمون إلى مدخل حماة وذلك في سفر القضاة 3:3.