لبنان والعصر الحجري الوسيط

العصر الحجري الوسيط ميزوليتيك، من 110000 إلى 10000 ق.م. يجسّد المرحلة الحضارية التي صار فيها الإنسان صيادًا ومزارعًا. هو مثل إنسان العصر الحجري السابق يسعى لتجميع القوت لكنه كمزارع باشر بنمط حياتي جديد سيتطور لاحقًا في العصر الحجري الحديث. وجدت بقايا هذا العصر في مجمل مناطق آسيا الغربية وفي الفترة الزمنية عينها. سكان فلسطين بادروا شيئًا فشيئًا إلى اختبار البذور والزراعة وتخزين الحبوب وتدجين الحيوانات، بمن فيهم على الأرجح الكلاب. هذه المحاولات البدائية أظهرت للإنسان إمكانية التوقف في مكان معين والثبات في أرضه. فابتكر بناء مراكز سكنية بدائية صغيرة مؤلفة من بيوت أو أكواخ في وسطها عمود، وهي من طابق واحد تشبه الخيم. أحيانًا بنوا الجدران والأرضية مدوها بالدلفان. حرر هذا التطور الإنسان من حاجته إلى التنقل بحثًا عن القوت. وبدأت تتشكل جماعات ثابتة، ما سمح لتفجّر إبداعي اتجه نحو التقدم المادي والروحي. يعرف هذا العصر في العراق بالعصر الزرزي نسبة إلى الكهف زرزي حيث عثر فيه على أدوات تعود لهذا العصر وهي دقيقة وحجمها صغير.
أما في لبنان وفلسطين فعرف هذا العصر بالدور النطوفي نسبة لوادي النطوف في فلسطين حيث عاش النطوفيون في الكهوف وفي قرى في مستوطنات مكشوفة واعتمدوا على الصيد وجمع القوت والحبوب البرية. وعثر في هذه البقاع على أدوات عدة مستحدثة منها المناجل الصوانية. إلا أن الإنسان النطوفي ما من دليل ملموس على قيامه بتدجين الحيوانات.
إكتشفت الباحثة الإنكليزية دوروثي غارود في العام 1929 آثارًا تعود إلى الفترة لاثالثة من العصر الحجري، في مغارة شقبا في وادي النطوف في فلسطين في الجبال المحيطة بالقدس، فتحت الباب على اكتشاف أول المجتمعات الزراعية في التاريخ والتي دامت حتى الألف السادس ق.م.
من فلسطين انتشرت هذه الحضارة إلى غور الأردن فسواحل المتوسط، بما فيها لبنان، وبلاد الشام وفي مطلع الألف العاشرة قبل الميلاد عثر على آثارها في العراق وفي حلوان في مصر.
إنتشرت القرى النطوفية في كل هذه المساحة الجغرافية.
دامت الفترة النطوفية بين عشرة إلى ثمانية آلاف سنة ق.م.
هي الحضارة الثانية التي انتشرت في هذه البقاع من المشرق القديم.
سكن الإنسان النطوفي في بيوت بدائية لكن متقنة الصنع، مغروسة في الأرض، أساساتها من الحجارة، سقوفها من الخشب، جدرانها من الطين، أشكالها دائرية وأرضيتها مرصوفة بالحجارة في وسطها موقد وبقربها مخازن للحبوب، ومنازل عائلية لم تكن معهودة من قبل.
تمثل قرى الصيادين الأوائل الذين كسبوا قوتهم بالصيد وبالزراعة.
في هذا الزمن هجر الإنسان النطوفي المغاور والكهوف وانتقل إلى السهول وضفاف الأنهار.
أمام القرى وبين الأكواخ، صنع أدوات الزينة والأساور والخواتم من الصدف والعظم والأسنان مع زخارف.
النطوفيون أول من بنى المقابر الكبيرة في جوار قراهم.