لبنان مقصد الحجاج الغربيين
مع توالي السنين، وُضعت للحجاج شروط تنظم طريقة مسيراتهم: زي خاص بالتائبين، وديبلوم يحمل إذن الملك وهو نوع من جواز سفر يعرّف صفتهم الدينية والإجتماعية، أو ترخيص شخصي من البابا في ظروف معيّنة، وخريطة الطريق إلى الأرض المقدسة، وفنادق خاصة لإقامتهم. بعضهم كانوا يأتون مُشاة على الأقدام مع عصا يتوكأون عليها، والبعض الآخر يمتطون الخيول المطهّمة. ومعظمهم كانوا يأخذون البحر إلى أحد الموانئ القريبة ومنها يواصلون السير، فيقضون إما استراحة قصيرة في المدن التي يمرون فيها، أو إقامة ليلة أو أكثر في نزل خاص فيه اصطبل للمركوب واستبداله بآخر. وإذا ما نزلوا بحرًا في طرطوس، مثلاً، أخذوا حتمًا طريق الساحل الفينيقي حتى عكا، ومنها إلى الناصرة وجوارها فأورشليم وبيت لحم وسائر الأماكن المقدسة. وبعد انتهاء فريضة الحج، كان بعضهم يدخل صور من عكا ويتابع ساحلاً حتى طرابلس وعرقة، ومنها يدخل سوريا حتى طرطوس أو أنطاكيا أو يُبحر من كرابلس إلى قبرس عائدًا إلى بلاده.
وكان يروق لبعض المتعلمين والمثقفين منهم تدوين مشاهداتهم وانطباعاتهم أو تكليف أحد مرافقيهم بهذه المهمة. وغالبًا ما كانوا يذكرون المسافة بين مدينة وأخرى إما باليوم أو بالميل أو بالفرسخ التي تختلف قياساتها البحرية والبرية بحسب البلد والعصر. وهذه الموّنات بشكل يوميات سفَر حُفظ قسم منها بفضل النسّاخ الذين تناقلها بعضهم عن بعض منذ تلك العصور السحيقة؛ وبعضها مبتور أو غير واضح القراءة بفعل الزمن فيها، إلى أن اكتشفها الباحثون في خزائن الأديار في القرن التاسع عشر، وأخذوا ينشرونها إما على علاّتها دون أي تعليق أو في طبعات نقدية مقارنة مع نُسخ أخرى، وبترجمتها عن لغتها الأصلية اللاتينية إلى اللغات الحديثة. فظهرت الفروقات بين نص وآخر، كما ظهرت الأخطاء في كتابة أسماء بعضا لأماكن، كما سنى بالنسبة إلى المدن الفينيقية التي صعُب علينا أحيانًا ضبط أسمائها اصحيحة، وقد كتبها الحجاج كما سمعوها من أفواه المواطنين وكما قرأها كل ناسخ. وهناك أيضًا اختلاف بين الناشرين أنفسهم حول تاريخ رحلة بعض الحجاج. كذلك حول جنسية بعضهم وصِفتِه الكنسية أو الإجتماعية.
لقد وقعنا، في تحرياتنا حول هذا الموضوع، على أسماء سبعة حجاج مرّوا بلبنان على مدى 337 سنة، وكتبوا بعض الشيء عنه.