من زمن الانتداب الفرنسي

كان سيراي عدو التقاليد الدينية. كانت تبدأ الدروس الصباحية في مدارس الرهبان والآباء اليسوعيين وكل معهد علمي أو تربوي يديره أو يشرف عليه إكليريكيون بدقيقة صمت حدادًا على وجود الجنرال سيراي كممثل لفرنسا. خفف الجنرال من علمانيته، كما خفف من علمانية مساعده الحاكم كيلا. وقسّم منطقة النفوذ بينه وبين رجل إداري فرنسي يدعى الموسيو ديمون، كان مندوب المفوض السامي في لبنان بحيث تولى كيلا الشؤون الإدارية فقط وتولى ديمون الشؤون السياسية ومنها الإشراف على الإنتخابات التي عين الجنرال موعدها في تموز 1925، والإشراف كما يفهمه المفوض السامي، لا الإعداد لانتخابات حرة نزيهة بل اختيار اللوائح الإنتخابية من أسماءا لذين يدينون بالولاء للإنتداب الفرنسي. يوسف سالم الذي كان قد قرر نزول الإنتخابات عن الجنوب ولو منفردًا، يقول: "قبل موعد الإنتخابات بأسابيع قليلة طلب إلي مدير شركة المياه الكومندون دوبوريغان أن أقابل السيد ديمون مندوب المفوض السامي في لبنان بناء على رغبته. ففعلت. وقال لي الموسيو ديمون وأنا أصل إليه في سراي البرج: أعرف عنك من صديقي الكومندون دوبويغار أنك شاب نشيط مثقف، وأنك أهل لأن تكون عضوًا في المجلس التمثيلي. لكن ألا ترى معي أنك لا تزال فتيًا. أقول لك هذا وأريد أن تأخذ علمًا بأن لائحة الجنوب قد أقفلت واكتملت بأعضائها السبعة ووافق عليها المفوض السامي. وليس من سبيل للرجوع عنها أو إجراء أي تعديل فيها. وهذا ببساطة يعني أن لا أمل لك بالنجاح." كما جرّب الموسيو ديمون طريقة الترغيب والترهيب مع يوسف سالم جربها مع آخرين وكل مراده ومراد المفوض السامي أن يوظفا نوابًا وإن كانت العملية عملية انتخاب. فإذا جاء دور النواب لانتخاب رئيس الجمهورية كان مرشح الإنتداب الفرنسي هو المؤهل للنجاح أي تعيين النواب الذين يهيئون للمفوض السامي بواسطتهم تعيين رئيس الجمهورية اللبنانية وبالتحديد أول رئيس لهذه الجمهورية. اللعبة مسلية ولكنها محفوفة بالمخاطر والمفاجآت.