د. عصام نعمان

الحرب مستمرة طالما البقاء في السلطة هاجس بايدن ونتنياهو
بقلم د. عصام نعمان
الحرب في فلسطين المحتلة مستمرة. هي ليست جبهة واحدة على إمتداد قطاع غزة بل أضحت جبهات عدّة على إمتداد المشرق العربي : جبهة في جنوب لبنان ضد كيان الإغتصاب في شمال فلسطين المحتلة ؛ وجبهة في البحر الأحمر وبحر العرب فتحها اليمن ضد "اسرائيل" وحلفائها ؛ وجبهة في العراق فتحتها فصائل الحشد الشعبي ضد القواعد العسكرية الاميركية في بلاد الرافدين كما في بلاد الشام.
بنيامين نتنياهو ومن يواليه في الإئتلاف الإسرائيلي الحاكم إزدرى قرار محكمة العدل الدولية الذي دان حربه وتعهد امام الرأي العام بأن حربه لن تتوقف إلاّ بعد تحقيق نصر كامل بـِ"سحق" حركة حماس وتحرير الرهائن ، وعدم عودة حماس وحليفاتها الى السيطرة على قطاع غزة ، وعدم قيام دولة فلسطينية.
جو بايدن ، حليف "اسرائيل" في حربها على المقاومة الفلسطينية ، يعارض ايّ قرار أممي يدعو الى وقف الحرب ويكتفي بدعوة تل ابيب الى تجنّب قتل المدنيين.
قلّة من الدول العربية دعمت المقاومة الفلسطينية ودعت الى وقف الحرب فيما حاولت وتحاول قطر ومصر مفاوضة "اسرائيل" لحملها على قبول هدنة طويلة لتسهيل تبادل الأسرى وتأمين وصول المساعدات الإنسانية الى مئات الآف النازحين الفلسطينيين في جنوب القطاع.
لماذا يتصلّب نتنياهو في مواصلة حربه الهمجية رغم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيشه المتعَب، وبالرغم من إتساع حركة أهالي الأسرى الإسرائيليين المطالبين بجعل إستعادتهم هدفاً رئيساً في هذه الآونة ؟ لأنه يعتقد بأن وقف الحرب يؤدي الى انهيار إئتلافه الحاكم بعدما هدّد وزراؤه من الأحزاب الصهيونية الدينية والعنصرية بالإستقالة.
فوق ذلك ، يدّعي نتنياهو انه ، مذّ اصبح رئيساً للحكومة اواخرَ تسعينيات القرن الماضي ، عارض وما زال إقامة دولة فلسطينية بدعوى انها ستصبح حليفة لإيران وموئلاً للمقاومة ضد "اسرائيل"، وأكّد لجمهوره بأنه الوحيد القادر على الحؤول دون إقامة دولة للفلسطينيين تهدد أمن الكيان.
بايدن يواجه ايضاً وضعاً داخلياً صعباً فيما يسعى الى الفوز بولاية رئاسية ثانية . ذلك ان دعمه الثابت لـِ"اسرائيل" في حربها على حماس في غزة عقّد الصعوبات التي يواجهها إذ قوبل موقفه بإنتقاداتٍ حادّة من المحافظين وآخرين في اليسار . يضاف الى ذلك كله، إحتمال ان تسدّد له ولايات متأرجحة ضربة شديدة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل خلال الإنتخابات . فهذه الولايات، كميشغن مثلاً، تضمّ عدداً كبيراً من السكان العرب والمسلمين كما من شريحة كبيرة من الشباب وطلاب الجامعات المعارضين لسياسته الداعمة لحرب "اسرائيل" على الفلسطينيين. لذلك يحاول بايدن تعزيز ضغطه على نتنياهو بالقول إن إقامة دولة فلسطينية ممكن من دون منحها حق بناء جيش ، مستشهداً بأن دولاً تعترف بها الأمم المتحدة رغم أنها بلا جيوش!
يزداد الوضع تعقيداً مع إصرار نتنياهو على دفع الجيش الإسرائيلي الى السيطرة على منطقة فيلادلفيا الفلسطينية المجاورة للحدود مع صحراء سيناء المصرية ، وهي منطقة منزوعة السلاح بموجب معاهدة الصلح بين مصر و"اسرائيل". مصر حذرت "اسرائيل" من محاولة السيطرة عليها ، كما ندّدت بتشددها لتأخير إيصال المساعدات الإنسانية الى النازحين الفلسطينيين من خلال معبر رفح الحدودي . كل هذه التحديات تنعكس سلباً على بايدن وسياسته في المنطقة، ولاسيما إزاء الدول العربية المتحالفة مع واشنطن.
هل من مخرج من كل هذه المآزق والتحديات؟
يبدو ان ليس ثمة وسيلة لوقف الحرب طالما نتنياهو موجود في السلطة ويحظى بتأييد شركائه في الإئتلاف الحكومي . غير ان مساعٍ تُبذل من طرف تكتل الأهالي المطالبين بإستعادة الأسرى مع بعض نواب حزب الليكود لإقناعهم بالتخلي عن نتنياهو مقابل تعاونهم مع أحزاب معارضة للفوز في الإنتخابات.
الى ذلك ، ثمة عائق آخر جدّي امام وقف الحرب بشروط بايدن ونتنياهو . انه موقف كلٍّ من حركة حماس وسائر فصائل المقاومة الفلسطينية وأطراف محور المقاومة. هذا الموقف هو الأوزن بطبيعة الحال ، فكيف السبيل لجعله الموقف الأفعل؟
يجب ألاّ يغيب عن بصر وبصيرة المقاومة الفلسطينية وحلفائها ان نتنياهو يسعى في حربه الهمجية لتهجير سكان قطاع غزة الى جنوبه ، وابقائهم في حالٍ مزرية من الجوع والعطش في العراء تحت الأمطار والأرياح بلا مأوى ولا مشفى ولا أغذية ولا أدوية . كل ذلك من أجل إيجاد حالة إنسانية مفجعة وضاغطة معنوياً وسياسياً على العرب عموماً ومصر خصوصاً بغية حملهم على القبول بترحيل النازحين الفلسطينيين الى جوار مدينة العريش في سيناء بدعوى إنقاذهم من بؤسهم الشديد ما يمكّن نتنياهو من الحصول على صورة نصرٍ يتذرّع بها للقبول بوقف إطلاق النار من دون ان يترك ذلك ، في ظنّه ، تداعيات سلبية على وضعه الإنتخابي وتالياً على إحتمال إحتفاظه بالسلطة.
يجب ان تُدرك المقاومة الفلسطينة وأطراف محور المقاومة كما مصر وسائر الدول العربية ، ولا سيما دول الطوق المحيطة بفلسطين المحتلة ، أن الرضوخ لحملة نتنياهو ومخططه التهجيري يؤدي الى التسبّب بنكبةٍ ثانية للفلسطينيين سيكون لها بالضرورة تداعيات سياسية وإقتصادية وإجتماعية هائلة على العرب عموماً ودول الطوق ومصر خصوصاً.
الى ذلك ، لا يجهل العرب ، أفراداً وجماعات وحكاماً ومعارضين ، أن شعوب الأمة اليوم في حال إنتفاضةٍ ونهوض وتعبئة شاملة ما يتيح للعرب غير المتهاونين بحق الفلسطينيين في تحرير وطنهم المحتل والعودة اليه والحؤول دون فرض نكبة جديدة عليهم أن يهبّوا الى مقاومة وقف الحرب بشروط نتنياهو ومن ورائه الولايات المتحدة وذلك بإعتماد خطة ميدانية وسياسية متكاملة تقوم على الأسس الآتية:
مواجهة كل الضغوط الهادفة الى وقف المقاومة الفلسطينية وحلفائها العرب ضد "اسرائيل".
تعزيز مشاركة القوى الوطنية العربية الحيّة الداعمة للمقاومة الفلسطينية وذلك بتصعيد عمليات اليمن في البحر الأحمر وبحر العرب ضد السفن المتوجهة الى موانيء "اسرائيل"، وترفيع مشاركة المقاومة الإسلامية في لبنان كما المقاومات العربية ، الميدانية والمدنية ، ضد "اسرائيل" وحلفائها ، وكذلك تصعيد عمليات المقاومة العراقية ضد القواعد العسكرية الاميركية في بلاد الرافدين وتلك الكائنة على الحدود مع بلاد الشام,
مبادرة مصر الى فتح معبر رفح بالقوة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الى مئات الآف النازحين الفلسطينيين المحتشدين الى الغرب من مدينة رفح بلا مأوى ولا غذاء ولا مشافي ولا دواء ولا رعاية.
تنظيم حملة شعبية عربية شاملة لمقاطعة كل انواع المنتجات المصنّعة في دول الغرب الأطلسي المتحالفة مع الكيان الصهيوني او الداعمة له.
بالمقاومة الميدانية المتصاعدة وبالضغط الإقتصادي المتواصل نستطيع دعم كل الأطراف الداعية الى وقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ما يُضطر معه نتنياهو الى وقف الحرب ، كما يحمل ادارة الرئيس بايدن على التخلي عن موقف عدم إلزام "اسرائيل" بوقف الحرب وبالتالي إعتماد موقف الدول والأطراف الداعية الى وقفها وذلك كشرطٍ للتفاوض على تحرير كل الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
العرب اليوم في حال إنتفاضةٍ وتعبئةٍ ونهوض فلا يجوز تفويت هذه الفرصة النادرة منذ قرن واكثر من أجل إنهاء الإحتلال الصهيوني ورفع الضيم عن الفلسطينيين وتمكينهم من ممارسة حقهم بالحرية والتحرير والعودة وتقرير المصير.
(*) نشرت في جريدتي "القدس العربي" (لندن) و "البناء" (بيروت)، تاريخ 29/1/2024.