السفير لطيف أبو الحسن

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى السفير د. لـطـيـف أبـو الـحـسـن
سفير سابق وأستاذ جامعي
ولد في السنة 1933، في بتخنيه، في قضاء بعبدا.
تأهل من سميرة أبو الحسن ولهما ابنتان.
حائز العديد من الأوسمة وشهادات التقدير منها وسام النجم القطبي السويدي.
من جبل لبنان، إلى أقاصي الأرض. ومن وطن الرسالة إلى خطوط تماس الحرب الباردة وتقاطع المسارات الحضارية. إنّها أكثر من مسيرة رجل، هي ملحمة وطن عاش مخاضًا مع التاريخ، ليصبح في يوم من الأيام، حلمًا في عيني طفولة إنسانية القرن الحادي والعشرين.
في ربوع بلدة بتخنيه، حيث النسيج اللبناني يرتدي أبهى مظاهره، نشأ لطيف أبو الحسن، وكان الزمن زمن انتداب فرنسي.
هي طفولة، واكبت حركة شعب يعيش للمرّة الأولى عرسه في رحلة عبور نحو الوحدة والحرية والاستقلال.
تأثّر عميقًا، بهذا التحوّل الوطني وطبع حياته طيلة القرن العشرين، فإذا به شاهد حي، رافق وطنه الصغير في كل مراحل سيره المفخخ في حقل ألغام القرن العشرين.
واكبه وهو يرتدي ثوب سويسرا الشرق، ثم دخل معه نفق الحرب الأسود ليخرج وإياه عبر أفق اتفاق الطائف نحو سلم أهلي منشود وحلم باقتصاد مزدهر وموقع دولي ريادي.
تلقى دروسه في مدرسة النهضة الوطنية، ثم انتقل إلى الجامعة الأميركية حيث درس العلوم السياسية.
كان يدرك أن السيادة لا تكتمل إلا بوطنية ملتزمة ولا تتحصن إلا بواقعية متوازنة، ولا تستمر إلا بنهضة دائمة.
غاص في بحر الثقافة السياسية حتى العمق، متبحرًا بكل الأفكار المعاصرة والتيارات العالمية، متأملاً، محللاً ومستشرفًا اتجاهات الحاضر والمستقبل.
عام 1956 حاز بكالوريوس آداب وفي العام 1959 ماجستير في علم الاجتماع والاقتصاد.
أكمل تحصيله الجامعي في أوستراليا حيث أنجز الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي.
وعاد إلى لبنان في السنة 1997.
التحق بالسلك الدبلوماسي، في مرحلة انطلاقته الكبرى وواكب مرحلة تمأسس الانتشار اللبناني عبر العالم.
من غانا إلى يوغوسلافيا فأسوج فسييراليون فأوستراليا، مهمة تلو الأخرى أوكلت إلى السفير أبو الحسن، أبلى فيها البلاء الحسن، فحصد وطن الأرز من نشاطه صداقة الدول المضيفة وثقة الشعوب وانطلاقة استراتيجية واقعية أسهمت في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني وفتح آفاق المستقبل أمام الأجيال الطالعة وتفعيل الحضور اللبناني في عمق القارات والمجتمعات الدولية كافة.
مهمته الأولى كانت في غانا، حين عُيّن قنصلاً بين العامين 1962 و1965.
في القارة السوداء، حلّق العلم اللبناني بعزّة وكرامة، ومُدّت الجسور المتينة بين الدولتين، ورست علاقتهما على صداقة يحكمها الانسجام والمصلحة المشتركة والتعاون في سبيل التقدّم والازدهار والرقي ومواكبة العصر بمجمل تحولاته الإيجابية.
بعد غانا انتقل إلى الضفة الثانية للبحر المتوسط، مستشارًا بين العامين 1965 و1970 إلى بلاد يوغوسلافيا حيث كانت تلتقي، في تلك المرحلة، مختلف التيارات السياسية والاقتصادية والفلسفية العالمية، وحيث تعيش مرحلة استثنائية من تاريخها إذ كادت أن تتزعّم مجموعة عدم الانحياز ودول العالم الثالث وهو التعبير المعتمد في حينه.
واكب في يوغوسلافيا الحركة السياسية التي أطلقها تيتو من خلال فلسفة التسيير الذاتي التي ابتعد بها عن اللينينية وبدأ عملية التقارب من الاقتصاد الحر الممسوك في الوسطي.
انطلاقًا من الموقع اليوغوسلافي، امتلك أبو الحسن قراءة موضوعية للواقع السياسي الدولي واستشرف المستقبل.
عام 1971 عينته الخارجية اللبنانية مستشارًا في السفارة اللبنانية في أسوج وهي مهمته الثانية في أوروبا، تولاها حتى العام 1977 حين انتقل إلى رئاسة بعثة لبنان في سيراليون حتى العام 1983.
على يده انطلقت السفارة اللبنانية في السويد، كما حمل من تلك البلاد الاسكندنافية المتفوّقة، القيم الإنسانية المعاصرة، وألهم التشريع اللبناني بتشريعات طاولت الحقوق المواطنية وشكّلت ما يشبه الثورة الكبرى في حقل التشريع الإنساني اللبناني. فبفضل جهوده ومساهماته، أبصرت النور، الضمانات الاجتماعية في لبنان للمرّة الأولى في تاريخه.
نقل التجربة السويدية في حقل الضمان الاجتماعي إلى لبنان وذلك في عهد الرئيس سليمان فرنجية. كذلك استقبل اللاجئين السريان في السويد. ونظم العلاقة بين الدولتين وطبعها بطابع مميز ما يزال واضحًا وجليًا حتى تاريخه.
عندما اندلعت الحرب في لبنان، كان أبو الحسن مستشارًا في السفارة اللبنانية في السويد، موطن جائزة نوبل الدولية. فعاش من جهة قلقًا على وطن يقدّسه ويخدمه بتجرّد وتفانٍ ومن جهة أخرى بعزيمةٍ مقاومةٍ وإرادة صلبة، يسعى جاهدًا، في سبيل تأمين ما يشبه خطًا دفاعيًا متقدّمًا يوحد فيه صفوف اللبنانيين في أوروبا عمومًا من أجل الإنقاذ والأخوة والسلام.
بعد أسوج، أوكلت إليه مهمة دبلوماسية في إفريقيا للمرّة الثانية وكانت محطتها سييراليون حيث ترأس البعثة الدبلوماسية اللبنانية بين العامين 1977 و1983.
نظّم بحكمة وموضوعية، أسس العلاقة بين اللبنانيين والشعب السييراليوني القبلي النزعة والغائص باستمرار في فلك الانقلابات والثورات والانتفاضات على أنواعها. وعمل جاهدًا في سبيل تفعيل دور الجالية اللبنانية لخدمة أبناء تلك البلاد المضطربة والغنية في آن معًا.
عاد إلى لبنان وتولى رئاسة مركز الاستشارات القانونية والأبحاث التوثيقية في وزارة الخارجية بين العامين 1983 و1985. فأسهم في إدخال تقنيات العصر إلى الوزارة ورفع من مستواها ونشّط آلية عملها.
أما مهمته الدبلوماسية الأخيرة فامتدت بين العامين 1985 و1997 وكانت محطتها أوستراليا ونيوزيلنده حيث تقيم أكبر الجاليات اللبنانية التي ما تزال مرتبطة ارتباطًا روحيًا شديدًا بلبنان، وحيث تشعر أنّك في إحدى ضواحي بيروت، كما يقول السفير أبو الحسن.
ركن من أركان منتدى السفراء في لبنان، وأستاذ جامعي يسهم في تطوير الحياة الفكرية في لبنان.
أصدر كتابًا باللغة الإنكليزية تحت عنوان:
The Lebanese Conflict: Looking inward
كما نُشِرَ له فصل في كتاب عنوانه
Lebanon beyond 2000
تحت عنوان:
Conflict Resolution: The Taif Accord
إلى جانب عدد كبير من الدراسات والمحاضرات والندوات على تنوّعها.
في مرحلة تولّيه الحقائب الدبلوماسية، حوّل السفارة، أينما حلّ، إلى بيت لكل مغترب.
هو محاور لبق، وموسوعة في تحولات القرن العشرين، اعتمد عليه في أكثر من مرحلة من أجل تطوير ركائز الحياة الدبلوماسية والتشريعية والفكرية في لبنان.
(إعداد: أنطوان فضّول)