الإذاعة الأولى في لبنان

بدأت أولى أعمال البث الإذاعي في لبنان العام 1939. يومذاك لم يكن هناك سوى محطة واحدة أنشأها الفرنسيون هي إذاعة "الشرق" (راديو "أوريان") وهي الثانية في المنطقة بعد إذاعة "ألقاهرة". عقب الإستقلال، صار اسمها "الإذاعة اللبنانية" ثم "إذاعة لبنان"، وانحصر البث الإذاعي بها حتى العام 1975. كان للإذاعة في بداياتها مهمة مزدوجة: أولاً إيصال الأخبار إلى المواطنين، كما إلى مراسلي الصحافة المكتوبة الذين كانوا يتابعون المحطات الأجنبية لكي يستكملوا برقيات وكالة "هافاس"، وثانيًا إطلاق نجوم الغناء العتيدة مثل فيروز، وذلك بمسابقات إذاعية تحظى بمتابعة واسعة. في حرب 1975، تولت مهمة ثالثة حين لعبت دور "البوصلة". صار الناس يستمعون دائمًا على أجهزة الترانزستور لأنها تعمل على البطاريات، وذلك بسبب انقطاع التيار الكهربائي. لكي يعرفوا أي الأماكن يتعرض للقصف أو أي من المعابر "سالك" أو "آمن". كانت الأخبار العاجلة "الفلاشات" تقطع البث مسبوقة بفاصل موسيقي تنبيهي لكي تعطي آخر أخبار الجبهات القتالية، أو لتدعو السكان إلى الحيطة، أو النزول إلى الملاجئ، أو تفادي سلوك بعض الطرقات المستهدفة بالقصف أو بالقنص. في هذه الحقبة، بات هناك حوالي مئة محطة، إذ أنشأت كل جماعة إذاعتها الخاصة وحوّلتها وسيلة دعائية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى نشوب حرب على الهواء أين منها المعارك الجارية على الأرض! وحدهما الإ1اعة الرسمية، "إذاعة لبنان"، التي فيها قسم للبث بالفرنسية بإمكانات ضئيلة، وإذاعة "مونتي كارلو" (للشرق الأوسط) التي كانت تبق من فرنسا، حاولتا بصعوبة الحفاظ على شيء من الحيادية وسط هذه الضوضاء. أما محطات الـ أف.أم، فكانت تقدم الأغاني والبرامج الساخرة، مثل برنامج زياد رحباني الذي تابعه جمهور واسع، موفرة للشباب لحظات تسلية تنسيهم دوي القنابل... إشتهر في إذاعة لبنان شريف الأخوي الذي برع في توجيه المستمعين بتحديده المناطق الخطيرة الواجب تجنّبها. ويزعم بعضهم أنه كان واسع الإطلاع لدرجة أنه كان قادرًا على تنبيه المواطنين مسبقًا إلى أنّ حيّهم سيتعرض للقصف. وفي أحد الأيام، دعا على الهواء مباشرة اللبنانيين من الطرفين إلى التلاقي عند معبر المتحف فأطلقوا النار على الحشد ما أدى إلى مقتل أشخاص مسالمين. وقد اشمأز شريف الأخوي من هذا الحادث لدرجة أنه قررالتخلي عن عمله. وقد اضطر رئيس الجمهورية آنذاك إلى التدخّل شخصيًا لإقناعه بالعدول عن قراره واستئناف مهمته مرشدًا رسميًا للجمهور!