القنصل رودريك الخوري

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى القنصل رودريك أندريه الخوري
دبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين، قنصل لبنان في موسكو.
مواليد بزيزا - الكورة في 10 شباط 1985.
لم تكن الكورة، مسقط رأسه ومرتع طفولته وشبابه فحسب، بل ملهمته الأولى أيضًا في حياته وفي رؤيته الوطنية والقومية، منها استوحى روح الأصالة، وتخمّرت في داخله بواكير الإيمان المسيحي ونزعة الإلتزام الأخلاقي والإجتماعي.
علميًا، لم يكتف بما تقدّمُه له الجامعة من معرفة، بل بحث عميقًا في منجم الحضارة، وامتلك ليس فقط تلك الوقائع التاريخية والحضارية والفكرية بل أيضًا ذاك التوهج المدرك للحقيقة الإنسانية بكل أبعادها وتجلياتها.
يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية، ويلمّ باليونانية والروسية، إضافة إلى تمكنه من قراءة السريانية. أنهى تخصصه الجامعي في تموز العام 2006، مجازًا في الحقوق. تدرّج في مكتب المحامي منير شحاده، في راس بيروت من شباط 2009، سرعان ما لمع اسمه في حقل المحاماة، فصار محاميًا بالاستئناف في مكتب المحامي جورج عبود – جل الديب، عضوًا في نقابة المحامين في بيروت منذ 23 كانون الثاني 2009 . وانتقل إلى الجدول العام 2012.
برزت مع الوقت مقدرته العلمية وسعة اطلاعه وتميّزه لا سيما في المجالات التالية من العمل القانوني، في القضايا التجارية والعقارية والجزائية، وبشكل خاص في قضايا الأحوال الشخصية.
بموازاة ذلك، امتهن التعليم، ودرّس في معهد العلوم في السبتية – البوشرية من 2010 حتى 2015. وتمحور تدريسه حول مواد القانون التجاري والقانون المدني وقانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل لكل من الصفوف التالية BP, BT1, BT2, BT.
كذلك دخل عالم الإعلام، ناشطًا في الصحافة وقد اقترن اسمه بالتحليل السياسي الرصين والثقافة المتمردة على الواقع القابض... ولا تزال بصمات فكره المتنوّر حاضرة في مقالات دوّن فيها تلاوين من حضارة ونهضة.
أخذت الرياضة حيّزًا وافرًا من اهتماماته. وإلى كونه شاعرًا وناقدًا ومدققًا لغويًا وباحثًا ملتزمًا وملمًا بالمخطوطات والآثار، إمتلك ناصية الأدب وغرف من الفكر العالمي وغاص في عالم اللاهوت.
هو رجل الموسوعية الفكرية، تتقاطع لديه اللغات والآداب بشمولية وتزاوج يلامسان العبقرية.
أغنى المكتبة اللبنانية والعربية والمشرقية بباقة من المؤلفات والأبحاث والمقالات، بما في ذلك كتابه الأول بعنوان: "روم المشرق، الهوية واللغة ، بحث تاريخي موثق"، الصادر عن دار الجيل للنشر والتوزيع في آذار 2016. وكتابه الثاني بعنوان: "الدبلوماسية اللبنانية بين الماضي والحاضر، بحث في أبرز الإنجازات والتحديات منذ البدايات إلى اليوم"، منشورات صادر الحقوقية في 2017.
تَبَحَّرَ في الثقافة وامتلك مقدرة ملفتة على التحليل ووضوحًا في التفكير والتعبير والإقناع. شارك في العديد في الدورات التي أصقلت مقدرته المعرفية، لعلّ ابرزها:
دورة حول مهارات القيادةleadership - النهار، مع معالي الوزير زياد بارود.
دورة حول أساليب الكتابة الصحفية، جريدة النهار.
دورة تدريبية للملحقين المتمرنين في السلك الخارجي، المعهد الوطني للإدارة – لبنان.
دورة تدريبية حول الدبلوماسية والاعمال القنصلية في المعهد الدبلوماسي لوزارة الخارجية الصينية.
ترك بحضوره ومداخلاته الكثير من الأفكار التجديدية الإصلاحية.
واكب نشأة الجمهورية الجديدة القائمة من رماد الحرب في وثبة، رأى فيها اللبنانيون عمومًا، نقلة تنسجم وروحية العصر وتَعْبُر آفاقه.
وكما رودريك الخوري علم من أعلام الفكر، كذلك يسعى أن يكون متألقًا في الدبلوماسية. حيث دخل السلك الخارجي بموجب المرسوم الرقم 3527 تاريخ 19/5/2016. وتمّ تعيينه مؤخرًا قنصلاً للبنان في موسكو.
لقد أبى الًا أن يكون، في مجتمعنا، المؤتمن على قيمنا الحضارية. هذا ما يترجمه اليوم نشاطه المشرّف في دنيا الدبلوماسية، كما خبرناه في عالم الحقوق والمحاماة.
تجلّى نشاطه الوطني والإنساني تجلّى في مساهماته الفاعلة في تفعيل عدد من الأندية الاجتماعية والرياضة والثقافية إضافة إلى الجمعيات الخيرية.
دفعته وطنيته والتزامه الإنساني إلى البحث عن موقع يعتليه يجعله في خدمة لبنان الرسالة والحضور، فكانت السياسة موئله والدبلوماسية روحيته.
تولدت لديه قراءة في السياسة ذات بعد نضالي معارض لكل ما يعيق لبنان في رحلة عبوره نحو السلام والرخاء والديمقراطية.
بروحانية أورثذكسية والتزام مسيحي وعمق وطني وترسل إنساني، خاض غمار الحياة واتخذ قراراته في رسم مستقبل إستند فيه على العلم والثقافة والغوص في محيطهما.
في عالم الدبلوماسية غاص، يزاوج بين حقوق الإنسان والرؤية الاستراتيجية. فتميز حضورًا وتألق فكرًا وبرزت ريادته في هذا الحقل معيدًا إلى الأذهان روحية دبلوماسيين لبنانيين تاريخيين كبار عرفتهم الخارجية اللبنانية، تأثّر بهم عميقًا، لعل في طليعتهم د. شارل مالك.
إمتلك في المنجم الدبلوماسي قراءة ذخرت بعمقها التاريخي وبعدها الفلسفي وشموليتها الدولية.
وجاءت كتاباته لاسيما مؤلفه الأخير ليبرز بعض ملامح هذا الفكر المتنور.
في كل الظروف التي يعيشها لبنان اليوم، هو دومًا جزء من الحالة المسيحية السياسية المصرّة على حقّها ودورها وعلى المساواة والإنفتاح والتعاطي الإيجابي في كل أمور الوطن، وعلى ثوابت السيادة والحريات العامة. وما يطبع مسيرته بشكل خاص التصاقه بقضايا الناس ومشاكلهم وهمومهم وآمالهم.
في زمن يتردّى فيه المستوى السياسي الذي يتحكّم بالبلاد، يتحرّك انطلاقًا من قناعاته الوطنية والقومية والإنسانية نحو وطن يعيش فيه الإنسان حياة كريمة متساويًا مع أخيه في المواطنية يحظى بكل حقوقه في ظل من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
حاول من خلال نشاطاته في الميادين الاجتماعية والسياسية سابقًا، أن يثبّت أوثق العلاقات مع كل العائلات الروحية اللبنانية المسيحية والإسلامية، وأن يتابع بدقّة متناهية كل تفصيل يتعلّق بالجماعة المسيحية المشرقية ويدخل الحياة إلى كل مقوماتها ويربط كل خلاياها بما يشبه السلسلة المتينة.
هو يحرص على الإنسان بكل كينونته ويدعو إلى احترام الحريات والتعاطي بعدالة ومساواة مع الأقليات ويرى بأن لكل فرد الحق في أن يكون هو، ما يريده، ما يمثّل من قيم وحضارة وتراث ودين وطائفة ومذهب وإثنية ولغة، بكل ما يحمل من ثقافة وتراكم وذاكرة، كجزء من عالم متنوّع.
في حركة الدبلوماسي رودريك الخوري تطلّع نحو تمتين أسس قيام الدولة المستقلة وتطوير مفهومها وأدائها وتصحيح العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتتويجها بالشفافية والموضوعية والتمثيل الصحيح.
تجذره في الروحية المسيحية المشرقية وانفتاحه المتزن على الأيديولوجيات التي اجتاحت العالم قاطبة والتي حطّت رحالها في بلاد الأرز، وتلمسه غنى الحضور اللبناني وجوهر الهوية اللبنانية، عوامل ثلاثة صقلت شخصيته وأسهمت في بلورة رؤيته الوطنية والقومية والإنسانية. فإذا به يلتزم بقضية لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه، وواحة للديمقراطية والحرية المسؤولة، ومنبرًا للحداثة والإبداع.
(إعداد: أنطوان فضّول)