الشيخ يوسف عمرو
في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى فضيلة القاضي الشيخ د. يوسف عمرو
ولد في فتوح كسروان حيث التاريخ يلملم أهدابه بخفر، والجغرافيا تحفظ عذريتها، والطبيعة تنبض بالحاة وتهنأ في السكينة وقد تحررت من عبئية الفوضى وسموم التلوّث وهمجية العمران العشوائي.
في هذه الناحية المسالمة من لبنان حيث تتقاطع الثقافتان الإسلامية والمسيحية، وحيث النزعة إلى الروحانيات تغلب الحس المادي، نشأ وترعرع في كنف عائلة ملتزمة قبلة الدين، وأحكام الشرع الإلهي.
لم يكد ينهي دراسة الصف السادس الثانوي في ثانوية بيروت العالية حتى التحق في العام 1967 بالمعهد الشرعيّ الإسلامي في برج حمّود-بيروت يدرس على يد آية الله العظمى المرجع السيّد محمد حسين فضل الله وسواه من علماء الطائفة الشيعية، وذلك لغاية نهاية العام الدراسي 1971، تاريخ سفره إلى العراق والتحاقه بالحوزة الدينيّة في النجف الأشرف لسبع سنوات أغناها بالتبحّر بعلم الشريعة والفقه والغوص في مناجم الفكر الإسلامي الشيعي الأصيل تحت إشراف كبار أئمّة الشيعة في القرن العشرين، بمن فيهم آيات الله العظمى السيّد أبو القاسم الخوثي، والشهيد السيّد محمد باقر الصّدر، والسيّد حسين بحر العلوم والشهيد السيّد محمد محمد صادق الصّدر، والسيّد محمد سعيد الحكيم.
بعد مرحلة مشبعة بالدراسة الجامعية المعمّقة، حصد جنى وفيرًا في الإجازات والكفاءات والدكتوراه والأستاذية والأهليات العليا، فبالإضافة إلى تسع إجازات في علمي الدراية والحديث نالها من النجف الأشرف، ومن إيران، ولبنان، حاز تسع إجازات أخرى في الأمور الحسبيّة الشرعية من كبار مراجع المسلمين الشيعة في النجف الأشرف، وإيران، ولبنان، على امتداد خمسة وثلاثين عامًا من التبليغ الديني في بلاد جبيل وكسروان، ومناطق لبنانية أخرى.
يختزن من العلم والثقافة ما جعله مرجع ثقة ومصدر حكمة ومنجم معرفة في أمور الدين والدنيا.
خلال وجوده في العراق طاردته المخابرات العراقية، ما دفع بالمسؤولين الروحيين عنه إلى دفعه نحو العودة إلى لبنان، فعاد في العام 1978 وكانت الحرب في لبنان قد قطعت أوصال بلاد الأرز وباعدت بين أبناء الوطن الواحد وكانت قضية اختفاء الإمام موسى صدر تتفاقم وتداعياتها تتمدد على طول مساحة الجغرافيا اللبنانية وفي العالم العربي والإسلامي والمجتمعات الشيعية.
عرف الشيخ عمرو كيف يتعاطى مع كل هذه التحولات بحكمة ومسؤولية.
يعتبر سماحة القاضي الشيخ الدكتور يوسف محمد عمرو من كبار الأئمة المجددين في لبنان والعالم الإسلامي وفي الطائفة الشيعية. لمساته واضحة على الكثير من المناحي التي خدمت حقوق الإنسان وألهمت الباحثين عن حوار بين الحضارات والشعوب.
عُرف عنه قربه من الفقراء، فقد خاض لعقود في مشاكل الناس وسعى إلى مزاوجة الشرع الإلهي بالحاجات اليومية والمشاكل الإجتماعية. وقد جذب إليه أبناء الطبقات غير الميسورة.
نجح في ترجمة الرسالة الدينية إلى لغة العصر فإذا بآرائه تجيب عن تساؤلات الشباب وتنير سبيلهم في الحق والكرامة والعدالة.
سعى في كل أحكامه من أجل إحقاق الحق.
مدّ الفكر الإسلامي بالكثير من الإجتهادات الكلامية والفقهية.
هو رائد في المساهمة في إطلاق الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان.
على يديه أزهرت بواكير الخير والعطاء التي لامست كل الميادين. تربويًا أسس مدرسة المعيصرة الرسمية في مطلع الثمانينيات وأطلق العديد من المؤسسات العلمية والثقافية والإجتماعية التي أنعشت قريته وأضاءت على مختلف قرى بلاد جبيل وكسروان.
مكافأة لجهوده هذه، وتجاوبًا مع إلحاح أهالي بلدة المعيصرة، أصدر وزير الصحة العامة علي حسن خليل قرارًا بتسمية مستوصف المعيصرة الخيري، مستوصف القاضي الدكتور يوسف محمد عمرو في 25/8/2012. وأطلق وزير التربية والتعليم العالي من جهته اسمه على ثانوية المعيصرة الرسمية، فباتت تعرف بثانوية القاضي الدكتور يوسف محمد عمرو الرسمية من تاريخ 2/10/2013.
إجتماعيًا، إنتخب رئيسًا للجمعية العائلية للأعمال الخيرية لعائلة آل عمرو في المعيصرة منذ العام 1980. فتابع من خلالها شؤون أفراد العائلة الإجتماعية ونظّم الروابط فيما بينهم وتابع همومهم وتواصل مع أكثرهم.
أسس في السنة 1982، جمعية زهرة البقاع الخيرية الإسلامية في بلدة علي النهري، وفي السنة 1986، المؤسسة الخيرية الإسلامية لأبناء جبيل وكسروان. هذا وقد أبصرت النور على يديه الرابطة الثقافية في جبيل في السنة 1999.
مسيرة طويلة سارها ومسؤوليات جمّة تولاها، في زمن الإنحدار الوطني، هيّأت لحركة نهضة صامتة ساهمت في إحاطة الواقع اللبناني بهالة دفاعية صلبة وأسست لانطلاقة جديدة تنسجم مع تطور الحداثة من جهة والتمسّك بالقيم الإسلامية من جهة ثانية وإرث لبنان الحضاري من جهة أخرى.
منذ العام 1984، وهو ركن من أركان القضاء الشرعي الجعفري في لبنان بإجازة من آية الله السيد عبد الرؤوف فضل الله، وقد عُيّن في ملاك المحاكم الشرعية في العام 1985، وكان شارك في تأسيس تجمّع العلماء المسلمين في السنة 1982.
مارس مهماته الشرعية في جبيل ثم في جباع ثم في الهرمل ثم في مرجعيون ثم في جويا ليعود مجددًا إلى جبيل.
كُلّف مهمة الإمامة في مدينة جبيل، واعتُمد كمستشار في المحكمة الشرعية الجعفرية العليا لسنوات عدّة.
إلى ذلك انتخب عضوًا في الهيئة العامة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وانتدب عضوًا في تجمّع العلماء المسلمين في لبنان.
في مسؤوليته وحضوره، عكس صورة المرجعية الحكيمة والهادئة والرصينة. هيمنت الواقعية والموضوعية على أفكاره.
لمساته واضحة في الكثير من القرارات التي اتخذها كل من المجلس والتجمّع والتي أثمرت خيرًا جنى ثماره كل الشعب اللبناني.
بصماته شديدة البروز في سجل القضاء الشيعي، وصدى أحكامه يحكي اعتداله وإنصافه زنزاهته المترفعة.
رغم موقعه المسؤول داخل الطائفة الشيعية ومرجعيته الشرعية، لم يرض إلا أن يكون قريبًا من جميع اللبنانيين.
تألّقُ فكره المتحرر إلى جانب تجلّي رسالته الدينية. فبرز في اتحاد الكتّاب اللبنانيين، وفي اتحاد الكتّاب العرب، كما في الإتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن العربي.
إستحق على عطاءاته الفكرية عضوية شرف في مجمع نهج البلاغة العالمية.
أسس مجلة "إطلالة جبيلية" وترأس تحريرها وأغنى المكتبة اللبنانية والإسلامية بمجموعة من المؤلفات التي خاطب بها روحية القرن العشرين وجعل الفكر الإسلامي يواكب العصر ويجيب عن تساؤلاته.
من أهم مؤلفاته المطبوعة:
1. أبو تراب: الطّبعة الخامسة ـ دار المؤرخ العربيِّ ـ بيروت ـ 2001م. قدَّم له شعراً آية الله الشّيخ حسن طرَاد, والرّئيس اللبنانيِّ الرّاحل شارل حلو.
2. فاطمة الزّهراء وقصائد أخرى ـ مؤسسة الأعلميِّ للمطبوعات ـ بيروت 1977م.
3. المدخل إلى أصول الفقه الجعفريِّ ـ قدَّم له آية الله الشهيد السيِّد مُحمَّد الصّدر (قده), الطّبعة الثّانية دار المنهل اللبنانيّ ـ بيروت 2006م.
4. أضواء على المسلمين في بلاد جبيل وكسروان. بالاشتراك مع الدّكتور أحمد محمود سويدان, قدّم لهما الدّكتور سلمان عيتاوي. المؤسسة الخيريَّة الاسلاميَّة لأبناء جبيل وكسروان ـ بيروت ـ 1987م.
5. مسرحية عن دعبل بن عليِّ الخزاعي ـ دار الصّفوة ـ بيروت ـ قدَّم له, وأخرجها الاستاذ رامي أحمد كنعان ـ سنة 2002م.
6. المسيح الموعود والمهديُّ المنتظر عليهما السَّلام. الطّبعة الثّانية ـ قدَّم له المطران جورج صليبا. دار المؤرخ العربيّ ـ بيروت ـ سنة 2002م.
7. الموجز في علمي الدّراية والحديث ـ دار المؤرخ العربيّ ـ بيروت 2001م.
8. سنابل الزمن وهي القسم الاوّل من ديوان شعره المنثور في العقيدة, والمنهج, والحياة, دار الصّفوة ـ بيروت . سنة 2002م.
9. الوحدة الإسلاميَّة في مواجهة التّحديات ـ النّجف الأشرف نموذجاً ـ منشورات دار المنهل اللبنانيِّ ـ بيروت ـ سنة 2004م.
10. التّذكرة أو مذكرات قاضٍ وهي ثلاثة أجزاء. منشورات المؤسسة اللبنانيّة للإعلان ـ بيروت ـ سنة 2004
11. المدخل إلى علم الحديث في السُّنَّة النّبويَّة الشّريفة ـ منشورات دار المنهل اللبنانيِّ ـ بيروت ـ سنة 2006م.
12. صفحات من ماضي الشّيعة وحاضرهم في لبنان ـ منشورات دار المحجّة البيضاء ـ بيروت سنة 2006م.
13. علماء عرفتهم ـ منشورات دار المحجَّة البيضاء ـ بيروت سنة 2006م.
14. المهديُّ المنتظر بين الحقيقة والخيال ـ الطبعة الثانية ـ قدّم له المونسنيور جوزف مرهج ـ منشورات دار المحجَّة البيضاء ـ بيروت سنة 2008م.
15. أهل البيت (عليهم السَّلام) بنظرة وحدوية حديثة ـ منشورات دار المحجة البيضاء ـ بيروت ـ سنة 2008م.
16. الشعائر الحسينيّة عند الشيعة الإماميّة. (الطبعة الثانية)، منشورات دار الصفوة. بيروت ـ سنة 2012م.
17. الديانة الخاتمة والتحديات الراهنة. منشورات دار المحجة البيضاء ـ بيروت ـ سنة 2012م.
18. مجموعة كلمات ومحاضرات وبيانات متفرقة في مجلات وصحف لبنانيَّة, وغير لبنانيَّة, شارك في بعض المؤتمرات والندوات الثقافيَّة, والإسلاميَّة داخل لبنان وخارجه.
19.مجموعة البحوث والكتب التي صنّفها وقدمها للإتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربيّة خارج الوطن العربي(40) كتاباً وبحثاً نال بها، دكتوراه الإبداع في فقه القضاءِ واليراع في 18/1/2006م.
(إعداد: أنطوان فضّول)