جرجي زيدان

أديب مفكر لبناني، يعد رائدًا من رواد تجديد علم التاريخ واللسانيات، وأحد روّاد الرواية التاريخية العربية، وهو لغوي إمتلك ناصية العربية فأخضعها للحداثة، وبرز أحد أخصب مؤلفي العصر الحديث إنتاجًا.
عالم موسوعي تعمّق في شؤون الإجتماع والعمران

مؤرّخ غزير الإنتاج تبحّر في حضارات الشرق وإنجازات أديانه،
مجاهد مثابر على العمل بنفس رسولي،
منارة شعّت في دنيا العرب علمًا للجميع،
وهو علم من أعلام النهضة الصحفية والأدبية والعلمية الحديثة في العالم العربي،
إنطاكي مسيحي أورثذكسي، محب للإسلام حضارة ودينًا وتاريخًا،
لبناني أحبته أرض الكنانة وكل أقطار العرب.
ولد في بيروت العام 1861 م. لأسرة مسيحية فقيرة. عمل في البداية مساعدًا لوالده في المطعم الذي كان يمتلكه حيث تعرف على صحفيين ومثقفين وأكاديميين فأشعلوا فيه شغفًا للعلم والمعرفة والثقافة والأدب.
لم يُكمِل تعليمه بسبب الظروف المعيشية الصعبة، إلا أنه أتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وقد عاود الدراسة بعد ذلك، وانضم إلى كلية الطب، لكنّه عدل عن إكمال دراسته فيها، وانتقل إلى كلية الصيدلة، وما لبث أن عدَل عن الدراسة فيها هي الأخرى، ولكن بعدَ أن نال شهادة نجاح في كل من اللغة اللاتينية والطبيعيات والحيوان والنبات والكيمياء والتحليل.
سافر إلى القاهرة، وعمل صحفيًا محررًا مديرًا لجريدة "ألزمان" اليومية وكان يمتلكها رجل أرمني الأصل وكانت الصحيفة الوحيدة في القاهرة بعد أن أوقف الإستعمار البريطاني جميع الصحف. انتقل بعدها للعمل مترجمًا في مكتب المخابرات البريطانية بالقاهرة العام 1884 م، ورافق الحملة الإنجليزية المتوجهة إلى السودان لفك الحصار الذي أقامته جيوش المهدي على القائد الإنكليزي "غوردون". عاد بعدها إلى وطنه لبنان السنة 1885، وانضم إلى المجمع العلمي الشرقي الذي أنشئ العام 1882، وتعلم اللغة العبرية والسريانية فألف كتاب "فلسفة اللغة العربية" السنة 1886.
سافر إلى لندن، وتردد على مكتباتها ومتاحفها ومجمعاتها العلمية، واجتمع بكثير من المستشرقين الذين كان لهم أثر كبير في تكوينه الفكري، ثم عاد إلى القاهرة ليتولى إدارة مجلة "ألمقتطف" لسنة ونصف، ثم يقدم استقالته ليعمل في تدريس اللغة العربية في المدرسة العبيدية الكبرى لمدة عامين، ثم قرر إلى جانب نجيب متري إنشاء مطبعة خاصة، لكن الشراكة لم تستمر أكثر من عام، فانفصلا واحتفظ زيدان بالمصبعة وأصدر مجلة "ألهلال" التي كان يقوم على تحريرها بنفسه، وعندما كبر ابنه إيميل صار يساعده في ذلك. صدر العدد الأول من المجلة في العام 1892 وأصبحت بعد خمس سنوات من أوسع المجلات انتشارًا وأكثرها شهرة في مصر والعالم العربي.
بالإضافة إلى غزارة إنتاجه كان متنوعًا في موضوعاته: حيث ألّف في العديد من الحقول المعرفية: كالتاريخ والجغرافيا والأدب واللغة والروايات. وعلى الرغم من أن كتابات "زيدان" في التاريخ والحضارة جاءت لتتجاوز الطرح التقليدي السائد في المنطقة العربية والإسلامية آنذاك، والذي كان قائمًا على اجترار مناهج القدامى ورواياتهم في التاريخ دون تجديد وإعمال للعقل والنقد: فإن طرحه لم يتجاوز فكرة التمركز حول الغرب الحداثي (الإمبريالي آنذاك): حيث قرأ التاريخ العربي والإسلامي من منظور إستعماري (كولونيالي) فتأثرت كتاباته بمناهج المستشرقين، بما تحمله من نزعة عنصرية في رؤيتها للشرق، تلك النزعة التي أوضحها بعد ذلك جليًا المفكر الأميركي الفلسطيني المولد "إدوارد سعيد" في كتابه الإستشراق".
كان جرجي زيدان ينكب على القراءة والتدوين ست عشرة ساعة متوالية في اليوم، مكتفيًا من النوم بأربع ساعات في أخريات حياته، رحل عن عالمنا في مساء يوم الثلاثاء 27 شعبان 1332 ه. الموافق 21 يوليو 1914، وهو بين كتبه وأوراقه، ورثاه حينذاك كثير من الشعراء أمثال: أحمد شوقي، خليل مطران، حافظ ابراهيم.
مؤلفاته
في التاريخ والجغرافيا:
تاريخ مصر الحديثة
تاريخ الماسونية والتاريخ العام
تاريخ إنكلترا، تاريخ اليونان والرومان، جغرافية مصر وطبقات الأمم وغيرها...
العرب قبل الإسلام
تاريخ التمدن الإسلامي – خمسة أجزاء
تاريخ مصر الحديث – جزءان
في اللغة وآدابها:
الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية
تاريخ آداب اللغة العربية
في القصة التاريخية:
كتب عشرين قصة تستعرض التاريخ الإسلامي في مختلف أطواره:
فتاة غسان – أرمانوسة المصرية – عذراء قريش – 17 رمضان – غادة كربلاء – الحجاج بن يوسف – فتح الأندلس – شارل وعبد الرحمن – أبو مسلم الخراساني – العباسة أخت الرشيد – الأمين والمأمون - عروس فرغانة – أحمد بن طولون – عبد الرحمن الناصر – فتاة القيروان - الإنقلاب العثماني – صلاح الدين – شجرة الدر – أسير المتمهدي – المملوك الشريد – استبداد المماليك – جهاد المحبين.
تُرجمت رواياته إلى الفارسية والتركية والأذربيجانية.
جرجي زيدان نموذج المثقف الموسوعي الذي فهم نسغ الحداثة، فأطلق "هلاله" شمسًا تغذي النخب المثقفة على امتداد العالم العربي بالعلم وبمناهج البحث الحديثة، ولا شك في أن كل متعلّم أو مثقف في لغة الضاد يحمل لصاحب "ألهلال" ولمجلة "ألهلال" كل التقدير والإحترام.