السفير فريد سماحة

في إطار برنامج أعلام من بلاد الأرز، تحيّة شكر وتقدير من أنطوان فضّول إلى السفير فريد سماحة
والده خليل سماحة والدته لور طعمه.
متأهل من ماريا الياس ولهما ابنة وحيدة سمر زوجة المهندس ناجي هبر.
حائز الهومايون من شاه إيران ووسام ضابط أعلى من رومانيا، وشهادات مواطن شرف لمدينة "داليان" الصينية وحاكم شرف لولاية شاندونغ - الصين ومدير شرف لمدرسة لبنان في "شاندونغ" – الصين.
أوسمة وشهادات لم ينلها السفير فريد سماحة وحده، بل هي الدبلوماسية اللبنانية برمتها قد نالتها من خلال سيرة هذا الدبلوماسي الشفاف ونشاطه الكبير بعطاءاته. وهو يتقن إلى العربية اللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والبرتغالية.
تلقى دراسته في الانترناشيونال كولدج، أما تخصصه الجامعي فأنجزه خارج لبنان، في جامعة الأرجنتين الوطنية، حائزًا إجازة في العلوم السياسية والاجتماعية.
في زمن ارتدى فيه لبنان ثوب سويسرا الشرق وصبت في مصارفه ثروات العالم العربي وأموال اللبنانيين المنتشرين في كل أنحاء العالم، وفي مرحلة كان الازدهار الاقتصادي عنوانها، لم تجذبه المادة ولم تغره الثروات. وفي جو يعبق بالتجاذبات السياسية، لم يشدّه إليها أي من الأحزاب والزعامات والشعارات.
في تلك المرحلة الدقيقة والمحورية من تاريخ لبنان، اختار الدبلوماسية، يعيش في ظلها قناعاته الوطنية، إيمانًا منه برسالة لبنان الحضارية وموقع أبنائه الريادي في مسيرات الأمم، وقناعة لديه أيضًا بأن الثقافة والفكر هما الثابتان الأساسيتان اللتان تَبقيان وتُبقيان معهما المجتمع على حيويته ونموه وازدهاره، أما الاهتمامات الأخرى فهامشية في حياة الأوطان، لا بل قد تؤسس لبركان قادر أن يفجر كل الوطن.
تخرّج من المعهد العالي للإدارة في السنة 1967، وتعيّن في المراكز الدبلوماسية التالية: الأرجنتين والبرازيل وإيران حيث عايش عهد الشاه، وفرنسا في مرسيليا، وريو دي جانيرو في البرازيل حتى العام 1980 حين رُفّع لدرجة مستشار، ثم لدرجة سفير في العام 1982.
لقد اختار الدبلوماسية مهنة سامية، حيث يجنح في كل مناحي تفكيره نحو المصلحة العامة والمثل الروحية والإنسانية.
من 1983 حتى 1985 عًيّن مديرًا عامًا للمراسم والعلاقات العامة في رئاسة الجمهورية في بعبدا. فتولى مقدرات شديدة الحساسية، إستطاع من خلالها أن يثبت كفاءته وأهليته.
على تقاطع خطوط الأيديولوجيا، وفي وسط التناحر الدولي والتسابق على الهيمنة على اقتصاد الشرق وخيراته والتحكم بمصائر شعوبه، لم يقف على الحياد، بل دافع بحكمة عن القضايا اللبنانية.
في جعبته اكتناز ذكريات ربيعية تراكمت بفعل تجواله على مساحة الكرة الأرضية.
بوعي مبكر لواقع الحضور اللبناني في العالم وحقيقة حجمه ودوره آمن بدور ريادي للبنان كرسالة إنسانية وساحة للأخوة العربية ومنبر للفكر الحر. بهذه الروحية الوطنية، شارك بصفة مندوب للبنان في مؤتمرات دولية عدّة أبرزها: مؤتمر مجموعة الـ77، والمؤتمر الآسيوي للإعلام، والمؤتمر الآسيوي لوزراء العمل، ومؤتمر دول عدم الانحياز.
أما المرحلة الثانية من حياته الدبلوماسية، فقد احتلت فيها جمهورية الصين الشعبية الصدارة، حيث عُيّن سفيرًا للبنان فيها، مطلق الصلاحية، في العام 1985.
جذبت مصداقيته ونفسه المترفعة وسعة اطلاعه وشخصيته المسؤولة أنظار القادة في الصين.
من موقعه المتقدّم هذا، واكب الجالية اللبنانية الصغيرة الموجودة هناك، فعزز موقعها ونظم صفوفها وعايشها في حركتها الصاعدة حيث على يديه نمت وازدهرت وباتت تحتل موقعها المميز في الاقتصاد اللبناني.
كما في الصين كذلك في لبنان، تعاطى مع الجالية الصينية كالأب المحب والحكيم، رافقها في رحلة عبورها في نفق الحرب اللبنانية، مدافعًا عن حقوقها وساهرًا على مصالحها بأمانة، مرسّخًا لعلاقة الأخوة بين الشعبين فنال ثقتهم.
تحفظ له المكتبة اللبنانية والدولية ثلاثية مؤلفات فتحت مسارًا جديدًا للبنان نحو العالمية. إذ ظهر له في اللغة الإسبانية: الدستور اللبناني ترجمة وتحليل قانوني، نشر في الأرجنتين في السنة 1963. وفي اللغة البرتغالية: تاريخ لبنان، نشر في الريو دي جانيرو في السنة 1982. كما أصدر مذكراته في كتاب يحمل العنوان "مسيرتي الدبلوماسية"، صادر في السنة 2009 عن دار النهار للنشر باللغة العربية.
في فترة وجوده في الصين، وبصفته رئيسًا لمجلس السفراء العرب، ترأس ثلاث مجموعات من السفراء، مشرفًا على وضع دراسات تناولت مواضيع دولية شديدة الاهمية كمنع انتشار الأسلحة النووية، وعلاقات العالم العربي والصين، ومركز القرار في جمهورية الصين الشعبية.
حكمة المسؤول وديناميكية الدبلوماسي، عاملان بارزان في شخصية السفير فريد سماحة جعلاه يحظى باحترام مزدوج إن من جهة المسؤولين اللبنانيين أو من جهة المسؤولين الصينيين، فاعتُمِدَ عليه في مختلف المسائل والشؤون واستحق عن جدارة أن يمثل وطنه لبنان أشرف تمثيل وأن يكون للشعب الصيني خير صديق.
إلى مزايا الدبلوماسي الناجح يتمتع بصفات اخلاقية عالية. فهو من ذوي الثقافة والادب والمناقب التي تجعل منه نسيج وحده في العلم والوفاء والفطنة والذكاء والصدق والوطنية.
حياته مغمورة بالسمعة الطيبة والخدمات الوطنية والإنسانية التي حققها أثناء تمرسه بالحياة الدبلوماسية.
جمع بين رشاقة الدبلوماسية ورهافة الفكر الحر. هادئ على توهج عطاء.
عمل كصاحب رسالة... وفي طليعة همومه إغناء الفكر اللبناني عن طريق التلاقح الثقافي من تراثات الآخرين.
لبنان عنده ليس أفقًا جغرافيًا أو ديمغرافيًا فقط بل حضور بارز في كل ما هو ثقافي.
يوم تولى حقيبته الدبلوماسية في الصين، شدد على تنمية العلاقات الثقافية بين البلدين، فكوّن مجلسًا مع أساتذة صينيين ناهز عددهم المئتين، متمكنين من اللغة العربية، عمل معهم على ترجمة مؤلفات لكبار الادباء اللبنانيين إلى اللغة الصينية إسهامًا في تعريف الإنتلجنسيا الصينية على الفكر اللبناني. أثمرت جهوده ترجمة إلى الصينية لما يقارب الأربعين مؤلفًا لجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه وأمين الريحاني وتوفيق يوسف عواد وأمين معلوف وسواهم...
لم يخطف منه التقاعد روحه المعطاءة، بل شارك بفعالية في تأسيس الرابطة اللبنانية للصداقة والتعاون، كما انضم إلى منتدى سفراء لبنان وترأس اللجنة الاجتماعية والعلاقات العامة. ثم توجه مسيرته بنشره لمذكراته في السنة 2009 كما أشرنا سابقًا.
هو علم من أعلام الفكر والدبلوماسية. شارك منذ البدايات الأولى في تكوين الإدارة المركزية من خلال موقعه في وزارة المالية أولاً وفي وزارة الخارجية لاحقًا.
لقد أبى إلاّ أن يكون في مجتمعنا المؤتمن على قيمنا الحضارية. هذا ما ترجمه نشاطه المشرّف في عالم الدبلوماسية وهذا ما يدل عليه حضوره الفاعل اليوم في منتدى سفراء لبنان، الذي يستوحي من أفكاره وتاريخه ونشاطه توجهًا يخدم المصلحة اللبنانية ويعيد إلى لبنان دوره وموقعه ورسالته.
رافق، منذ عقود من الزمن، حركة الدبلوماسية اللبنانية في نشأتها وتطورها المحرور، وكان حريصًا طوال هذه الفترة على خدمة الهوية اللبنانية وحضارة لبنان وتظهير صورته الفريدة بين دول العالم كواحة للانفتاح والتنوع والتضامن الإنساني.
(إعداد: أنطوان فضّول)