اليونيفيل والتجاذبات المحلية والإقليمية والدولية

أسس مجلس الأمن الدولي قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أو «اليونيفيل»، بموجب القرارين «425» و«426» في 19 مارس (آذار) 1978، وتمّ توسيع ولاية البعثة بموجب القرار «1701» بعد حرب عام 2006.
في 31 آب 2022، جدد مجلس الأمن الدولي تفويض قوّات «اليونيفيل» لسنة واحدة، وتضمن قراره تعديلاً يتعلق بحركة القوات، لناحية منحها حرية الحركة من دون تنسيق مع الجيش اللبناني، ما أثار انتقادات صدر أبرزها عن «حزب الله»، فيما تحركت الحكومة اللبنانية لاحقًا لإلغاء التعديل السابق، رافضة الصيغة المتداولة كونها «لا تشير إلى ضرورة وأهمية تنسيق اليونيفيل في عملياتها مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني، كما تنصّ اتفاقية عمل اليونيفيل المعروفة بالـ(SOFA)»، وفق ما ورد في بيان أصدرته وزارة الخارجية اللبنانية.
وأثارت مسودة قرار التمديد للبعثة الدولية انقسامًا في لبنان، ورفض «حزب الله» مسودة مشروع القرار التي تجري مناقشتها في مجلس الأمن الدولي. وقال أمينه العام حسن نصر الله : «مشكورة الحكومة اللبنانية سعيها لتصحيح خطأ العام الماضي الذي أعطى الحرية الكاملة لليونيفيل للتحرك من دون تنسيق وإذن، ونشد على أيدي الحكومة اللبنانية، ونأمل أن تُوفق لإجراء هذا التعديل». وأضاف «هذا يتعلق بالكرامة الوطنية، وأهل الجنوب لن يسمحوا بتطبيق قرار بالرغم من رفض الحكومة اللبنانية له».
وتنظم «اليونيفيل» نحو 430 دورية يوميًا في مناطق عملياتها، لكن الجيش لا يستطيع مواكبتها بالكامل، بالنظر إلى أن عديده في المنطقة لا يسمح له بمواكبتها في جميع الدوريات، ويجري اختيار المواكبة في المناطق التي يحتمل أن تشهد توترات مع السكان أو القوى المحلية، وفق الأولويات التي تتناسب مع قدرة الجيش على الانتشار.
وخلافاً للسنوات الماضية التي سبقت التعديل، لم يُسجل أي توتر بين البعثة الدولية والسكان والقوى المحلية الموجودة في منطقة جنوب الليطاني خلال العام الماضي، حيث وُثقت حادثة واحدة تمثلت في مقتل جندي آيرلندي في منطقة العاقبية في شمال الليطاني، أي خارج منطقة عمليات «اليونيفيل».
يوم الأربعاء 30 آب 2023، أدت التباينات بين أعضاء مجلس الأمن إلى إرجاء التصويت الذي كان مقرراً على مشروع قرار أعدته فرنسا لتمديد مهمة القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان «يونيفيل»، في محاولة للتوصل إلى توافق.
وقد انضمت بريطانيا والإمارات العربية المتحدة وألبانيا إلى الولايات المتحدة في الاعتراض على فقرة في مشروع القرار الفرنسي تتعلق بحرية حركة «اليونيفيل» في منطقة عملياتها، في مقابل البرازيل وروسيا واليابان وسويسرا، وهذا الانقسام يهدد بإسقاط القرار بالتصويت اذا لم يتم الاتفاق المسبق على صيغته.
يوم الثلاثاء 19 آذار 2024، جددت قيادة بعثة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) الدعوات لجميع الأطراف الفاعلة لإلقاء أسلحتهم، وإعادة الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي «1701»، والعمل نحو حلّ سياسي ودبلوماسي، وسط قصف متبادل بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، وتحريض إسرائيلي على عناصر الدفاع المدني والمسعفين في الجنوب، بالقول إن المقاتلين يستخدمون سيارات الإسعاف في الجنوب.
وفي نيويورك، قدّمت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا إحاطة إلى مجلس الأمن، حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 (2006) وذلك في أثناء جلسة مشاورات مجلس الأمن المغلقة لمناقشة أحدث تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تطبيق القرار 1701.
يتقاطع هذا الإجتماع مع إحتفالية الذكرى السادسة والأربعين لتأسيس «اليونيفيل» التي أقيمت في الجنوب اللبناني.
من جهته، قال رئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو: «لقد واجه القرار (1701) تحدّيات بسبب الأحداث الجارية، لكنه يظلّ ذا أهمية وضرورة كما كان دائماً. إننا ندعو جميع الأطراف إلى الالتزام بتنفيذ القرار بالكامل. إن جنودنا من حفظة السلام، الذين يزيد عددهم عن 10.000 جندي، يواصلون عملهم المهم في المراقبة وخفض التصعيد والارتباط، ونحن على استعداد لدعم التوصّل إلى حلّ سلمي للأزمة الحالية».
ولم تقم البعثة هذا العام حفلها السنوي في مقرّها العام في الناقورة؛ إذ يركّز حفظة السلام على إنجاز مهمتهم وسط خروقات وقف الأعمال العدائية وخرق القرار «1701» على طول الخط الأزرق. ومع ذلك، وجّه الجنرال لاثارو التحية إلى حفظة السلام المدنيين والعسكريين الذين خدموا مع البعثة على مرّ السنين، بما في ذلك أكثر من 330 شخصاً لقوا حتفهم أثناء خدمة السلام.
وتابع لاثارو: «إن تضحية أولئك الذين فقدوا حياتهم هنا لم تذهب سدى، وجهودنا اليوم، في هذه الظروف الصعبة للغاية، هي بمثابة تكريم لذكراهم. إن تضحياتهم تحفّزنا على مواصلة عملنا نحو وقف التصعيد على المدى القصير، والسلام على المدى الطويل».
كما أشاد بالعمل الذي يقوم به أكثر من 10 آلاف جندي حفظ سلام من 49 دولة، والذين، إلى جانب زملائهم المدنيين، وعلى الرغم من التبادل اليومي المتواصل لإطلاق النار، حافظوا على مسارهم في مراقبة الوضع الذي يتطور بسرعة في جنوب لبنان، وحافظوا على وتيرة عملياتية عالية وعلى الحضور المرئي، وواصلوا مساعدة المجتمعات المحلية.
ويأتي الاحتفال بتأسيس «اليونيفيل» في ظل حرب متواصلة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي؛ إذ يعمد الجيش الإسرائيلي منذ أسبوع، إلى تدمير كلي لعدد من البلدات الجنوبية وتهجير سكانها وانعدام سبل العيش فيها، خصوصاً القرى المتاخمة للخط الأزرق والحدود مع شمال إسرائيل، حسبما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية.
وفي الإطار نفسه، قدمت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا، ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا، إحاطة إلى مجلس الأمن حول تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم «1701» (2006)، وذلك أثناء جلسة مشاورات مجلس الأمن المغلقة.
وأعربت المنسقة الخاصة عن «قلقها العميق إزاء التصعيد في تبادل إطلاق النار على جانبي الخط الأزرق، وفيما وراءه»، قائلةً إن «هذه الانتهاكات المتكررة للقرار (1701) تزيد من مخاطر سوء التقدير، كما تفاقم التدهور في الوضع الحرج الحالي».
وتوجّهت المنسقة الخاصة للمجلس بالقول: «إنه في ظل أولوية منع وخفض التصعيد على جدول أعمالنا، يجب أن يكون تركيزنا الجماعي ودعوتنا وضغطنا مركزاً في المقام الأول للحثّ على العودة إلى وقف العمليات العدائية»، مضيفةً أنه لا يزال هناك مجال للجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى حل يمنع اندلاع صراع أوسع نطاقاً.
وأعربت المنسقة الخاصة عن أسفها بشكل خاص لتأثير القتال على المدنيين، وقالت إن الوضع الحالي «يسلط الضوء على المخاطر التي يجلبها التنفيذ المنقوص للقرار (1701) على لبنان وإسرائيل وعلى استقرار المنطقة بأسرها». ورأت أنه «لم يعد كافياً العودة إلى الهدوء والاستقرار النسبيين اللذين سادا قبل 8 أكتوبر (تشرين الأول)»، عادّة أن «عملية سياسية ترتكز على التنفيذ الكامل للقرار (1701) وتهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، أصبحت ضرورية».
الى ذلك، رأت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتيسكا ورئيس بعثة "اليونيفيل" وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو في بيان مشترك صدر يوم الإثنين 9/4/2024، أنّ "الدورة المتواصلة من الضربات والضربات المضادة في خرق لوقف الأعمال العدائية تشكّل أخطر انتهاك للقرار 1701. واعتبرا أنّ "التوسّع التدريجي في نطاق وحجم المواجهات إلى ما وراء الخط الأزرق يزيد بشكل كبير من مخاطر سوء التقدير ويؤدي إلى مزيدٍ من التدهور في الوضع الذي هو أصلاً مثير للقلق".
وشدّد البيان على أنّ "العنف والمعاناة استمرّا لوقت طويل جدًا، ويجب أن يتوقّفا. إننا نناشد كل الأطراف بشكلٍ عاجل إعادة التزام وقف الأعمال العدائية في إطار القرار 1701 والاستفادة من كل السبل لتجنّب المزيد من التصعيد، بينما ما زال هناك مجال للجهود الديبلوماسية". واكّد أنّ "من الضروري أيضًا التركيز من جديد على الهدف الشامل المتمثل في وقف دائم لإطلاق النار وإيجاد حلّ طويل الأمد للنزاع"، لافتاً إلى أنّ "العملية السياسية، التي ترتكز على التنفيذ الكامل للقرار 1701، التي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للنزاع وضمان الاستقرار على المدى الطويل، باتت ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى. وإنّ الأمم المتحدة مستعدة بالكامل لدعم تلك الجهود".
على الصعيد الميداني في الجنوب، كان التطور البارز يوم الأحد ١٨ اب ٢٠٢٤، في اعلان “اليونيفيل” أن ثلاثة من جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل كانوا في دورية أصيبوا صباح أمس بجروح طفيفة عندما وقع انفجار بالقرب من آليتهم التي تحمل علامة الأمم المتحدة بوضوح في محيط يارين، في جنوب لبنان. وأضافت أن “جميع جنود حفظ السلام الذين كانوا في الدورية عادوا بسلام إلى قاعدتهم، ونحن نحقق في الحادث”. واضافت اليونيفيل في بيانها أنها “تذكّر بقوة جميع الأطراف والجهات الفاعلة بمسؤوليتهم عن تجنب إلحاق الأذى بقوات حفظ السلام والمدنيين”.
يوم الأربعاء ٢٨ اب ٢٠٢٤ أشارت "اليونيفيل" في بيان لها إلى أن مجلس الأمن الدولي قد اعتمد بالإجماع القرار 2749 (2024) الذي يمدد ولاية البعثة حتى 31 آب 2025.
في ظل الأوضاع المتوترة الناتجة عن تبادل إطلاق النار اليومي، والذي يلحق أضراراً جسيمة بالمدنيين على جانبي الخط الأزرق، دعا مجلس الأمن جميع الأطراف المعنية إلى اتخاذ إجراءات فورية لخفض التصعيد. كما طالب المجلس الأطراف بالالتزام مجدداً بتنفيذ كافة بنود القرار 1701، وأكد دعمه الكامل لاحترام الخط الأزرق ووقف الأعمال العدائية بشكل تام.
وأدان القرار الجديد بشدة الحوادث التي تعرضت لها قوات اليونيفيل ومراكزها، بما في ذلك إصابة عدد من جنود حفظ السلام. وحث جميع الأطراف على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان سلامة وأمن أفراد اليونيفيل ومراكزها، والسماح لها بتنفيذ المهام المنوطة بها وفقاً للقرار 1701.
يوم الجمعة ١١ تشرين الاول ٢٠٢٤، وفي خضم عدوان إسرائيل على الجنوب اللبناني وحربها مع حزب الله، لم يكن الصدام العلني الأول المباشر بين إسرائيل والقوة الدولية العاملة في الجنوب “اليونيفيل”، منذ شرعت إسرائيل في عملياتها البريّة عبر الحدود الجنوبية تطوراً عادياً، بل شكل المؤشر الأخطر الى احتمالين: الأول مضي إسرائيل في محاولاتها المتقدمة للاندفاع نحو تكثيف توغلاتها في الجنوب، الأمر الذي ترجمته في الاعتداء المتعمد على اليونيفيل بقصد “تطفيشها” ربما. والثاني اختبار الإرادة الدولية أمام خطر اتساع الحرب علماً أن مؤشرات هذا الاتساع تمددت ميدانياً بشكل بالغ الخطورة أمس مع تبادل عمليات القصف الصاروخي البعيد المدى وكثافة الغارات الجوية. وفي ما يشبه الاستنفار الأوروبي المكثف استدعت إيطاليا سفير إسرائيل بعد إطلاق النار على “اليونيفيل” في لبنان، كما أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية، أن فرنسا وإيطاليا ستطلبان اجتماعاً للدول الأوروبية المساهمة في قوة الأمم المتحدة بعد تعرّض قوات اليونيفيل لإطلاق نار في جنوب لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي. واعتبر وزير الدفاع الإيطالي أن إطلاق إسرائيل النار على قواعد اليونيفيل “أمر غير مقبول على الإطلاق ويخالف القانون الدولي بشكل واضح”، مؤكداً أن “الهجوم على هذه القواعد لم يكن حادثاً أو خطأ”.
كما أن المسؤول عن السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اعتبر أن قصف إسرائيل لقوات حفظ السلام “تجاوز آخرَ خطير في لبنان”، ودان “الاستهداف غير المبرر لليونيفيل”، مؤكداً “أننا ندعم اليونيفيل ومهمتها بتفويض من مجلس الأمن”.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كشف أن الاتصالات الدبلوماسية تكثفت في الساعات الماضية قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي، “بهدف السعي مجدداً إلى وقف اطلاق النار وبالتالي القيام بمزيد من الضغط لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان”.
وقال إن “هناك اتصالات تجري بين الولايات المتحدة وفرنسا، التي طلبت انعقاد مجلس الأمن، بهدف احياء الاعلان الخاص بوقف اطلاق النار لفترة محددة لكي يصار إلى استئناف البحث في الحلول السياسية”. وأوضح “أننا عبرنا مجدداً خلال الاتصالات الدبلوماسية عن استعدادنا لتطبيق القرار 1701 شرط التزام إسرائيل بكل مندرجاته. كما شددنا على أولوية وقف العدوان الإسرائيلي الذي يتسبب بسقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى ولا يوفّر المدنيين وعناصر الاسعاف والاغاثة، وهذا أمر يخالف كل القوانين والشرائع الدولية”.