البرلماني الذهبي

كتب أنطوان فضّول:
على مدى عقود، شكل الرئيس نبيه بري شخصية محورية في المشهد السياسي اللبناني، بصفته رئيس مجلس النواب الخبير في تدوير زوايا معادلات الحكم المعقدة.
أظهرت مسيرته قدرة فريدة على التوازن بين مختلف الأطراف السياسية والطوائف، ما جعله عنصر استقرار في لحظات الأزمات الوطنية.
تتسم مواقفه بالحكمة والرصانة، إذ يعتمد على استراتيجيات تهدف إلى تهدئة التوترات الداخلية ومنع الانجرار إلى صراعات مفتوحة.
برز في المواقف المصيرية، سواء في ملفات الحكم، أو الانتخابات، أو المفاوضات السياسية، بمقاربات توازن بين المصالح الوطنية والمصالح الطائفية، ما منحه قدرة على الحفاظ على وحدة الدولة في ظروف صعبة ومعقدة.
واحدة من أبرز سمات قيادته تكمن في مرونته السياسية دون التفريط بالمبادئ الأساسية.
عُرف بقدرته على إمساك عصا الحوار والتوافق مع الأطراف المختلفة، من الوسط، حتى مع تلك التي قد تختلف معه في الرؤية السياسية.
هذه القدرة على الجمع بين الثبات والمرونة مكنته من لعب دور الوسيط في كثير من الأزمات، سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني، وقد ساعدت هذه السياسة في تخفيف الاحتقان السياسي وإتاحة المجال لحلول تفاوضية بدلاً من المواجهة المباشرة.
كما إن الإدارة الحكيمة للأزمات تتجلى في فهمه العميق للواقع اللبناني بكل تعقيداته الطائفية والاجتماعية، مما يجعله يسبق الآخرين بخطوة في احتواء التوترات.
في مواقفه الأخيرة، وازن بين الحد الأدنى من التنازلات السياسية وبين الحفاظ على مصالح الدولة، وهو أسلوب يعكس خبرة طويلة في التعامل مع الأزمات.
على صعيد علاقاته الإقليمية والدولية، أظهر قدرة على التواصل والحوار مع مختلف الأطراف، مستفيدًا من مكانته كقائد معتدل يستطيع تقريب وجهات النظر وتخفيف التوترات.
هذا الدور لا يقتصر على السياسة الداخلية فحسب، بل يمتد إلى أبعاد تتعلق بالاستقرار الإقليمي، بما يساهم في حماية لبنان من أي انعكاسات سلبية للصراعات المحيطة به.
بعد نصف قرن من العمل السياسي، يمثّل الرئيس نبيه بري نموذجًا نادرًا من رجالات القرار السياسي في لبنان، حيث يجمع بين الخبرة، والمرونة، والقدرة على التفاوض، مع الالتزام بالمصلحة الوطنية العليا.
إن قراءة مواقفه وتحليل أسلوب إدارته للأزمات يقدم درسًا مهمًا في فن القيادة السياسية، العاملة على ترسيخ الاستقرار الداخلي والتعاطي مع تناقضات التركيبة اللبنانية بحكمة، وصبر، وبعد نظر استراتيجي لا تجيده سوى قلة من القادة.