الإمارات العربية المتحدة ومهمة وفيق صفا

يوم الثلاثاء 19 آذار 2024، أعلن عن زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى الامارات العربيّة المتّحدة. وبحسب الإعلان عن الزيارة تحدد هدفها بإطلاق موقوفين لبنانيين من السجون الإماراتية.
انفتاح دولة الامارات العربية المتحدة بنحو مفاجىء على «حزب الله» بعد قطيعة كبيرة نشأت مع بداية ازمة اليمن، حيث استقبلت ابو ظبي امس مسؤول التنسيق والارتباط في «حزب الله» الحاج وفيق صفا الذي كان قد توجّه إليها امس بطائرة خاصة يرافقه شخصان. وكانت الأزمة قد نشأت بين الجانبين نتيجة الأزمة اليمينية وأعقَبها توقيف السلطات في دولة الامارات نحو عشرة اشخاص من الشيعة اللبنانيين العاملين فيها فضلاً عن توقّفها عن منح تأشيرات لآخرين. ويتوقع أن تتوّج زيارة صفا أبو ظبي بالإفراج عن هؤلاء.
زيارة صفا إلى أبو ظبي تعكس انفتاحًا سياسيًا كبيرًا بين الإمارات و«حزب الله»، يُتوقّع ان تكون له نتائج مهمة جدا على مستوى مستقبل العلاقة بين الطرفين، خصوصاً، وبين الحزب ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً.
وهذه الزيارة أتت بعد مسار طويل من المحادثات بدأ منذ حوالي ستة أشهر. والإمارات حاولت أكثر من مرة فتح قنوات للتواصل المباشر مع الحزب بينما كان الأخير يرفض هذا الأمر، ووقتها كان الملف في حوزة المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي أوكِلت إليه مهمة متابعته، وأدّت الاتصالات التي قامَ بها آنذاك إلى إطلاق سراح عدد منهم عام 2021، إذ أفرجت الإمارات يومها عن ثمانية لبنانيين عادوا إلى بيروت بموجب اتفاق بين السلطات اللبنانية ونظيرتها الإماراتية لإطلاق سراحهم، وذلك بعد توقيفهم لأشهر عدة في الدولة الخليجية لاتهامهم بالتعامل مع حزب الله. كذلك وُعد إبراهيم بالنظر في إطلاق بقية المعتقلين في أي مناسبة وطنية أو دينية مقبلة. غير أن الملف لم يُغلق، واستمرت الإمارات في اعتقال عدد من المواطنين، إلى أن اضطرت منتصف العام الماضي إلى الإفراج عن خمسة معتقلين لبنانيين بعد وفاة أحد الموقوفين، غازي عز الدين، في سجنه، ودفنه في الإمارات.
كانت ثمة معلومات عن إمكان أن يصطحب وفيق صفا الموقوفين معه بعد الإفراج عنهم وهم: عبدالله هاني عبدالله (الخيام - محكوم مؤبّد)، علي حسن مبدر (صيدا - مؤبّد)، أحمد علي مكاوي (طرابلس - محكوم 15 سنة)، عبد الرحمن طلال شومان (كفردونين - مؤبّد)، أحمد فاعور (الخيام - محكوم 15 سنة)، فوزي محمد دكروب (زقاق البلاط - مؤبّد)، وليد محمد إدريس (البقاع - محكوم 10 سنوات).
يوم الخميس 21 آذار 2024، عاد وفيق صفا من الإمارات من دون أن يحقق الهدف المطلوب، إعادة السجناء اللبنانيين الموقوفين في الامارات الى لبنان.
زيارة صفا للإمارات إستمرت 3 أيام، جرى فيها بحث مصير سبعة محكومين لبنانيين، على خلفية إتهامهم بالعمل لصالح حزب الله.
في السياق، كان جرى في النصف الثاني من العام الماضي، تواصل بين مسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمدير العام السابق للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لـ «معالجة» ملف المعتقلين اللبنانيين لدى أبو ظبي. أبلغ إبراهيم قيادة حزب الله بالمبادرة الإماراتية، بعدما كان قد تمكّن، في مرحلة سابقة، من معالجة ملفّات موقوفين مشابهين في الدولة نفسها.ومنذ بداية موجة الاعتقالات للبنانيين، ينتمون بغالبيتهم اإى الطائفة الشيعية، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، وترحيلهم على عجل، كان واضحاً لدى المعنيّين في بيروت بأن أبو ظبي تهدف إلى ممارسة ضغوط على حزب الله لأسباب سياسية، خصوصاً بعدما صنّفت الحكومة الإماراتية الحزب «منظّمة إرهابية» عام 2014، وتبعها قرار مماثل لمجلس التعاون الخليجي عام 2016.
سلطات أبو ظبي طلبت بداية التواصل المباشر مع الحزب الذي فضّل الحفاظ على دور الوسيط. في مرحلة لاحقة، رفع الإماراتيون وتيرة جهودهم، وطلبوا من الرئيس السوري بشّار الأسد الذي تربطه مع القيادة الإماراتية علاقات جيدة آخذة في التطور، التوسّط لدى حزب الله. وهو ما حصل. تعامل حزب الله بإيجابية مع مبادرة «حسن النيّة» الإماراتية، وجرى ترتيب اجتماعات مباشرة بين مسؤولين من الطرفين في دمشق، برعاية سورية. فعقدت لقاءات عدّة بالفعل في دمشق، بين مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد، وجرى التأكيد من الطرفين، وكذلك من القيادة السورية، على أن هذه الاجتماعات ذات طابع أمني وليست سياسية، وهي محصورة في محاولة معالجة قضية الموقوفين التي تعتبرها أبو ظبي قضية أمنية، بينما يراها حزب الله قضيّة إنسانية، ويبدي استعداده لبذل الجهود لحلّها. علماً أن الحزب أكد دائماً أن الاتهامات الموجّهة إلى الموقوفين في ما يتعلّق بالحزب، باطلة ولا أساس لها، ما يوجب معالجة القضية بأي طريقة لرفع الظلم عن المعتقلين وعائلاتهم.
وبعد لقاءات عدّة بين الرجلين، وتطوّرات وقعت في المنطقة، أهمّها «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واشتعال جبهات أخرى تحت عنوان «المساندة»، جرى التوافق على «حلّ» قضية الموقوفين السبعة لدى الإمارات. وبالفعل، وصلت طائرة إماراتية خاصة إلى مطار بيروت، نقلت الحاج وفيق صفا ومساعده وشخصاً آخر إلى أبو ظبي لإنهاء المحادثات بهدف إطلاق المعتقلين.
جدول أعمال الزيارة اقتصر فقط على ملف المعتقلين وسبل معالجته لإطلاقهم وإعادتهم إلى لبنان. وأعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله، أن صفا زار الإمارات «في إطار المتابعة القائمة لمعالجة ملف عدد من المعتقلين اللبنانيين هناك، والتقى ‏عدداً من المسؤولين المعنيين بهذا الملف، والأمل معقود أن يتمّ التوصّل إلى الخاتمة ‏المطلوبة إن شاء الله».
وبحسب المعلومات التي رشحت عن الزيارة، «يتوقّع أن يجري إطلاق المعتقلين على مراحل، بعد أن تصدر سلطات أبو ظبي عفواً رئاسياً عنهم لمناسبة شهر رمضان وعيد الفطر».
معلوم أن القيادة الإماراتية تسعى منذ مدّة إلى انتهاج سياسة «صفر مشاكل» مع دول وقوى الجوار والمنطقة. وهي خطت خطوات متقدّمة في هذا المسار مع إيران، بموازاة تقدّمها السريع في مسار التطبيع مع إسرائيل. كما سعت في النصف الثاني من العام 2021، إلى تليين العلاقات مع تركيا وقطر. وقبل ذلك، استعادت علاقات وطيدة مع القيادة السورية. وتهدف أبو ظبي من خلال هذه السياسة إلى محاولة ترميم صورتها التي تشوّهت إلى حدّ بعيد، بفعل تدخّلها في قضايا سياسية وأمنية وعسكرية في المنطقة، ولعب أدوار خطيرة، خصوصاً في اليمن وليبيا. علماً أنها تعرّضت خلال السنوات السابقة، خصوصاً خلال الحرب على اليمن، لتهديدات أمنية جسيمة. وتدرك أبو ظبي أن شكل الدولة الإماراتية وما بُنيت عليه، إضافة إلى قدراتها العسكرية المحدودة وموقعها الجغرافي، لا تسمح لها بخوض معارك عسكرية تكون لها آثار وتبعات مباشرة على أرض الإمارات التي تحوّلت إلى أرض الأمن والاستقرار والرفاهية، والتي لا تحتمل معها أيّ تهديد أمني مهما كان محدوداً.