زيارة جورجيا ميلوني لبيروت

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني إحدى أرفع الشخصيات الدولية التي تقوم بزيارة رسمية للبنان في زمن الفراغ الرئاسي.
إيطاليا معنية تمامًا بالوضع المتفجر في الجنوب حيث لديها احدى اكبر الكتائب العسكرية المشاركة في قوة "اليونيفيل".
يوم الأربعاء 27 آذار 2024، جاء وصول ميلوني على وقع تصعيد دموي متدحرج في الغارات الإسرائيلية المتصاعدة على مناطق الجنوب بعد الغارات على الأعماق خصوصا في البقاع، وقد بلغ هذا التصعيد حدود ارتكاب إسرائيل مجزرة جديدة في الهبارية ومن بعدها غارات دموية عنيفة أخرى برز فيها استهداف إسرائيل لمسعفين وهيئات صحية وحصيلة كبيرة من الشهداء ناهزت الـ 15 وهي اعلى حصيلة في اقل من 24 ساعة منذ 8 تشرين الأول الماضي. وقد استتبع ذلك رد صاروخي عنيف من "حزب الله" الامر الذي رسم حدودا إضافية لمعالم الانزلاق نحو مواجهات واسعة يصعب معها الركون طويلا الى أي معطيات لا تزال تستبعد تفجر حرب كبيرة في لبنان.
لا تخفي أوساط ديبلوماسية تصاعد القلق الشديد حيال الوضع على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية بعدما أسقطت إسرائيل تقريبا قرار وقف النار الفوري في غزة الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي وتزامن ذلك مع التصعيد العنيف على الجبهة اللبنانية.
ووفق مصادر سياسية ان لبنان الذي غاب عن القرار الاممي لوقف اطلاق النار، لم يغب عن المساعي الاميركية التي يقودها الموفد اموس هوكشتاين لضمان اجراءات ترافق وقف النار، فلا يقتصر الامر على هدنة هشة معرضة للانهيار في وقت قصير قياسي.
وتأتي زيارة وزيرة خارجية ايطاليا في هذا الاطار، اذ تتعدى اهداف زيارتها الاطمئنان الى وحدة بلادها العاملة ضمن القوات الدولية في الجنوب (يونيفيل)، للبحث في المساهمة في اجراءات امنية مقبلة في المطار والمرفأ كانت طرحت في الكواليس سابقًا، لناحية مراقبة وحدات فرنسية الحدود مع اسرائيل، على ان تتولى الايطالية مراقبة ضمان عدم دخول السلاح جوا وبحرا.
ووسط أجواء من الوجوم والصدمة والغضب، شيع أهالي بلدة الهبارية في منطقة العرقوب قضاء حاصبيا المسعفين الشهداء السبعة الذين قضوا تحت ركام مركز الإسعاف والإغاثة في مجزرة ارتكبها الطيران الحربي الإسرائيلي قرابة الأولى فجر الأربعاء الفائت بما أدى الى تدمير المبنى تدميرا كاملا . وشهداء الغارة هم: براء ابو قيس، محمد رغيد حمود، عبد الله شريف عطوي، التوأمان حسين وأحمد قاسم الشعار، عبد الرحمن عطوي وفاروق جمال عطوي.
وما ان شيعت الهبارية شهداءها حتى شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على طيرحرفا مساء استهدفت منزلا في البلدة. كما استتبعت بغارة مماثلة استهدفت دراجة ومقهى في بلدة الناقورة حيث أفيد عن سقوط ضحايا. وأفادت المعلومات ان الغارتين أدّتا الى سقوط سبعة ضحايا توزعوا كالاتي: ثلاثة عناصر من "حزب الله" وعنصرين من كشافة الرسالة التابعة لحركة "أمل" وعنصرين من الهيئة الصحية التابعة لـ"حزب الله". وقد سقط في الناقورة: عصام عاطف جهير وحسين احمد جهير وعلي احمد مهدي وعلي عباس يزبك.
وسط هذه الأجواء عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني محادثات في السرايا مساء في مستهل زيارة لميلوني. وصدر بعد الاجتماع بيان أعرب فيه الرئيسان ميقاتي وميلوني "عن ارتياحهما لقرار مجلس الامن الدولي الرقم 2728 القاضي بوقف اطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان المبارك، وابديا تطلعهما الى أن يتم تطبيقه وأن يتحوّل الى وقف اطلاق نار مستدام. كما تطرق البحث الى قرارات مجلس الامن المتعلقة بالمنطقة ولبنان، حيث كرر رئيس الحكومة التزام لبنان بالتطبيق الكامل لكل القرارات الدولية الخاصة به، لا سيما القرار 1701، ووجوب أن تلتزم اسرائيل بتطبيقه كاملا ووقف اعتداءاتها على سيادة لبنان برا وبحرا وجوا. وعبّر عن حزنه العميق وادانته لاستشهاد سبعة مسعفين في جنوب لبنان فجر اليوم جراء العدوان الاسرائيلي . كما تطرق البحث الى ملف النازحين السوريين في لبنان والمهاجرين غير الشرعيين في منطقة البحر المتوسط.
واتفق الحانبان على ضرورة تضافر الجهود الدولية والتنسيق بين البلدين، ومع اوروبا عموما، للحد من هذه الظاهرة واستكشاف الحلول التي تساعد على التوصل الى حل مستدام لقضية النازحين.
كما شكر رئيس الحكومة نظيرته الايطالية على دعم بلادها المستمر للجيش وتعزيز قدراته لتمكينه من القيام بكل المهام المنوطة له.
ورأى أن مساهمة ايطاليا الدائمة في عداد قوات "اليونيفيل"هي تأكيد على التزام ايطاليا بسلامة لبنان واستقراره وصون وحدة اراضيه.
وشدد الرئيسان على وجوب الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو الامر الاساسي لتطبيق الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة واطلاق عجلة النهوض الاقتصادي.
وبعيداً من الإعلام ومن دون اي تغطية، تفقّدت رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني مقر الكتيبة الايطالية العاملة في إطار القوات الدولية المعززة في الجنوب «اليونيفيل»، والتقت قادتها وضباطها وعسكرييها في مقر القيادة قبل ان تعود الى بيروت وتغادرها عائدة الى روما مباشرة. إكتسبت زيارة ميلوني أهمية متعددة الوجوه سياسياً واقتصادياً، خصوصاً انّ ايطاليا هي ضمن مجموعة الدول المانحة للبنان، وهي شريكة فاعلة في «الكونسورتيوم» النفطي والغازي عبر شركة «ايني» الايطالية الى جانب شركتي «توتال» و«قطر للطاقة»، علماً انّ «ايني» هي اكبر شريك لقبرص ومصر في المجال الغازي في البحر المتوسط. كما انّ ايطاليا رَعت مؤتمرين لدعم لبنان وجيشه وتستعد لرعاية ثالث من هذا النوع.