تفجير كنيسة دمشق: التوقيت، الرسالة، والأبعاد
كتب أنطوان فضّول.
في مشهد أعاد إلى الأذهان صوراً موجعة من العنف الطائفي واستهداف الرموز الدينية، هزّ تفجير إرهابي كنيسة مار الياس في ضواحي دمشق، موقعاً عشرات الشهداء والجرحى بين المصلين الأبرياء ومحدثًا صدمة وجدانية مضاعفة.
استهداف متعمّد لموقع روحي عريق، ولوجود مسيحي مشرقي يتجذر في الأرض والتاريخ، ويصرّ على البقاء رغم المحن.
جاء التفجير في توقيت دقيق، سياسيًا وأمنيًا، محمّلاً بالرسائل.
فالحدث وقع وسط تصعيد إقليمي حاد، وتوترات داخلية متشابكة في الساحة السورية، بالتزامن مع محاولات التقارب بين دمشق وعدد من الدول العربية والغربية، وعودة تدريجية لبعض العلاقات الدبلوماسية.
يحمل التفجير رسالة واضحة مفادها أن المسيحيين في المشرق، رغم كل الخطابات عن التعايش، ما زالوا هدفاً لدوائر الظلام والتكفير.
إنها محاولة لإثارة الفتنة، ودفع المسيحيين إلى الشعور بالعزلة والقلق، وربما الهجرة، عبر استخدام العنف الرمزي في أكثر نقاط وجودهم قداسة.
إنه تهديد مبطن للحضور المسيحي في سوريا والمنطقة، وسعي لضرب النسيج المتنوع الذي لطالما ميّز المجتمعات المشرقية.
يؤشر التفجير إلى ثغرات أمنية خطيرة، وقدرة جماعات إرهابية على تنفيذ عمليات مركّبة في قلب العاصمة السورية، ما يدق ناقوس الخطر حول عودة النشاط المتطرف، حتى في مناطق يُفترض أنها تحت السيطرة.
التفجير يحمل طابعًا سياسيًا بامتياز، يراد منه القول إن الاستقرار في سوريا هش، وإن أي مسار تفاوضي أو انفتاح دولي على دمشق يجب أن يمر عبر بوابة العنف أو بتكلفة دموية، وهو إحراج مباشر للنظام السوري، الذي طالما قدّم نفسه حاميًا للتعددية الدينية.
تأتي الجريمة في سياق صراع النفوذ في الشرق الأوسط، حيث تستخدم بعض الجماعات الإرهابية ورقة الأقليات الدينية كسلاح ضغط أو فوضى.
هي تهدد صورة المسيحية المشرقية في نظر الرأي العام العالمي، وتحاول تكريس فكرة أن المنطقة غير آمنة للأديان الأخرى.
تفجير كنيسة مار الياس هجوم ممنهج على قيم التنوع، وعلى تاريخ طويل من التعايش الديني في سوريا والمشرق.
إنه جرس إنذار يُقرَع بدماء الأبرياء، يفرض على الجميع – محليًا ودوليًا – إعادة النظر في مسؤولياتهم تجاه حماية الأقليات الدينية، وصون التعددية، وتجفيف منابع التكفير.
الردّ على هذا التفجير ليس أمنيًا فقط، بل فكريًا، إعلاميًا، تربويًا، لترسيخ ثقافة قبول الآخر، وضمان ألا تتحول دور العبادة إلى ساحات حرب، بل تبقى منارات نور وسلام.