حول زيارة ميقاتي فرنسا ولقاء ماكرون

يوم الجمعة 19 نيسان 2024، حذّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من خطر عمل عسكري إسرائيلي وشيك ضد لبنان. وأمضى ماكرون ثلاث ساعات مع ميقاتي، بينها خلوة استمرت ساعة. ثم انضم اليهما قائد الجيش العماد جوزاف عون لمتابعة شتى جوانب الملف اللبناني. وتصدّر المحادثات بين الجانبين موضوع دعم الجيش اللبناني.
وليلاً أصدر قصر الإليزيه بياناً، أكد فيه ماكرون لميقاتي «التزام فرنسا بذل كل ما في وسعها لتجنّب تصاعد أعمال العنف بين لبنان وإسرائيل». وأضاف أنّ الرئيس الفرنسي الذي التقى أيضاً قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون «أكد عزمه على مواصلة تقديم الدعم الضروري للقوات المسلحة اللبنانية».
وأتى تحذير ماكرون من خطر هجوم إسرائيلي كبير على لبنان بعد أيام من نشر تقرير لـ «فرانس برس»، جاء فيه أنّ «الخيار الأكثر واقعية» هو «حرب مفتوحة تشنّها إسرائيل ضد «حزب الله» في لبنان». وزاد ماكرون على هذا التقرير، حسب المعلومات الديبلوماسية، قوله لميقاتي إنّ وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي نتيجة قصف «الحزب» موقع عرب العرامشة في الجليل الغربي سيؤدي الى ردٍّ إسرائيلي. ونبّه من أنّ اسرائيل لن تعامل لبنان أفضل مما تعامل به حالياً قطاع غزة. لذلك، كثفت باريس اتصالاتها بواشنطن كي تساهم في الضغط على تل ابيب لمنعها من مهاجمة لبنان. وفي الوقت نفسه طلب الجانب الفرنسي من ميقاتي أن يتواصل مع «حزب الله» طالباً منه «الانضباط «.
وفي ما يتعلق بدعم الجيش اللبناني، أشارت المعلومات الى أنّ فرنسا قررت زيادة مساعداتها للمؤسسة العسكرية بما في ذلك الدعم اللوجيستي، فضلاً عن أنّ الاتحاد الأوروبي قرر زيادة مساعداته للجيش من ضمن مساعدات اقتصادية سخيّة لملف النازحين.
وفي موضوع النازحين السوريين، تفيد المعلومات أنّ الملف استحوذ على لقاءات باريس، علماً أنّ إدراج بند لبنان في جدول أعمال قادة الإتحاد الأوروبي لم يكن ليحصل لولا ضغط إيطاليا التي اطّلعت رئيسة حكومتها جورجيا ميلوني على تفاصيل هذا الملف في زيارتها الأخيرة للبنان. كما أنّ الوعود التي اطلقتها الإدارة الفرنسية لمساعدة لبنان في الحصول على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، تفتقد إلى آلية تنفيذية.
وفي تصريحه بعد الاجتماع قارب ميقاتي ملف النازحين من زاوية «المطالبة بقيام المجتمع الدولي بواجباته في حل هذه المعضلة التي ستنسحب تداعياتها على أوروبا». كما تمنى على ماكرون القيام بعمل مماثل.
حملت الأيام الماضية محاولة فرنسية لفرض باريس نفسها شريكاً أساسياً في أي تسوية محتملة، بدءاً من ملف الانتخابات الرئاسية وقضية النازحين السوريين، وصولاً إلى الاتفاق حول الوضع في الجنوب، وهو ما ظهر خلال استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون للبحث معهما في هذه الملفات.في الملف الرئاسي، تسعى باريس إلى الايحاء بأن دورها لا يختصره سفيرها في بيروت، وأن الملف اللبناني موضع متابعة من ماكرون شخصياً، وأن لها حراكها المستقل عن بقية العواصم، بعدما لمست أن الولايات المتحدة تسعى إلى التفرد بإدارة الملف اللبناني على مختلف المستويات، انطلاقاً من قناعة بأن «الاستقرار على مختلف الصعد مرهون بالوضع في غزة، على عكس مبدأ الفصل الذي يتحدث عنه السفراء في اللجنة الخماسية».
وعلى وقع التقدير الأميركي بأن العمل الجدي يقوم به المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين مباشرة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أتت زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان لواشنطن أخيراً، واجتماعه مع هوكشتين بهدف التوصل إلى ورقة مشتركة حول لبنان. لكن الفرنسيين اصطدموا مجدداً بموقف أميركي حاسم مفاده أن هوكشتين هو المكلّف بإدارة الملف والقيام الدور الأساسي في لجم التصعيد وتسوية النزاع البري وتطبيق القرار 1701 وتطويره، على أن يأتي استحقاق الانتخابات الرئاسية لاحقاً، وذلك ضمن سلة متكاملة تُفضي إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي في لبنان.
وبناءً عليه، تحاول باريس التشاطر عبر إعادة صياغة «مبادرتها» الخاصة بالوضع في الجنوب، فقدّمت إلى ميقاتي مقترحاً جديداً تضمّن تعديلات على الورقة الفرنسية التي حملها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت في شباط الماضي، وتبنّت المطالب الاسرائيلية تماماً، ما أثار ريبة القوى السياسية اللبنانية. وعُلم أن التعديلات تتمحور حول تنفيذ القرار 1701 على ثلاث مراحل، وأن لبنان سيرد على المقترح الجديد خلال أيام.
وعلى عكس ما يقوم به الجانب الأميركي، تسعى باريس إلى تعويم أفكار بديلة وتتحرك في اتجاه معاكس تماماً، ينطلق من الفصل بين الجبهات وتعزيز حضور الجيش وقوات اليونيفل في الجنوب وعلى الحدود، وضمان أن يكون الاتفاق المحتمل أقرب إلى تفاهم نيسان 1996 التي كانت باريس شريكة فيه إلى جانب الأميركيين.
ويأتي الدور الفرنسي في ظل انطباع كبير بأن «الاتفاق ناجز» مع الأميركيين في ما يتعلق بمجمل الوضع اللبناني، لكنّ تطبيقه لن يتحقق قبلَ وقف النار في غزة، وقوامه وقف العمليات العسكرية وتعزيز وجود الجيش، ومحاولة لزيادة عديد قوات الطوارئ الدولية، ثم بدء التفاوض على الحدود البرية بالتزامن مع ترتيب الاستقرار السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية، علماً أن «الأميركيين وعلى عكس الفرنسيين، لم يتطرقوا إلى فكرة انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني».
يشار أيضاً، إلى أن البحث الفرنسي مع ميقاتي وعون تطرّق إلى وضع المؤسسة العسكرية وإعادة مناقشة حاجات الجيش اللوجستية والمادية التي تسمح له بتعزيز دوره في الجنوب، لناحية زيادة عديد أفراده هناك، أو تزويده بتجهيزات وآليات تساعده على القيام بدوره.
انتهت الزيارة اللبنانية إلى فرنسا، ويترقّب اللبنانيون نتائج اللقاءات التي حصلت في أروقة الإليزيه على كافة الصُعد، من الجنوب مروراً بملف دعم الجيش والنازحين السوريين وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، لكن من غير المرتقب أن يكون ثمّة نتائج ملموسة في وقت قريب.
الملفات المطروحة جميعها مرتبطة بالتسويات الإقليمية والدولية، فالتهدئة على جبهة الجنوب غير واردة قبل انتهاء الحرب في غزّة، والنازحون السوريون ليسوا في وارد العودة إلى سوريا ثم أن أوروبا ليست في وارد استقبال أعداد إضافية، فيما استحقاق رئاسة الجمهورية على الأرجح تم ترحيله إلى تسويات ما بعد الحرب، وقد يكون إلى ما بعد الانتخابات الأميركية أيضاً.