العلاقة اللبنانية السورية: عقدة التاريخ وتعقيدات الحاضر
كتب أنطوان فضّول.
تشهد العلاقات اللبنانية السورية منذ أسابيع تصعيدًا سياسيًا وإعلاميًا متبادلًا أعاد إلى الواجهة التوترات القديمة بين البلدين، في ظل ظروف إقليمية معقّدة وتوازنات داخلية دقيقة في كل من بيروت ودمشق.
منذ اندلاع الأزمة السورية العام 2011، دخلت العلاقات الثنائية في دوامة من البرودة والشك، تفاقمت مع التباينات حول ملف النازحين السوريين، والخروقات الحدودية، والاتهامات المتبادلة بدعم الجماعات الخارجة على القانون.
رغم أن العلاقات اللبنانية السورية كانت تاريخيًا تتسم بالتداخل الجغرافي والاجتماعي، إلا أن السيادة والاستقلال شكّلا دائمًا محور إشكال.
لبنان الرسمي طالما سعى لتثبيت حدوده وقراره الحر، بينما رأت دمشق في لبنان امتدادًا حيويًا لها، ما جعل العلاقة أشبه بمعادلة غير متكافئة.
الوجود العسكري السوري في لبنان الذي استمر نحو ثلاثين عامًا وانتهى العام 2005، ترك خلفه إرثًا ثقيلًا من الانقسام الداخلي اللبناني، ما زال يلقي بظلاله على أي تقارب رسمي.
التصعيد الأخير بين البلدين ارتبط بعوامل متزامنة عدّة.
يشكّل ملف اللجوء السوري مصدر توتر دائم، إذ يتهم لبنان سوريا بعدم التعاون الجاد في تسهيل عودة النازحين، في حين تتهم دمشق بعض الأطراف اللبنانية بتسييس الملف واستخدامه كورقة تفاوضية.
سجّل الجيش اللبناني تكرارًا خروقات أمنية وعمليات تسلل عبر الحدود، سواء لتهريب الممنوعات أو لتحركات عسكرية محدودة، ما زاد من الاحتكاك بين الجانبين.
ازداد التوتر مع إصرار السلطات السورية على استرداد عدد من السجناء السوريين الموجودين في السجون اللبنانية، معظمهم من المعارضين للنظام السوري، ممن أوقفوا في سياقات أمنية مختلفة خلال السنوات الماضية.
يُنظر إلى هذا الملف في لبنان بكثير من الحساسية، نظرًا للانقسام الداخلي حيال تسليم معارضين قد يواجهون خطرًا على حياتهم.
في السياق، تبادلت شخصيات سياسية من الطرفين التصريحات النارية، التي تراوحت بين التلميحات إلى "العداء التاريخي" ودعوات إلى "فتح صفحة جديدة بشروط"، ما ساهم في تسميم الأجواء بدل تهدئتها.
ينقسم الداخل اللبناني حول العلاقة مع النظام السوري بين مؤيّدين يعتبرون التنسيق مع دمشق ضرورة استراتيجية، ورافضين يرون في أي انفتاح على النظام السوري تنازلًا عن سيادة لبنان وتفريطًا بدماء ضحايا الوصاية السابقة.
مع تزايد الضغوط الدولية والإقليمية على البلدين، من غير المرجح أن ينزلق التصعيد نحو مواجهة مباشرة.
ومع ذلك، تبقى السيناريوهات مفتوحة على احتمالات عدّة.
قد تفتح وساطات دولية أو إقليمية باب الحوار التقني بين الطرفين، خصوصًا حول ملف النازحين والسجناء، شرط أن لا يُفسّر هذا كإعادة تطبيع سياسي شامل.
في حال استمر التراشق الإعلامي، وتواصلت الخروقات الحدودية، قد تتكرّس القطيعة السياسية، مع تصاعد التوتر الأمني في المناطق الحدودية.
قد يُكتفى أيضًا بإدارة الخلافات دون حلول جذرية، بانتظار تغيّرات إقليمية تسمح بإعادة رسم العلاقة على أسس جديدة، تأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات الجيوسياسية بعد أكثر من عقد على الحرب السورية.
العلاقة بين بيروت ودمشق ملفّ مشحون بتاريخ طويل من الالتباسات والصراعات والرهانات.
وفي ظل هشاشة الوضع الداخلي في كلا البلدين، تحتاج هذه العلاقة إلى مقاربة حكيمة، واقعية، بعيدة عن الانفعالات والمزايدات، تحفظ للبنان استقلاله، وللسوريين كرامتهم، وتفتح المجال لحوار سيادي متوازن ينطلق من المصالح المشتركة لا من عقد الماضي.