المشهد اللبناني

المشهد اللبناني من يوم الأحد ١ أيلول ٢٠٢٤ حتى يوم الثلاثاء ٣ أيلول ٢٠٢٤، إعداد: أنطوان فضّول
في ظل التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية والإقليمية، يتجلى الوضع الحالي بمزيج من التصعيد العسكري والسياسي. في إسرائيل، شهد الوضع تدهورًا حادًا يوم الأحد ١ أيلول ٢٠٢٤، بعد اكتشاف جثث ستة رهائن في غزة، مما أشعل موجة من الغضب الداخلي ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في الضفة الغربية، تصاعدت العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال، حيث قتل ثلاثة ضباط إسرائيليين في عملية نوعية قرب الخليل. هذه التطورات دفعت نتنياهو إلى زيادة حدة العمليات العسكرية في محاولة لاحتواء التوتر الداخلي، إلا أن هذا التصعيد يجعل التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكثر صعوبة.
في لبنان، تبرز الساحة السياسية تحت ضغط الأزمة الرئاسية والتوترات الأمنية على الحدود الجنوبية. رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أعرب عن رفضه لتفرد حزب الله بقرار الحرب والسلم، داعيًا إلى وقف الحرب قبل أن تتحول إلى نزاع أكبر، كما رفض المبادرات التي قدمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، مؤكدًا أن الحل يكمن في انتخاب رئيس جديد وفتح باب الحوار بعد ذلك.
وفي السياق نفسه، تتزايد الدعوات إلى الحوار من مختلف الأطراف السياسية، حيث شدد نبيه بري على ضرورة الحوار الوطني كمدخل أساسي لإنجاز الاستحقاقات الدستورية، في حين أبدى بعض السياسيين استعدادهم لدعم هذه المبادرة.
على صعيد آخر، يتزامن هذا المشهد المعقد مع الذكرى المئوية الرابعة لإعلان دولة لبنان الكبير، مما يضع الشعب اللبناني أمام تحدٍ كبير لتحويل هذه الذكرى من مجرد محطة تاريخية إلى فرصة لإعادة بناء الدولة على أسس متينة من الشراكة الوطنية والسيادة.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن الوضع في لبنان سيبقى في حالة من الترقب، مع استمرار الضغوط الداخلية والخارجية للتوصل إلى حلول تضمن الاستقرار السياسي والأمني، ولكن يبقى السؤال حول قدرة اللبنانيين على تحويل هذه التحديات إلى فرصة للنهضة وإعادة بناء الوطن.
الاثنين ٢ أيلول ٢٠٢٤، تواصل التطورات السياسية وتفاعلاتها مع السياقات الإقليمية. أبرزها موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لاقى تفاعلاً إيجابياً من زواره، حيث دعموا دعوته للخروج من المأزق الحالي وإيجاد حل للأزمة السياسية. في المقابل، تباينت الآراء بين الأحزاب السياسية، حيث انتقد سمير جعجع الوضع القائم من خلال التأكيد على أن التفاوض حول رئاسة الجمهورية يجب أن يتم عبر ساحة النجمة وليس من عين التينة. هذا التباين يعكس حالة من الجمود والتشدد التي تسود المشهد السياسي اللبناني.
على صعيد آخر، يتناول الإعلام اللبناني ضغوطات الوضع الإقليمي على لبنان. ففي إسرائيل، يتصاعد الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن التي انتقدت نتنياهو لعدم بذله جهدًا كافيًا للتوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى. هذا الضغط الداخلي يترافق مع احتجاجات واسعة في الشارع الإسرائيلي وأزمات اقتصادية تطال مختلف القطاعات.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تواجه صعوبات إضافية تتعلق بالإضراب العام الذي دعا إليه اتحاد العمال "الهستدروت"، والذي تسبب في تعطيل بعض الخدمات الأساسية، مما زاد من حدة الأزمات الداخلية. في ذات الوقت، يشير الموقف الأمريكي والبريطاني من الوضع في غزة إلى وجود ضغوط دولية متزايدة على إسرائيل، مما يعقد عملية التفاوض ويزيد من تعقيد الوضع الداخلي.
في هذا السياق، يبدو أن لبنان يواجه تحديات مزدوجة، تتمثل في تعزيز الوضع الداخلي من خلال التوافق السياسي والتفاعل مع الضغوط الإقليمية والدولية. إن قدرة لبنان على الاستجابة لهذه التحديات تعتمد على فعالية الحوار الداخلي واستراتيجية التعامل مع الأزمات الإقليمية.
في ظل أزمات متفاقمة على مختلف الأصعدة، يشهد الملف الرئاسي اللبناني انتعاشاً جديداً بفعل المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، داعياً الأطراف السياسية إلى الجلوس على طاولة الحوار والتشاور للتوصل إلى توافق حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية. هذه الدعوة تأتي في وقت يشهد فيه لبنان حالة من الجمود السياسي وسط تعقيدات داخلية وخارجية.
وتزامناً مع مبادرة بري، هناك تحضيرات لاستئناف الحراك الدولي عبر اللجنة الخماسية، سواء في بيروت أو في الرياض. وقد برز في هذا السياق لقاء الرئيس بري بالسفير السعودي وليد بخاري، حيث أبدى بري أمله في أن يساهم هذا الحراك في تسريع حسم الملف الرئاسي.
على الصعيد العسكري، تواصلت يوم الثلاثاء ٣ أيلول ٢٠٢٤ التوترات على الجبهة الجنوبية اللبنانية، حيث استمرت الاعتداءات الإسرائيلية وردود المقاومة اللبنانية ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها. ويأتي هذا في وقت تتصاعد فيه الضغوط الداخلية على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، الذي يواجه انتقادات حادة بسبب تعنته في إدارة الصراع مع غزة ورفضه التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ما أدى إلى استقالة قائد القوات البرية في الجيش الإسرائيلي، اللواء "تامير يدعي"، وسط تقارير تشير إلى تصاعد الانقسام الداخلي في إسرائيل.
في الداخل اللبناني، شكّل توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الحدث الأبرز، حيث أمر المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار بتوقيفه على ذمة التحقيق في قضية شركة "أوبتيموم" وشبهات الاختلاس المتعلقة بها. هذا التوقيف المفاجئ، الذي جاء بعد سنوات من الجدال حول دور سلامة في تدهور الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، يعيد الأمل لدى بعض اللبنانيين في إمكانية تحقيق العدالة.
وعلى الرغم من أن توقيف سلامة لاقى صدمة واسعة، إلا أن الشكوك لا تزال تحوم حول مدى جدية هذه الخطوة، وما إذا كانت ستؤدي إلى محاسبة شاملة تطال جميع المتورطين في الجرائم المالية والفساد. ومع ذلك، فإن هذا التطور يضع النظام القضائي اللبناني تحت المجهر ويثير تساؤلات حول مدى قدرته على مقاومة الضغوط السياسية والمضي قدماً في إحقاق العدالة.
في الوقت نفسه، تواجه الحكومة اللبنانية تحديات كبيرة في إدارة الوضع الأمني جنوباً، حيث تستمر المقاومة اللبنانية في تنفيذ عمليات نوعية دعماً للشعب الفلسطيني، وسط تصاعد التوترات على مختلف الجبهات. هذا الوضع المعقد يتطلب من لبنان اتخاذ قرارات حاسمة للتعامل مع التداعيات الإقليمية والمحلية.