ما بعد صفحة توم باراك وصفعة إسرائيل
كتب أنطوان فضّول.
لم تحمل مهمة توم باراك ما يمكن اعتباره تحولاً حقيقياً في مسار التعاطي مع الملفات اللبنانية العالقة، إذ جاءت أقرب إلى محاولة جس نبض، مستندة إلى علاقاته الشخصية وصلاته بمراكز القرار الأميركي والإسرائيلي، من دون أن تحظى بتفويض رسمي واضح يضمن لها الصدقية.
وقد قوبلت في لبنان بكثير من الريبة، لكونها بدت أشبه بمبادرة منحازة أو أداة ضغط أكثر مما هي وساطة حيادية، خصوصاً أن القضايا المطروحة تتصل مباشرة بالسيادة والحدود والثروات الوطنية.
على الجانب الإسرائيلي، بقي الجواب بعيداً عن التفاعل الإيجابي مع الأسئلة اللبنانية الجوهرية، إذ جاء في صيغة مراوحة وانتظار للموقف اللبناني الرسمي، من دون تقديم أي ضمانات حول وقف الخروقات أو تثبيت الحقوق البحرية، مكتفياً بالتشديد على الشروط الأمنية التي تتمسك بها تل أبيب.
يبدو المشهد في المرحلة المقبلة متجهاً نحو انحسار دور باراك باعتباره قناة خلفية غير رسمية، وعودة الزخم إلى الوساطات المؤسساتية، سواء عبر الموفدين الأميركيين المعروفين أو من خلال مرجعيات الأمم المتحدة، حيث الملفات المطروحة تتجاوز القدرة الفردية وتحتاج إلى غطاء دولي واضح.
في موازاة ذلك، من المنتظر أن تستمر الضغوط المتبادلة، إذ ستعتمد إسرائيل لغة التهديد الميداني في الجنوب، فيما يسعى لبنان إلى التمسك بموقف موحد يحصّن حقه في الترسيم والاستفادة من الظرف الدولي المتعلق بالطاقة والغاز.
المرحلة المقبلة تؤشّر إلى احتمالين: الأول استئناف المفاوضات التقنية على أسس معترف بها دولياً، والثاني الانزلاق إلى تجاذب أشد يفتح الباب أمام مزيد من التوترات على الحدود.
عمومًا، كشفت مهمة باراك بوضوح أن الملفات الكبرى لا تُعالج بقنوات فردية، بل تتطلب إرادة سياسية صريحة وإطاراً تفاوضياً رسمياً يضمن التوازن والحقوق.